أخبار

“فايننشال تايمز”: الفوز برئاسة أمريكا يضع جو بايدن في مواجهة مع الماضي

وضع فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عبر استحقاق دستوري ”تاريخي“ في مواجهة مع الماضي بسبب تاريخه في مجلس الشيوخ والعمل مع الجمهوريين.

وتعرض بايدن في خضم المناقشات الأولية للحزب الديمقراطي العام الماضي، لهجوم بسبب تاريخه في مجلس الشيوخ والعمل مع الجمهوريين. وقالت ناقدة إن بايدن صادق العنصريين الذين دعوا للفصل العنصري في السابق، بل وحضر جنازاتهم.

والناقدة هي كامالا هاريس، منافسته التي تحولت بعد حوالي عام إلى زميلته واختارها لتكون نائبة الرئيس، واليوم مع فوز بايدن وهاريس في الانتخابات الرئاسية، بات هذا الصدام اللاذع مهما مرة أخرى.

ووفقا لصحيفة ”فايننشال تايمز“ البريطانية، فإنه عندما يتم تنصيب بايدن في 20 من شهر كانون الثاني/ يناير المقبل، من شبه المؤكد أنه سوف يضطر إلى التعامل مع مجلس شيوخ عدائي يسيطر عليه الجمهوريون، وهو ما لم يكن بحسبان الديمقراطيين، الذين كانوا يخططون خططا عظيمة سيتبعها الحزب بعد اكتساح الجمهوريين.

ونقلت عن بيل غالستون، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض في عهد بيل كلينتون، قوله إن ”من بين المتنافسين الديمقراطيين، كان بايدن الأكثر استعدادا للعمل مع الجمهوريين، وهي الصفة التي لم يعتبرها أحد مهمة، فقد كان بايدن الوحيد الذي يرى وجود حزبين أمرا مفيدا“.

أنا أتنازل

ومن المرجح، وفق الصحيفة، أن يتم اختبار قدرة بايدن الآن على التنسيق بين الحزبين، حيث لا يزال دونالد ترامب يدعي أنه فاز في الانتخابات، وليس هناك أمل كبير في أن ينطق عبارة ”أنا أتنازل“، ولا يمكن استبعاد احتمال وصول الأمر إلى معركة قانونية في الولايات التي فاز بها بايدن بفارق صغير.

واستبعدت أن يكون ترامب مفيداً خلال الفترة الانتقالية، التي تستمر 10 أسابيع من الفوز حتى يوم التنصيب، بل ويلمح المقربون منه إلى أنه قد يعلن ترشحه لانتخابات عام 2024، الأمر الذي يجعله ثاني رئيس أمريكي بعد غروفر كليفلاند في عام 1892، يخسر البيت الأبيض ويترشح مرة أخرى.

وقالت ”حتى لو خرج ترامب بهدوء، سيتعين على بايدن التعامل مع جيش من أنصار ترامب، حيث حصل الجمهوريون على مقاعد في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، ومن المحتمل جداً أن يحتفظوا بالسيطرة على مجلس الشيوخ“.

وفي هذا السياق نقلت عن بريندان بويل، عضو الكونغرس الديمقراطي عن ولاية بنسلفانيا قوله ”كنا نتوقع نبذا لأسلوب ترامب، وليس مجرد هزيمة، ولكن للأسف كان الناخبون أقل وضوحا من ذلك بكثير“.

وأضافت ”من المرجح أن يكون بايدن أول رئيس يرث حكومة منقسمة لدى توليه منصبه منذ جورج بوش الأب في عام 1988، ولكن الديمقراطيين الذين اضطر بوش الأب إلى العمل معهم كانوا مجموعة أكثر مرونة بكثير من الحزب الجمهوري، الذي يدعم ترامب“.

”موسكو ميتش“

وبحسب ”فايننشال تايمز“، ستكون العلاقة الأكثر أهمية في واشنطن بين بايدن وميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وسيبلغ الرجلان الـ 78 عاما في مطلع العام القادم. ويتخصص ماكونيل، الذي أطلق عليه النقاد الليبراليون اسم ”موسكو ميتش“ بسبب دعمه الثابت لترامب خلال قضية عزله العام الماضي وما بعدها، في تدمير الخطط الديمقراطية.

ولمدة 6 سنوات من أصل 8 سنوات هي إدارة باراك أوباما في البيت الأبيض، بعد أن فقد الديمقراطيون السيطرة على الكونغرس في موجة حركة حزب الشاي في عام 2010، أحبط ماكونيل تقريبا كل مبادرة من البيت الأبيض، وكان هدفه تدمير رئاسة أوباما حتى على حساب تمرير مشاريع القوانين التي كان من شأنها أن تكون مفيدة لأهداف الجمهوريين، وكانت علاقته هو وأوباما متوترة للغاية وبالكاد يتحدثان إلى بعضهما البعض، وفق الصحيفة.

وأوضحت أنه عندما كان أوباما في حاجة إلى شخص ما للذهاب إلى مبنى الكابيتول هيل للتوصل إلى اتفاق، مثل منع الولايات المتحدة من التخلف عن سداد ديونها العامة، كان يرسل بايدن دائماً.

ويعرف ميتش وبايدن بعضهما البعض منذ عام 1985، ونقلت عن رام إيمانويل، الذي كان كبير موظفي البيت الأبيض قوله ”إذا كان هناك ديمقراطي واحد يمكنه استخدام علاقاته وتمرير بعض الأولويات الديمقراطية من خلال مجلس الشيوخ فهو جو بايدن، فهو يعرف هذه المؤسسة أفضل من أي شخص في واشنطن“.

إلا أن الواقع الصادم، كما رأت الصحيفة، هو أن ميتش لن يريد تمرر أي شيء يريده بايدن، ومن المستبعد أن يصدق على تعيين الأشخاص الذين لم يستوفوا موافقة الجمهوريين في الوظائف العليا، وقد دفع هذا الاحتمال الذي يلوح في الأفق بالفعل تكهنات بأن سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي السابقة لأوباما، سوف يتم ترشيحها كوزيرة للخارجية، وهي التي تكرهها الأوساط المحافظة.

”الموظفون هم السياسة“

وعلى نحو مماثل، توقف كل الحديث عن ترشيح إليزابيث وارن، كعضوة لمجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، أو مرشح آخر من اليسار كوزير الخزانة الأمريكي، وهناك مقولة في العاصمة أن ”الموظفين هم السياسة“، ولأن على مجلس وزراء بايدن أن يحصل على موافقة ميتش، فمن المرجح أن يُرشَح جمهوري أو اثنان للمناصب العليا، كما ذكرت ”فايننشال تايمز“.

ورأت أنه ”من المحتم أن يخيب أمل اليسار التقدمي، الذي يمتلك الآن مكانة في الحزب الديمقراطي مساوية للقوميين الشعبويين على اليمين. ويقول مايكل بيشلوس، أحد كبار مؤرخي الرئاسة الأمريكية (سيتعين على بايدن أن يقول لهم: انظروا، أود أن أرشح هذا أو ذاك لهذا المنصب، ولكن ميتش لن يسمح لي بذلك، وستكون أيدي بايدن مقيدة منذ البداية)“.

وتعتبر الآثار المترتبة على السياسة الداخلية هائلة، فلا يزال من الممكن أن يصل الديمقراطيون إلى 50 مقعدا في مجلس الشيوخ إذا فازوا في كلتا الجولتين الانتخابيتين على المقعدين في جورجيا في الـ5 من شهر كانون الثاني/ يناير المقبل، ولذلك من المرجح أن تكون هذه السباقات من بين أكثر سباقات مجلس الشيوخ تنازعاً في تاريخ الانتخابات الأمريكية.

واستشهدت الصحيفة البريطانية بما قاله  أحد كبار مستشاري بايدن بأن ”الفرق بين 49 و50 مقعداً هو الفرق بين حكم بايدن محلياً وعدم حكمه، فمن المرجح أن يستخدم الحزب ثقله الكامل في هذه السباقات، ولكن احتمال فوزه بالجولتين ضئيل“.

وهناك احتمال آخر، وهو أن يحاول الديمقراطيون إقناع أحد الجمهوريين بالانشقاق إلى صفوفهم من خلال تغيير حزبه، وتعتبر المرشحتان الأكثر ميلا لذلك هما سوزان كولينز، عضوة مجلس الشيوخ التي أعيد انتخابها من ولاية ماين، وليزا موركوفسكي من ألاسكا، ومن الممكن أن يعرض بايدن على كولينز منصباً وزارياً كبيراً، الأمر الذي من شأنه أن يمكّن الحاكم الديمقراطي لولاية ماين من تعيين سيناتور ديمقراطي بدلاً منها، حيث يبدو أن سعر المساومة مع هؤلاء الأعضاء بات مرتفعا الآن، ولكن هذه المسارات مستبعدة، بحسب التقرير.

وقال مستشار سياسي جمهوري وفقا للصحيفة إن ”أي منشق سيصبح على الفور شخصية مكروهة للغاية بين الحركة المحافظة، وسيجعل ميتش هذا الثمن واضحا جدا بالنسبة لهم“.

ولعل أفضل ما يمكن أن يأمله الديمقراطيون هو نوع من ”التثليث“، الذي شهدوه في عهد بيل كلينتون، والذي تمكن فيه بايدن من ربط أولويات ديمقراطية متواضعة بمشاريع القوانين الجمهورية الكبيرة.

وبينت الصحيفة أن كلينتون أصدر قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية الصارم، ومشروع قانون الجريمة، الذي يتضمن قانون الثلاث جنح، واعتنق الاستقامة المالية خلال التسعينيات، ونادراً ما يشرع يسار حزبه في المحادثة، فقد تمت صياغة أحداث التسعينيات بالمفاوضات بين كلينتون ونيوت غينغريتش، رئيس البرلمان الجمهوري.

”صفقة خضراء جديدة“

وعلى القاعدة ذاتها فقد بيرني ساندرز، وإليزابيث وارن، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، قادة الكابيتول هيل من اليسار الديمقراطي، نفوذهم اليوم فجأة، وتبددت آمالهم في تمرير ”صفقة خضراء جديدة“، تحدد الحد الأدنى للأجور بـ15 دولارا للساعة وترفع الضرائب على الأثرياء.

ووفقا للصحيفة، يعتبر احتمال الموافقة على حوافز مالية كبيرة تشمل الأولويات الديمقراطية، مثل المساعدات الثقيلة للولايات وحكومات المدن للتعامل مع وباء كورونا، ضعيفا أيضاً، حيث لدى الجمهوريين تاريخ طويل مع التخلي عن الاستقامة المالية عندما يفوز أحدهم بالرئاسة، كما حدث مع خفض ضرائب ترامب البالغة 1.5 مليار دولار، ثم عادوا إلى اكتشاف أهمية الاستقامة المالية عندما أصبح هناك مرشح ديمقراطي في البيت الأبيض. ومستبعد أن يختلف الوضع هذه المرة.

وأشارت إلى أنه يمكن لبايدن إقناع ميتش بزيادة الإنفاق الاستثماري بتجنب أي حديث عن زيادة الضرائب، وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة خط أحمر لميتش، حيث يمكن لبايدن أن يجادل بأن الولايات المتحدة قادرة الآن على الاستفادة من سندات الـ 30 عاماً بفائدة 1 %، من شأنها أن تسدد تكلفتها بسهولة.

ولفتت إلى ما قاله لورانس سامرز، وزير الخزانة الأمريكي السابق في عهد كلينتون ”سيكون الوضع صورة طبق الأصل من التخفيضات الضريبية التي فرضها ريغان وبوش والتي تعتمد على مبدأ (تجويع الوحش)، وأدت إلى عجز مالي أجبر الديمقراطيين في نهاية المطاف على تقليص حجم الحكومة“.

وأوضح أنه ”إذا اقترضت الولايات المتحدة للاستثمار وفعلت ذلك بشكل جيد فإن عوائد الاستثمار ستنمي الاقتصاد ولن تؤدى إلى أي نمو متفجر في الديون، وإذا كانت هناك حاجة سريعة إلى التعامل مع العجز، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تعديل الضرائب“.

شبح الصين

ورأت ”فايننشال تايمز“ أن هناك طريقة أخرى لإقناع ميتش بالأولويات الديمقراطية من خلال تأطيرها كاستجابة لتهديد الصين الصاعدة، حيث يتحدث عدد من الجمهوريين، مثل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، عن سن سياسة صناعية أمريكية بشأن تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي لمكافحة شبح الصين المتزايدة القوة.

وبحسب التقرير، قال توماس رايت، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز إنه ”يجب على الجمهوريين في مجلس الشيوخ أن يسألوا أنفسهم عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تحمل سنتين أو 4 سنوات من الركود التشريعي إذا أردنا أن ننافس الصين، ويمكنهم إيجاد قواسم مشتركة مع الجمهوريين حول السياسة الصناعية والبنية التحتية والعديد من المجالات الأخرى إذا وضعوا المنافسة مع الصين في صلب جدول أعمالهم“.

وإذا وجد بايدن نفسه مكبلاً داخليا، فيمكنه نشر جناحيه على الساحة العالمية، وقد يتعارض ذلك مع أولوية ”إعادة البناء بشكل أفضل“ لحملته الانتخابية المتمثلة في إصلاح أمريكا أولاً من الداخل، ولكن السياسة الخارجية ستوفر له مساحة أكبر للمناورة، وفق تعبير الصحيفة.

وحول هذه النقطة ذكر ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، أن ”الرئيس الأمريكي يمكن أن يصوغ أي اتفاق دولي تقريبا من دون اعتبار للكونغرس، طالما لم يُسمَّ معاهدة، وهناك قواسم مشتركة أكثر بكثير مع الجمهوريين في السياسة الخارجية من السياسة الداخلية“.

الدبلوماسية القائمة على القيم

إلا أنه حتى في السياسة الخارجية، رأت الصحيفة أن حرية بايدن تعتبر مقيدة، حيث يمكنه الانضمام مجدداً إلى اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، ولكنه لا يستطيع إجبار مجلس الشيوخ الجمهوري على تمويل مشاريع الطاقة البديلة، ويمكنه الانضمام مجدداً إلى منظمة الصحة العالمية، لكنه سيحتاج إلى موافقة ميتش على تقديم تمويل أمريكي للهيئة، ويمكنه أن يعيد أمريكا إلى الاتفاق النووي الإيراني، ولكن أي تغييرات يجب أن تحصل على موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي.

واستدركت ”مع ذلك، سيجد بايدن بعض الدعم الجمهوري لإحياء ما لا تزال واشنطن تسميه (الدبلوماسية القائمة على القيم)، والتركيز على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعاون المتعدد الأطراف الذي تخلى عنه ترامب بسرور“.

ونوهت بما قاله أحد كبار مستشاري بايدن ”لقد حصلنا على عطلة من القيم لمدة 4 سنوات في الدبلوماسية الأمريكية، وكان تملق ترامب للحكام المستبدين مثل فلاديمير بوتين أمرا محرجا للجمهوريين في مجلس الشيوخ، على الرغم من أنهم تماشوا في الغالب مع أسلوبه“.

وقالت ”في نهاية المطاف، سوف تحاصر النتيجة المحبطة لانتخابات هذا الأسبوع بايدن، فربما يكون ترامب قد خسر، ولكن الجمهوريين ككل حققوا مكاسب على الصعيد الوطني، ولا يوجد إلحاح على تقديم جدول أعمال تقدمي، ومن المستبعد أن يتعامل الجمهوريون مع ترامب على أنه حالة شاذة“.

ومن المتوقع أن يصبح مجلس الشيوخ الأمريكي مسرحاً للتسابق على ترشيح عام 2024، بما في ذلك توم كوتون من أركنساس، وتيد كروز من تكساس، وجوش هاولي من ميسوري، كما دخل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي السباق أيضاً، وسيحاول كل مهم استكمال مسيرة ترامب، كما يمكن أن يترشح دونالد ترامب جونيور أو إيفانكا ترامب أيضا، وسيكون نطاق المرشحين الذين يعتمدون أسلوب بايدن محدوداً للغاية، بحسب ”فايننشال تايمز“.

وأضافت ”نشر هاولي تغريدة ليلة الثلاثاء قال فيها (نحن الآن حزب الطبقة العاملة)، وأيا كان ما يعنيه ذلك عملياً، فسيجد بايدن صعوبة في تحقيق الوحدة الوطنية التي كانت في أساس حملته الانتخابية، ويكون من الصعب استعادة الروح الوطنية التي يبدو أنها منقسمة إلى جزأين“.

وختمت الصحيفة تقريرها بتعليق لبويل قال فيه ”عليك أن تأمل أن يتمكن الجمهوريون من تخطي ترامب، ولكن هذا أمل وليس استراتيجية“.

المصدر: إرم نيوز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى