“لوفيجارو”: منصور يافاش الرجل الذي يثير قلق أردوغان
خلال أشهر معدودة، أحدث عمدة أنقرة الجديد منصور يافاش ثورة في عاصمة تركيا، حيث قام العمدة الذي أتى من صفوف المعارضة، ببضع مبادرات ناجحة، الأمر الذي من شأنه إثارة قلق الرئيس التركي، الذي يعتبره منافسا خطيرا للانتخابات الرئاسية لعام 2023.
وقالت صحيفة ”لوفيجارو“ الفرنسية، إن القصة لا تقتصر على منصور يافاش، بل هي قصة عاصمة راهن منصور على تجديدها.
ودع منصور المنحوتات قديمة الطراز ومجسمات الديناصورات العملاقة التي أقامها سلفه، وافسح الطريق لمسارات الدراجات، وتجميل الحدائق، والطاقة المتجددة، وعملية تجميل المدينة السريعة المدعومة بالديمقراطية والتشارك.
وتعتبر هذه التغيرات واضحة للزوار الذين شاهدوا أنقرة في سابق عهدها والتي كانت عاصمة الجمهورية التي أقامها أتاتورك في عام 1923، قبل أن يهيمن عليها الزحف العقاري للمحافظين الإسلاميين في حزب العدالة والتنمية.
ومنذ انتخابه في مارس 2019 لرئاسة مجلس المدينة التي يهيمن عليها حزب الرئيس التركي منذ 25 عاما، وضع الرجل البالغ من العمر 60 عاما بصمته بحماسة في جميع أنحاء المدينة، وبينما يختبئ منافسوه في حزب العدالة والتنمية خلف حراسهم الشخصيين، يظهر يافاش منفردا، وأحيانا مع زوجته وهما يتجولان في الحديقة.
وعندما رفضت الحكومة النداءات بالتبرعات للأسر محدودة الدخل خلال الموجة الأولى من كوفيد-19، دعا يافاش أصحاب النفوس الطيبة لسداد ديون الأقل حظا لدى محلات البقالة، وعندما اضطرت المطاعم إلى الإغلاق بسبب الوباء، حرص على أن يتم إطعام القطط والكلاب في الشوارع مجانا حتى لا تموت جوعا، وفق تعبير الصحيفة.
مكافحة الفساد
وقال العمدة يافاش: ”عندما توليت منصبي، ورثت دينا يقدر بـ 2 مليار دولار، واكتشفنا أن مشروع مترو الأنفاق، والذي لم يكتمل، لم يُدفع ثمنه، وعلينا الآن أن ندفع 500 مليون دولار، وحتى الآن، فتحنا نحو خمسين تحقيقا وإجراءات قانونية في الفساد”.
ولوضع حد لهدر المال العام، يدعو يافاش إلى الشفافية، ووفقا لمبادرته، يناقش مجلس مدينة، والمكون من 500 منظمة مدنية، المشاريع الحضرية، وتقام المناقصات على الهواء مباشرة عبر الشبكات الاجتماعية، وفق تقرير الصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن يافاش يواجه العديد من التحديات، فمن بين البلديات الـ 25 في مقاطعة أنقرة، لا تزال 19 بلدية في أيدي حزب العدالة والتنمية، الذي يسارع إلى عرقلة مبادراته الناجحة، كما أن الحصول على المعونة المالية مشروط بموافقة الحكومة.
أسلوب مميز
ويمتلك منصور يافاش أسلوبا مميزا ورؤية شاب من منطقة بيبازاري في أنقرة، ابن بائع صحف توفي شابا، وتولت أمه المسؤولية وشجعته على مواصلة تعليمه العالي.
وبعد دراسة القانون في اسطنبول، دافع يافاش عن تحرير المرأة، وشجع النساء المحاصرات خلف 4 جدران في منازلهن، على مغادرة منازلهن والعمل، وفق تقرير الصحيفة الفرنسية.
وذكر أنه في أحد الأيام، أتت إحداهن لتطلب منه وظيفة في مبنى البلدية، حيث كان زوجها مدمن كحول، وبدلا من توظيفها، عرض عليها أن تستخدم مهاراتها من خلال فتح كشك في الشارع لبيع الأطباق التي تجيد طبخها.
واليوم، تدير مطعما تعمل فيه 30 امرأة أخرى، ومنذ ذلك الحين بدأ 2000 شخص آخر في بيع المنتجات المحلية، وهو ما وصفته ”زهرة صديق“، ربة المنزل السابقة، والتي تزوجت في السادسة عشرة من عمرها، بالـ ”ثورة“، حيث كانت تتكلم عن العاصمة قبل وبعد منصور يافاش، في إشارة إلى الاختلافات الجوهرية التي حدثت.
وقالت زهرة: ”ظلت النساء هنا، لفترة طويلة، سجينات التقاليد الأبوية، واليوم، ابنتي البالغة من العمر 15 عاما تهدف إلى دراسة الهندسة!“، مشيرة إلى أن منصور كان ”حصنا ضد تراجع حرية المرأة“، وسط الضغط الديني من المحافظين في حزب العدالة والتنمية، والذين يهيمنون على السلطة منذ عام 2002.
مسألة شخصية
وبالنسبة لمنصور يافاش، يبقى الدين مسألة شخصية، حيث قال عالم الأنثروبولوجيا هارون ديمير: ”في يوم من الأيام عندما كنا نتبعه لتصويره، اقترحنا تصويره أمام مسجد، ولكنه رفض رفضا شديدا، وقال إنه يفضل خسارة الانتخابات بدلا من أن يضفي على حملته صبغة دينية“.
ومنذ فوز منصور في مارس 2019، بـ 50.9٪ من الأصوات ضد المرشح التابع لحزب العدالة والتنمية، امتنع عن التعليق عن موضوع تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد أو على المغامرة العسكرية لأردوغان، الذي يحلم بتنصيب نفسه زعيما عالميا جديدا للمسلمين، على حد تعبير لوفيجارو.
وقال منصور: ”أنا لا أتصرف نيابة عن حزب سياسي، أنا عمدة سكان انقرة بالكامل“.
عصر الديناصورات
ويقول تقرير الصحيفة الفرنسية، إن منصور يافاش يتهرب من الجدل والبرامج التلفزيونية، ولكن طموحاته لأنقرة تتحدث نيابة عنه، حيث جعل رفاهية سكان عاصمة تركيا، التي تقوضها المحسوبية والرشاوى، أولويته.
فعلى سبيل المثال، فتح منصور أبواب متنزه كويبوك مرة أخرى، والذي كان تم تحويله من مساحة خضراء شاسعة إلى مكب نفايات في عهد حزب العدالة والتنمية، وتفاخر حسن يالسينتاس، واحد من العديد من المتطوعين الذين يعملون جنبا إلى جنب مع رئيس البلدية: ”تكلف تنظيف المتنزه وإعادة تأهيله 6 ملايين ليرة تركية فقط، أي أقل بكثير من الـ 750 مليون دولار التي أهدرها مليح غوكشيك في حديقة ملاهي الديناصورات الضخمة، التي بناها على غابة قديمة، والتي كانت مذبحة للطبيعة“.
وقال عالم اجتماع تركي: ”تظهر عبقرية منصور في براعته في تخطي مشاريع حزب العدالة والتنمية من خلال تقديم خدمات اجتماعية، والتي كانت مفتاح نجاح حزب العدالة والتنمية في أوائل العقد الحادي والعشرين، ومحور سياسة أردوغان“.
هذا ووفر منصور ”إنترنت“ مجانيا في بلدية تشيشكتيبي، حتى يتمكن الطلاب من الدراسة عبر الإنترنت خلال فترة وباء كورونا، وقالت ”سينا نور“، 12 عاما: ”مع إغلاق المدارس، بسبب كوفيد-19، نتناوب على الدراسة عبر الإنترنت“.
وحتى الآن، استفادت 22 ألف أسرة في محافظة أنقرة من خدمة الإنترنت المجانية: وقال سيث كورت، وهو مواطن تركي متقاعد: ”منصور يافاش لا يتكلم، بل يفعل“.
هذا وأطلق العمدة مبادرة زراعية تهدف إلى تعزيز الإمكانات الزراعية الغنية للمنطقة، والتي أُهملت لفترة طويلة لصالح سباق صناعة البناء، وتعتبر موضع ترحيب في فترة من الركود الاقتصادي“.
وقال ”اوكان يالكين“ مزارع محلي: ”يشتري منا مبنى البلدية المواد التي لا تُباع من حصادنا، ثم يبيعها بسعر مخفض أو يوزعها مجانا على السكان المحتاجين“.
الترشح للرئاسة
وتشير الصحيفة إلى أن كل هذه التدابير الناجحة يمكن أن تشجع النجم الصاعد الجديد من أنقرة على الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2023، وقال المحلل السياسي ”إيلهان أوزيل“: ”لا يمكن انكار إنجازاته، فقد تمكن في فترة قصيرة من اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، وهو مدير قبل أن يكون سياسيا، ولكن هذا يمكن أن يضر به أيضا: فالسكان يتوقعون من رئيس الدولة المستقبلي أن يعلق على القضايا الساخنة في البلاد“.
وأضاف: ”يمكن أن تكون صلاته السابقة مع القوميين المتطرفين في حزب الحركة القومية، أمرا منفرا لناخبي الأقلية الكردية، ومع ذلك لدى أردوغان سبب للقلق، إذ أظهر استطلاع حديث أجراه معهد أكام أن منصور يافاش وحليفه من إسطنبول، إكريم إمام أوغلو، لديهم الأفضلية على أردوغان“.
ومع ذلك يظل منصور متحفظا كالعادة، ويقول ”في الوقت الراهن، لا تزال مدينة أنقرة أولويتي“.
المصدر: إرم نيوز.