مقالات

محمد سيد رصاص: سوريا الجديدة في المدار الأميركي

(السلام- المركز الكردي للدراسات).. في ربيع عام 2015 سيطر “جيش الفتح”، وهو ائتلاف عسكري بين فصيلي “جبهة النصرة” و”حركة أحرار الشام”، على كامل محافظة إدلب، ثم اتجه في صيف ذلك العام جنوباً في عمق سهل الغاب عقب تقهقر قوات النظام السوري السريع. وكان واضحاً، وهذا ما أكدته معلومات لاحقة، بأن الهدف من السيطرة على حمص كان لقطع طريق دمشق- الساحل، بالوقت الذي قام فصيل “جيش الإسلام” بالسيطرة على كيلومترات عديدة من أوتوتستراد دمشق- حمص في منطقة عدرا بشهر أيلول/سبتمبر.

في 30أيلول/سبتمبر 2015 بدأ التدخل العسكري الروسي في سوريا، وكان واضحاً من مؤشرات عدة لاحقة بالأشهر التالية، منها بيانات لقائي فيينا ومن القرار 2254 ثم مؤتمر جنيف3 ، بأن هناك توافقاً أميركياً- روسياً حول الملف السوري، وحول عملية إنقاذ النظام السوري من سقوط وشيك بانت ملامحه في تلك الأشهر والتي تولاها الروس والإيرانيون الذين كانوا قد عقدوا اتفاقهم النووي مع واشنطن في صيف 2015 والذي صرح حوله مستشارون للرئيس باراك أوباما بعد خروجه من البيت الأبيض بأنه “مقايضة بين تحديد سقوف قدرات إيران النووية وبين إغماض واشنطن العين عن تمدد طهران في المنطقة”.

 الآن، بعد تسع سنوات، لم تُستكمل عملية إنقاذ للنظام السوري من السقوط، بل ترك وحيداً، ليسقط بسهولة خلال مدة لم تتجاوز 12 يوماً أمام حركة مسلحة قام بها ضده فصيل “هيئة تحرير الشام” انطلاقاً من إدلب. كذلك يجب التذكر بأن واشنطن، ورغم تصريح أوباما في 18آب/أغسطس2011، عن أن “يجب الرئيس السوري أن يرحل”، إلا أنه لم يُظهر خطوات عملية من أجل ذلك كما فعل في ليبيا، والأرجح أن الخوف من “فراغ سوري”، يمكن أن يعقب سقوط الديكتاتور كما حصل في عراق 2003 وليبيا 2011، قد أخاف دول الجوار السوري وأولهم اسرائيل، ما جعل أوباما يتردد في تكرار سيناريو تدخله هو والحلفاء في ليبيا.

ولكن، في عام 2024 تم ترك النظام السوري يسقط، وهو نظام كانت واشنطن تشجع العرب منذ عام 2021 على مبادرات التقرب منه، وفي صيف 2024 جاءت نداءات خطب الود لبشار الأسد من أردوغان ومسؤولين أتراك  بما يتجاوز أصابع اليدين من المرات، وفي شهري حرب لبنان الأخيرة كان النظام السوري في حالة “نأي بالنفس” عن الحرب، وهو ما أرضى تل أبيب وواشنطن.

إذاً، فإن السؤال الذي يجب طرحه الآن: لماذا سقط النظام السوري في عام 2024 ولم يسقط في تجربتي 2011 و2015 بفعل الحماية الدولية التي أسعفته وحمته بالحالتين؟ في قراءة من موسكو وطهران أنه نظام ضعيف الأسس الداخلية، وقواه الذاتية غير قادرة على منعه من السقوط بالعامين المذكورين، وسط تواطؤ خفي من واشنطن وتل أبيب، والأرجح عواصم عربية عدة. ومنذ مجيء حافظ الأسد للسلطة عام 1970 كان لقبوله  بالقرار 242 للحل السلمي (أو التساكن) مع إسرائيل هو الطريق لصعوده إلى السلطة، وبالمقابل كان لرفض اللواء صلاح جديد هذا القرار  سبباً  لسقوط نظام بعث 23 شباط 1966.

الأرجح أن مفتاح الجواب هو في يوم 24شباط/ فبراير2022عندما بدأ التورط الروسي في الحرب الأوكرانية وخطة واشنطن في إنهاك موسكو عبر تلك الحرب، وفي يوم7 أكتوبر2023 عندما بدأت حرب غزة ثم أعقبتها حرب لبنان الأخيرة بين يومي17 أيلول – 27 تشرين الثاني عندما ضربت، والأرجح قطعت، ذراعا إيران الأساسيان في المنطقة وهما حركة حماس وحزب الله وظهرت طهران ضعيفة عندما ضُربت وعندما حاولت هي أن تضرب إسرائيل.

هنا، يجب التذكر بأن وقف إطلاق النار للحرب اللبنانية قد بدأ طبخه في موسكو مع زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمر، ثم استكمل طبخه في واشنطن من قبل ديرمر، ومن تابع الصحف الإسرائيلية الشهر الماضي كان يلمس بأن الضربة القاضية لحزب الله لا يمكن توجيهها عبر جنوب لبنان والضاحية الجنوبية، بل عبر إغلاق الجسر السوري لطريق إيران- العراق- سوريا- لبنان، وأن اتفاق وقف إطلاق النار لا يمكن أن يأخذ مفعوله من دون  إغلاق لهذا الجسر الذي قال حسن نصر الله لأحد قادة المعارضة السورية عام 2013 في تبرير تدخله العسكري بسوريا بأنه “يختنق من دون هذا الجسر”.

في هذا الصدد، يبدو أن تمنّع بشار الأسد عن التعاون على منع الإمداد الإيراني لحزب الله والتعاون في ذلك بوصفه بنداً أساسياً في الاتفاق، أو بالأحرى عدم قدرته على اتخاذ هذا القرار بسبب التغلغل الايراني في السلطة السورية، قد ساهم في رفع الغطاء الدولي عنه، وسط ضعف روسي بسبب الحرب الأوكرانية والانشغال بها ووسط هزيمة إيران في حرب خاضتها ذراعيها في غزة ولبنان.

هنا، يبدو أن هناك طرفاً سورياً، هو “هيئة تحرير الشام”، قد قرأ هذه اللحظة السياسية الملائمة فضرب ضربته في صباح اليوم نفسه الذي بدأ فيه تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وعلى الأرجح بموافقة أميركية- تركية، في قراءة من واشنطن، وعلى الأرجح دولتها العميقة، بأن الضربة الدمشقية هي أبعد من لبنان لتكون بمثابة ضربة قاضية لنفوذ إيران في المنطقة وبداية انكفائها نحو الداخل وضربة كبرى لروسيا، وكلاهما، أي روسيا الذي يتهيأ دونالد ترامب لمفاوضاته معها حول أوكرانيا وهو ما يجعل الرئيس الروسي ضعيفاً بتلك الضربة السورية، وأن إيران حين تنكفىء للداخل وتفقد قوتها في الإقليم يمكن لترامب أن يعقد معها اتفاقاً نووياً جديداً “ملائماً” وتكون بعده سدّاً جغرافياً يمنع الصين من الوصول  للشرق الأوسط عبر مشروع (الحزام والطريق) كما كانت أوكرانيا سداً أميركياً  بوجه هذا  المشروع منذ اضطراب 2014 يمنع وصول الصين للقارة الأوروبية وفق الطريق الأوراسي للمشروع الصيني.

كتكثيف: سوريا في يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 قد انتقلت إلى المدار الأميركي، بعد أن كانت تدور في فلك موسكو والمعادين للغرب بدءاً من الخمسينيات، عدا فترة حكم الانفصال. سقط النظام السوري لأنه كان في حالة تعفّن داخلي مديد ويفتقد أسس البقاء الداخلية والركيزة الاجتماعية القادرة على حمايته، وإذا منع من السقوط بفعل الخارج لمرتين سابقاً فإن المرة “التالتة كانت فالتة”، وبالتأكيد فإن نضالات السوريين ضده كان لها دور كبير في تشكيل عوامل اهتزازه ونخره وتعفنه ولكن تجربة ما بعد عام 2011 تُظهر بأن  نظاماً مثل النظام السوري كان جزءاً من “منظومة دولية تم بناؤها منذ عام 1970” لا يمكن أن يسقط بفعل قوة داخلية سورية محضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى