كيف تستخدم الصين وروسيا لقاحات الفيروس التاجي لتوسيع نفوذهما؟
تتباين الوسائل والمنهجيات التي تتبعها مختلف دول العالم من أجل توفير اللقاحات اللازمة لفيروس كورونا، ويعتمد كل طرف مطور أحد المسارين، إما التخزين أو التشارك.
وتعتمد الولايات المتحدة المسار الأول، حيث طورت لقاحين واعدين مضادين للفيروس التاجي من خلال شركتي فايزر وموديرنا، اللتين أوشكتا على الحصول على موافقة الجهات المختصة، وتركز إدارة ترامب على التوزيع المحلي من المختبرات الخاصة.
ووفقا لصحيفة ”واشنطن بوست“ الأمريكية، فإن الاتحاد الأوروبي اشترى وغيره من الديمقراطيات الغنية الكثير مما تبقى من الجرعات الأولية، ولكنه سيقدم أيضاً الدعم للجهود المرتبطة بمنظمة الصحة العالمية لتوزيع الإمدادات في نهاية المطاف على البلدان المحتاجة.
وتعتمد الصين وروسيا المسار الثاني، حيث سارعتا إلى تقاسم لقاحاتهما المدعومة من الدولة مع الدول المحتاجة، ما وضعهما في موقف يمكنهما من مد نفوذهما ومصالحهما السياسية والاقتصادية.
ويتجاوز هذا التباين بين النهجين أزمة الوباء، حيث يعكس كيف يتحدى صعود القوى الاستبدادية وتراجع الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب المنتهية ولايته النظام العالمي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وقال ديفيد فيدلر، الزميل الأول في الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية: ”إن التدخلات الصحية والصيدلانية العالمية باتت مرتبطة بسياسات توازن القوى، وبالنسبة للولايات المتحدة، يخلق هذا كوابيس جيوسياسية، لأنها لا تشارك في اللعبة“.
وشرح أن الوباء أصبح ”مضاعفا للقوة“، ما سرع من تراجع النفوذ الأمريكي، وتتوقف النتيجة النهائية، على نهاية سباق تطوير اللقاح.
وقالت مجموعة التعاون بين جامعة أوكسفورد وشركة أسترازينيكا البريطانية السويدية العملاقة للأدوية، يوم الاثنين، إن لقاحها كان فعالا بنسبة تصل إلى 90 % عندما يتلقى الأفراد نصف جرعة، تليها جرعة كاملة بعد شهر واحد.
ورقة مساومة
وتحشد بكين وموسكو كافة القوى والجهود لتطوير لقاحات للاستخدام المحلي والدولي، وتروجان لبراعتهما العلمية والتصنيعية، على الرغم من التساؤلات الحيوية حول السلامة والفاعلية، أو حتى ما يمكن أن تنتجه كل دولة، إلا أنه حتى الآن تظل هذه التساؤلات في الخلفية في السوق الذي يسيطر عليه البائع.
وحتى الآن، كانت الولايات المتحدة تتجنب المشاركة في اللعبة، ورفضت الانضمام إلى أكثر من 170 دولة أخرى في كوفاكس، وهو البرنامج الذي تدعمه منظمة الصحة العالمية لتقديم مليارات جرعات اللقاح إلى الدول الأقل نمواً، ولم تحدد الولايات المتحدة أي خطة لتقاسم الجرعات مع أي دولة أخرى.
وتوقع كيندال هويت – وهو أستاذ مساعد في كلية جيزيل للطب في دارتموث – أن يجد الرئيس المنتخب جو بايدن طريقة للمشاركة، إما من خلال الانضمام إلى الجهود المتعددة الأطراف لتطوير اللقاحات، أو إبرام صفقات ثنائية، أو كليهما.
وقال هويت: ”إنها أقوى ورقة مساومة موجودة الآن“.
وفي حين توقع الصين اتفاقيات للحصول المبكر على اللقاحات في المناطق التي تنازعت فيها على النفوذ مع الولايات المتحدة تاريخيا، تقول شركات الأدوية الغربية إن مجرد تلبية طلباتها الحالية من أوروبا وأماكن أخرى سيكون تحديا لوجستيا كبيرا.
ووجد تحليل حديث من باحثين في جامعة ديوك أن البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط قد اشترت بالفعل 3.8 مليار جرعة من اللقاحات الواعدة، وضمنت خيار شراء 5 مليارات جرعة أخرى، وتوقع الفريق أن ينتظر مليارات الأشخاص في البلدان النامية حتى عام 2024.
ويُنظر إلى جهود كوفاكس المرتبطة بمنظمة الصحة العالمية على أنها دعم مهم للبلدان الأكثر فقراً التي ستكافح من دونه للحصول على اللقاحات، إلا أن الجهود كانت بطيئة الانطلاق، حيث حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في قمة مجموعة العشرين الافتراضية في نهاية الأسبوع الماضي من أن ”الصينيين يطرقون الأبواب“ أمام الدول النامية.
وقال فيدلر: ”الصينيون يقولون إن لديهم لقاحاً سيتاح عاجلا بدلا من آجلا، عندما يمكن أن يكون لدى كوفاكس لقاح متاح“.
عرض اللقاحات الصيني
تمتلك الصين 5 لقاحات محتملة في المراحل النهائية من التجارب، طُورت في المناطق التي لها أهمية استراتيجية لبكين، وتجري التجارب في أكثر من 12 دولة، بما في ذلك إندونيسيا وباكستان وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والبرازيل.
كما عرضت بكين مليار دولار من القروض على الدول التي تواجه صعوبة في دفع ثمن اللقاحات، وفقا لوزارة الخارجية المكسيكية، ولكن قد تكون أكبر المزايا التي يمكن لبكين الفوز بها في جنوب شرق آسيا، حيث تتنافس الصين والولايات المتحدة على النفوذ الاستراتيجي والثقافي.
ووقعت الصين اتفاقيات مع ماليزيا واندونيسيا للحصول على أولوية الحصول على لقاح شركة سينوفاك للتكنولوجيا الحيوية، وتقدمت بسرعة نحو التجارب في وقت سابق من هذا العام مع تصاعد حالات الإصابة في البلدين وتعثر الاقتصاديين.
وقالت وكالة الأغذية والعقاقير الإندونيسية يوم الخميس إن شركة فايزر وأسترازينيكا ومطوري لقاح ”سبوتنيك في“ الروسي تواصلوا جميعا حول إمكانية إجراء تجارب على اللقاحات وإقامة الشراكات مع شركات الأدوية الإندونيسية.
ونشرت سينوفاك – وهي واحدة من مطوري اللقاحات المحتملة لفيروس كورونا في الصين – نتائج متباينة من أول تجربتين لها الأسبوع الماضي، وذكرت الشركة أن اللقاح ولّد مستويات أقل من الأجسام المضادة الواقية في مجرى الدم مقارنة بتلك المكتشفة في المرضى الذين تعافوا من الفيروس التاجي.
وقالت بكين إنها لن تستخدم اللقاح لمد النفوذ الدبلوماسي، ولكن في تصريحات عامة، ربط المسؤولون الصينيون اللقاح بمزيد من التعاون والتواصل، مشيرين إلى إستراتيجية السياسة الخارجية للصين، وهي مبادرة ”الحزام والطريق“، التي تسعى إلى بناء روابط نقل وتجارة عبر آسيا وخارجها.
ومع تراجع إدارة ترامب عن القيادة الصحية العالمية، وأبرزها التهديد بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، زاد وضوح تدخل بكين، وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في بيان مصور يوم السبت لمجموعة العشرين إن الصين ”مستعدة لتعزيز التعاون“ مع الدول الأخرى لتسريع تطوير وتوزيع اللقاحات.
وقال شي جين بينغ: ”سوف نفي بالتزاماتنا ونقدم المساعدة والدعم للدول النامية الأخرى ونعمل بجد لجعل اللقاحات صالحا عاما يمكن للمواطنين من جميع الدول استخدامه وتحمل تكلفته“.
تساؤلات وتناقضات
ومع ذلك هناك تساؤلات حول ما يمكن أن يعنيه الاعتماد على الصين لتوصيل الجرعات بالنسبة لبلدان جنوب شرق آسيا، لاسيما وهي تقاوم مطالب بكين في بحر الصين الجنوبي، على سبيل المثال.
وقال سيباستيان سترانجيو، مؤلف كتاب صدر مؤخراً عن علاقة بكين بجنوب شرق آسيا، إن إستراتيجية اللقاحات في الصين هي جزء من حملة أوسع نطاقاً لتصوير نفسها على أنها ”شريك إقليمي مفيد ومتفهم وحتمي“.
وتوقع سترانجيو أن استخدام بكين للنفوذ سيكون هادئا وأن العملية التبادلية لن تكون مباشرة، مثل طلب الصين من الحكومة الماليزية الإفراج عن عشرات الصيادين الصينيين المحتجزين لدخولهم مياه ماليزيا بشكل غير قانوني الشهر الماضي، الذي جاء خلال نفس الاجتماعات التي عُقدت للتفاوض على مخططات توزيع اللقاح.
ولا يزال الرجال مسجونين. ونشرت بوابة ”ماليزياكيني“ الإخبارية، رسائل من الماليزيين حول القضية، بما في ذلك رسالة تقول إن ماليزيا لن تُبتز باللقاح الصيني.
وقال سترانجيو إن الصين “ ستتعامل بذكاء مع هذا الأمر، حيث سيكون هناك الكثير من التنازلات الصغيرة التي تتراكم على المدى الطويل“.
مناورة سبوتنيك الروسية
وتعتبر دبلوماسية اللقاحات الروسية جزءاً من حملة أوسع نطاقاً من جانب الرئيس فلاديمير بوتين لإعادة التأكيد على مركز روسيا كقوة عالمية، وحتى الاسم الذي اختارته لأول لقاح لها، سبوتنيك في، يذكرنا بسباق الفضاء في الحرب الباردة في الخمسينيات.
ويزعم المسؤولون الروس أن لديهم طلبات من نحو 50 دولة بـ 1.2 مليار جرعة من ”سبوتنيك في“ في العام المقبل، ويقولون إنهم تفاوضوا على صفقات مع شركات في كوريا الجنوبية والهند والصين وكازاخستان والمجر التي يقودها الرئيس القومي فيكتور أوربان.
كما تجري روسيا التجارب السريرية في الهند والاتحاد الأوروبي والبرازيل وفنزويلا وبيلاروسيا. وقد أثار الاندفاع نحو نشر اللقاح قبل تجارب المرحلة الثالثة تساؤلات حول سلامة اللقاح وفاعليته.
ويقول مطورو ”سبوتنيك في“، مركز ”غاماليا“ الوطني لعلم الأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، إن اللقاح فعال بنسبة 92%، كما سجلت روسيا لقاحا ثانيا وثالثا قيد التطوير.
ورفض كيريل ديميترييف، رئيس صندوق التنمية السريع، طلب إجراء مقابلة، لكنه صوّر انتقاد ”سبوتنيك في“ على أنه جهد غربي لتقويض المشروع.
ويشيد الكرملين بـ ”سبوتنيك في“ في مبادراته الدبلوماسية، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في مقابلة أجريت معه مؤخرا: ”في الوقت الحاضر، تظهر القضية على جدول أعمال مناقشات بوتين مع جميع نظرائه الأجانب“.
وقال غريغوري غولوسوف، المحلل السياسي في الجامعة الأوروبية في سان بطرسبرغ، إن روسيا لطالما حاولت أن تستخدم القوة الناعمة من خلال التأكيد على إنجازاتها التكنولوجية، وشرح: ”هذه مجرد إضافة جديدة إلى التدفق المستمر تقريبا للدعاية“.
وأضاف أن الدفعة الدولية تهدف أيضا إلى بناء الدعم للقاح الروسي في الداخل. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا في أغسطس في روسيا أن 54 % من الذين شملهم المسح لن يأخذوا اللقاح حتى لو كان مجانيا بسبب عدم الثقة والخوف.
القدرة الإنتاجية
وفي حديثه في منتدى الاستثمار الشهر الماضي اعترف بوتين بأن روسيا تواجه مشكلات في زيادة الإنتاج بسرعة لأنها تفتقر إلى المعدات.
واضطرت روسيا إلى خفض خططها الطموحة لصنع 30 مليون جرعة هذا العام، وخفضت عدد الجرعات المتوقعة إلى 2 مليون.
وقال بوتين يوم الثلاثاء الماضي في قمة دول مجموعة بريكس، المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا: ”توجد لقاحات روسية بالفعل، وهي فعالة وآمنة، والسؤال هو كيفية ترتيب الإنتاج الضخم“.
وقال أمام القمة الافتراضية لمجموعة العشرين اليوم السبت إن اللقاحات يجب أن تكون متاحة عالميا لجميع الدول الغنية والفقيرة، مؤكدا أن روسيا مستعدة لتوزيع لقاحاتها على المحتاجين إليها.
وقال بوتينفي مؤتمر القمة: ”يجب أن تكون منتجات التحصين أصولا عامة مشتركة. وروسيا مستعدة بالطبع لتزويد الدول المحتاجة باللقاحات التي يطورها علماؤنا“.
اللعبة الاستراتيجية
واختار البيت الأبيض عدم المشاركة في الجهود المتعددة الأطراف، ويرجع ذلك جزئياً إلى خلافه المستمر مع منظمة الصحة العالمية بشأن الاستجابة الأولية للفيروس التاجي ومزاعم ترامب بأن الوكالة ”تتمحور حول الصين“.
من جانبه تعهد بايدن بسحب رسالة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، لكنه لم يلتزم علناً ببرنامج كوفاكس أو أي خطة أخرى.
إلا أن السباق بدأ بالفعل، ويقول المحللون إن الصين و من المرجح أن تستفيدا بقدر الإمكان. وتبدأ إدارة بايدن في العمل أو تبدأ الشركات الغربية الخاصة في العمل في الأسواق الأبعد.
وقال يانتشونغ هوانغ، وهو زميل بارز في منظمة الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية: ”هناك لعبة استراتيجية جارية، ولكن الولايات المتحدة لا تشارك فيها“.
المصدر: إرم نيوز.