أخبار

هل تشعل الأزمة الأوكرانية أول “حرب اقتصادية عالمية”؟

أعادت حادثة تسرب الغاز الروسي في بحر البلطيق إلى الأذهان مضمون أسئلة قديمة ومتجددة، حول ما إذا كان العالم قد أصبح على وشك الدخول في أتون ما يسمى بـ”الحرب الاقتصادية العالمية الأولى”، لا سيما مع تصاعد حدة الاتهامات المتبادلة بين روسيا وأميركا حول فرضية حصول “عمل تخريبي” استهدف خط “نورد ستريم”، والتي كان آخرها ما جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، بهذا الخصوص.

الحيثيات الروسية

ينفي الجانب الأميركي هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، لكن الجانب الروسي يصر عليها، معتمدا في رؤيته على مجموعة من العوامل، يتمثل أبرزها في التالي:

  • إعلان الرئيس جو بايدن في 23 فبراير الماضي، عشية بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، اعتزامه “التخلص” من “نورد ستريم-2″، قائلا في معرض إجابته على سؤال لإحدى الصحفيات: “أعدك بأننا سنتمكن من فعل ذلك”.
  • المناورات العسكرية التي أجرتها البحرية الأميركية في يونيو الماضي في الدنمارك، حيث يمر خط الأنابيب، والتي ركزت على التعامل مع الألغام، بما في ذلك بمساعدة المركبات غير المأهولة تحت الماء.
  • التظاهرة التي نظمها مئات المواطنين الألمان في مدينة لوبمين الواقعة في أقصى شمال شرقي ألمانيا، قبل أيام من وقوع حادثة تسرب الغاز، مطالبين بإعادة فتح خط “نورد ستريم 2″، ورافعين لافتات كتب على بعضها “غاز أميركا لا.. غاز نورد ستريم 2 نعم”، و”افتحوا نورد ستريم 2″، و”الحكومة يجب أن ترحل”، بحسب ما أوردته وكالة “رويترز”.

التوقعات الاستخباراتية

في سياق الحديث عن أزمة الطاقة الراهنة في أوروبا، والعوامل الاقتصادية التي كانت من بين الأسباب الرئيسية لاندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية، منذ بداياتها عام 2013، لا بدّ من الإشارة إلى أن بعض التوقعات الاستخباراتية، في ذلك العام، ذهبت إلى حد التحذير من أن حالة التوتر التي خيمت على أجواء الدول المعنية بالتطورات الجارية في أوكرانيا، “يمكن أن تشكل أرضية لنشوب الحرب الاقتصادية العالمية الأولى”، وفقًا للإحداثيات التالية:

  • جاء توصيف “الحرب الاقتصادية العالمية الأولى” عام 2013، على لسان المدير السابق لجهاز “ناتيف” الاستخباراتي الإسرائيلي، ياكوف كيدمي، الذي أكد أن روسيا ستكون قادرة على الرد بقوة، وبالشكل الذي سيؤهلها لكسب الحرب بجدارة.
  • بنى كيدمي فرضيته على بديهية أن دافعي الضرائب الأوروبيين لن يترددوا في العمل على الإطاحة بالأنظمة القائمة في دولهم، احتجاجا على تدهور أحوالهم بسبب أوكرانيا، مما سيصب في نهاية المطاف في مصلحة روسيا.
  • إطلاق تلك الفرضية بالتزامن مع نشر حصيلة ما أظهرته نتائج استطلاع للرأي العام الفرنسي (وقتذاك) عن أن 65 في المئة من الفرنسيين يرفضون تقديم مساعدات مالية لأوكرانيا، وأن 67 في المئة منهم يعارضون انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

توصيات هنري كيسنجر

يذكر أن عميد الدبلوماسية الأميركية المخضرم، هنري كيسنجر، حاول احتواء تداعيات الأزمة الأوكرانية منذ عام 2016، عندما أوصى في مقالة جريئة نشرها في صحيفة “ناشيونال إنترست”، بعد أيام من زيارة أجرها للرئيس الروسي بوتين، بالتالي:

  • ضرورة النظر إلى روسيا كعنصر رئيسي في أي توازن عالمي جديد، عوضا عن اعتبارها “الخطر الوحيد والمطلق” الذي يهدد الولايات المتحدة.
  • “في ظل تكوّن عالم متعدد الأقطاب، فإن من شأن تنسيق الجهود الروسية والأميركية، وبالتشاور مع الدول الكبرى الأخرى، إيجاد هيكلية لصياغة الحلول السلمية في منطقة الشرق الأوسط، وربما في غيرها من مناطق العالم، بما في ذلك أوكرانيا”.
  • “يُفترض أن تتركز الجهود المبذولة من أجل فض أزمة أوكرانيا، على ضرورة دمجها إطار هيكلية الأمن الدولي والأوروبي، بحيث تصبح جسرا يربط بين روسيا والغرب، عوضا عن أن تكون منطلقا لهذا الجانب أو ذاك ضد الآخر”.

يشار إلى أن الأزمة الأوكرانية بدأت في نوفمبر عام 2013، على خلفية تداعيات اقتصادية عبّر عنها المحتجون في “ميدان الاستقلال” في كييف ضد القرار الذي اتخذه الرئيس الأوكراني (السابق) فيكتور يانوكوفيتش، بشأن تأجيل التوقيع على اتفاقية الشراكة الانتسابية مع الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى قيام الدوائر الأميركية والأوروبية بتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للمحتجين، وبالتالي إلى الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش.

في المقابل، ثارت حفيظة بوتين، مما دفعه إلى توجيه اتهامات مباشرة لتلك الدوائر بممارسة الضغوط على أوكرانيا وابتزازها.

بوتين أكد في ختام مباحثات أجراها في روما مع رئيس الوزراء الإيطالي (السابق) إنريكو ليتا في 26 من الشهر نفسه، على أن “فتح الحدود الأوكرانية مع الاتحاد الأوروبي، في ظل التجارة الحرة مع روسيا، يمكن أن يدمّر قطاعات كاملة للاقتصاد الروسي، مثل صناعة السيارات وصناعة الطائرات والقطاع الزراعي”، مشددا على أن بلاده “لا تستطيع دفع هذا الثمن لتنال إعجاب دول الاتحاد”.

الهواجس الراهنة

  • ويتوقف المتابعون لمسار العلاقات الروسية – الغربية عند عامل التنافس الاقتصادي بين الجانبين لدى الحديث عن الهواجس العسكرية الراهنة، لا سيما بعدما نقلت صحيفة “ديلي ستار” البريطانية، الاثنين، عن وزير الدفاع بن والاس.
  • والاس قال إن “بريطانيا ستحصل على سفينتين مصممتين لحماية البنية التحتية تحت الماء مثل الكابلات وخطوط الأنابيب”، وذلك في إشارة إلى ما جرى في أعماق بحر البلطيق الشهر الفائت.
  • يرى الكثير من هؤلاء المتابعين أن الموقف البريطاني الأخير، معطوفًا على ما صرّح به وزير المال الألماني كريستيان لندر، مؤخرا، عن أن بلاده تعيش “حرب طاقة” مع روسيا، يشكل مؤشرا واضحا على إمكانية نشوب “الحرب الاقتصادية العالمية الأولى” في المستقبل القريب.
المصدر: سكاي نيوز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى