قوات روسية في عمق النفوذ الإيراني.. صراع أم اتفاق أم رسائل ولمن؟
في تحرك مفاجئ، انتشرت قوات الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، في عدة نقاط واقعة على الحدود السورية – العراقية قرب مدينة البوكمال.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن هذه القوات بدأت في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري بالانتشار، وتسلمت بعض النقاط من الفصائل الموالية لإيران مثل “حركة النجباء وحزب الله العراقي والأبدال”.
وأوضح المرصد آنذاك، أن هذه الانتشار، جاء بعد اتفاق روسي – إيراني غير معلن ولم تتضح ملامحه، بالإضافة إلى أنه يأتي بعد أسبوع من افتتاح مكتب للقوات الروسية وسط مدينة البوكمال.
وفي أواخر عام 2017، سيطرت قوات حكومة دمشق، مدعومة بالفصائل الموالية لإيران على مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، بعد معارك مع مرتزقة داعش بدعم جوي من الطيران الروسي، إلا أنه وبعد فترة قريبة تحدثت وسائل إعلامية أن قوات الفرقة الرابعة انسحبت من البوكمال لتبقى المدينة تحت سيطرة الفصائل.
ومنذ ذلك الوقت لم تستقر هذه المدينة، فقد تعرضت الفصائل الموالية لإيران لعشرات الغارات من قبل طيران مجهول تم توجيه الاتهام فيها أحيانًا لطائرات التحالف الدولي ضد داعش بقيادة أميركا وأحيانًا إسرائيل.
وتعتبر مدينة البوكمال ذات أهمية كبيرة وجسرًا لإيران، كونها تضم المعبر البري الوحيد الذي يربط الدول الثلاث (إيران- العراق- سوريا)، لتعبر من خلاله إلى شواطئ البحر المتوسط.
ملاحقة روسيا لإيران في الأراضي السورية، لم تبدأ في مدينة البوكمال، إنما سبق وأن دخلت روسيا إلى الجنوب السوري حيث كانت القوات الإيرانية موجودة هناك.
وشهد الجنوب السوري، حالة من التوتر، بسبب محاولة روسيا تقليص نفوذ إيران ووجدوها هناك، تطبيقًا لتعهدات قطعتها على نفسها أمام كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وذلك بحسب تقارير عديدة.
وفي عام 2018، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن روسيا وإسرائيل، وبعد أشهر من الدبلوماسية، توصلتا إلى تفاهم يقضي بضرورة إبقاء إيران وحزب الله بعيدين عن الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا، وتزامن ذلك مع زيارة لوزير الدفاع الإسرائيلي لروسيا.
ووفقاً لتقرير أوردته صحيفة “جيروزاليم بوست” في عددها الصادر (الإثنين 28 أيار/ مايو 2018)، فإن إسرائيل وروسيا اتفقتا على السماح لقوات الحكومة السورية بإعادة السيطرة على جنوب سوريا حتى الحدود مع إسرائيل، ولن يُسمح لإيران وحزب الله بالمشاركة في هذه العملية.
وفي أيلول/سبتمبر 2018، بعد الأزمة بين تل أبيب وموسكو بعد سقوط طائرة روسية بالخطأ قرب سواحل سوريا، كشف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف تفاصيل التفاهمات الروسية – الأميركية.
وقال تم “انسحاب جميع القوات الموالية لإيران وأسلحتها الثقيلة من مرتفعات الجولان إلى مسافة آمنة بالنسبة لإسرائيل وهي 140 كيلومترًا شرق سوريا”.
وأضاف أنه انسحب من هذه المنطقة 1050 عسكريًّا و24 راجمة صواريخ ومنظومة صاروخية تكتيكية تعبوية، وكذلك 145 وحدة من أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى.
وفي 25 حزيران من العام 2019، عقدت كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل قمة أمنية في القدس، اتفقوا خلالها على ضمان أمن إسرائيل.
ورغم ذلك، إلا أن الجنوب لا يزال يشهد توترًا، ويأتي الحديث عن خلاف بين روسيا وإيران، ولا سيما بعد عودة الفرقة الرابعة المدعومة من إيران إلى الظهور على مسرح الأحداث في أعقاب تأسيس “الفيلق الخامس” الموالي لروسيا.
‘ترتيبات روسية قبل تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة’
الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، رائد جبر تحدث في هذا السياق لوكالتنا قائلًا: “كل التحركات الروسية على الأرض خلال الفترة الأخيرة، تصب في اتجاه وضع ترتيبات ميدانية جديدة، انتظارًا لتسلّم الإدارة الأميركية الجديدة مهامها الشهر المقبل”.
وأوضح جبر أن “موسكو تريد فرض أمر واقع، إن كان في الجنوب، أو المناطق الشرقية في البوكمال كما شاهدنا، من أجل أن يكون لديها أوراق للتفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة”، مؤكدًا أن “هناك رؤية روسية أنه يمكن فتح حوار شامل رغم كل الملفات الخلافية بين الطرفين، لكن من أجل ذلك تريد موسكو أولًا امتصاص أي فرصة لوقوع احتكاكات واسعة النطاق، مثال ذلك في الجنوب، إسرائيل وحزب الله أو القوى الموالية لإيران، أو في الشرق”.
وحول وجود تنافس إيراني – روسي قال جبر: “طبعًا هناك تنافس، خلال السنوات الماضية، شاهدناها في مجالات مختلفة، اقتصاديًّا وأمنيًّا، من خلال السيطرة على الأجهزة الأمنية والفرق العسكرية وما إلى ذلك”.
‘رسالة روسية لواشنطن’
وأردف: “إنما موضوع البوكمال، هناك تنسيق روسي – إيراني لتخفيف احتمالات الصدام مع الولايات المتحدة، من خلال وجود روسيا في هذه المنطقة، لذلك جرى الانتشار بتنسيق مباشر مع الطرف الإيراني”.
وتابع: “هناك رسالة واضحة من ضمن الترتيبات التي تحدثت عنها سابقًا، إلى الجانب الأميركي والأطراف الأخرى، هي أن روسيا قادرة بشكل أو بأخر على ضبط الوجود الإيراني في سوريا، أنا لا أقول إنهاء الوجود الإيراني في سوريا إنما ضبط هذا الوجود، حيث أنه لا يكون هناك نقاط تماسّ خطرة يمكن أن تؤدي إلى اندلاع مواجهات”.
‘استدعاء روسي للإدارة الأميركية الجديدة إلى المباحثات’
وبدروه الأكاديمي الروسي والأستاذ في مدرسة الاستشراق بجامعة الاقتصاد العليا، أندريه تشوبريغين، تحدث لوكالتنا حول انتشار قوات موالية لروسيا في البوكمال، وقال: “روسيا لا تعلّق على انتشار القوات الحكومية في ريف البوكمال”.
وأضاف: “وفقًا للمعلومات الآتية، يمكننا أن نستنتج أن انتشار الفيلق الخامس تم عقب اللقاء بين وزيري الخارجية الروسي والسوري، حيث تم تشديد الضرورة للعمل نحو تخفيف العقوبات الخارجية على الدولة السورية”.
وأوضح أنه “يبدو أن الخطوات في هذا الاتجاه بدأت من تقصير الوجود الإيراني في سوريا، أو على الأقل وضع حد معين لهذا الوجود، باعتباره أحد الحجج لفرض العقوبات الأميركية على سوريا”.
ورأى الأكاديمي الروسي “إن مرئيات هذا الإجراءـ الذي يضع الحد للوجود الإيراني على الحدود العراقية ـ يمكن أن تعتبر خطوة لاستدعاء الإدارة الأميركية الجديدة إلى المباحثات العملية حول الأزمة السورية”.
ماذا تريد روسيا من إيران في سوريا؟
وحول مستقبل العلاقات الروسية – الإيرانية، أكد المختص بالشأن الروسي رائد جبر أنها وثيقة وقال: “موسكو تربط بين كل الملفات بطريقة واضحة، هي لا يمكن أن تتراجع في موقفها حيال الاتفاق النووي، وتريد استئناف هذا الاتفاق، وتدافع عن إيران في المحافل الدولية”.
وأضاف: “في الوقت نفسه، هي في سوريا لن تدخل في مواجهة مع الإيرانيين، هناك مساحة نفوذ محددة لكل طرف، روسيا لا تريد أن تستحوذ على مساحة النفوذ الإيراني، إيران ستبقى شريكة كما الأمر بالنسبة إلى تركيا، روسيا تريد أن تحافظ على هذا المحور، بالرغم من كل التباينات التي تظهر بين أطراف هذا المحور، لكن روسيا تسعى إلى المحافظة عليه، لأنه بالنسبة إليها هو الآلية الفعالة لتمرير سياستها واستكمالها والاستعداد للمرحلة المقبلة التي يمكن أن تشهد إطلاق عملية سياسية”.
المصدر: ANHA