أخبارمقالات

طلال محمد – كورونا.. وتدابير الإدارة الذاتية

لا علاجَ لفيروس كورونا حتى الآن، ولا معلوماتَ تنبئُ بفرجٍ قريب، فكلُّ ما يتمُّ تداولهُ من أخبارٍ حول اقترابِ نهايتهِ ليسَ سوى تكهّناتٍ وتخميناتٍ وتوقّعات لا أكثر، وليسَ معروفاً حتى اللحظة المدّة الزمنية التي سيعيشها هذا “العدو العالمي المشترك” ولا عدد الضحايا الذين سيحصدهم واحداً تلو الآخر.

أمامَ هذه المعادلة التي تشيرُ إلى غياب العلاج حالياً، لا يبقى أمامَ العالم بمختلفِ دوله المتقدّمة والمتخلّفة على حدٍّ سواء، إلا الوقاية، فالوقايةُ في هذه الحالة تغدو علاجاً مؤقتاً للوباء، والاستخفافُ بهذه الوقاية يعدُّ انتحاراً يفتحُ الأبوابَ أمامَ الفيروس وانتشاره بما لا يمكنُ في النهايةِ السيطرةَ عليه.

هذه الوقايةُ بطرقها وأساليبها وإجراءاتها وتدابيرها، أعلنتها وفرضتها دولُ العالمِ برمتها، بعضها بأسلوبٍ ناعمٍ متساهل، وبعضها بأسلوبٍ عنيف، دونَ اهتمامٍ كبيرٍ بالتبعات السلبية التي تخلّفها هذه الإجراءات والتدابير، كونَ الخطورة أكبر من مجردِ تبعاتٍ سلبية لأمرٍ لابدَّ من اتخاذهِ وفرضهِ للضرورة.

والإدارةُ الذاتيةُ في شمال وشرق سوريا مثلها مثل أيّ بقعةٍ جغرافية في هذا العالم، كانت ولا تزال معرّضةً لاجتياحِ هذا الفيروس الذي ما أن يجد ثغرةً يتسلّلُ منها حتى يتفاقم ويستفحل بما يصعب احتواءه، لذا كان لابدَّ من أن تتخذ هي الأخرى إجراءاتٍ وقائيةٍ وتفرضها في مناطقها وتلزم التقيّد بها.

من دون شك، أفضت هذه الإجراءاتُ إلى إحداثِ شللٍ في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من القطاعات، وتسبّبت في ظهور أزمةٍ معيشيةٍ لدى الكثيرين ممن يقتاتونَ على العملِ اليوميِّ، إلا أنها استطاعت أيضاً أن تجنّبَ المنطقةَ من خطرِ الإصابةِ بهذا الفيروس، وهذا أمرٌ في غايةِ الأهمية.

بل ليسَ من المبالغةِ في شيء، أن نقول إن الإدارة الذاتية استطاعت، رغم إمكانياتها البسيطة المحدودة، أن تثبتَ نفسها في منعِ تسلّل الفيروس إلى مناطقها، وذلك من خلال تدابيرها الاستباقية التي اُتخذت قبل ظهورِ أيّ إصابة، على عكسِ الكثيرِ من الدولِ التي لم تفعل ذلك، فكانت الكارثة.

يتساءل البعضُ متذمّراً: ما الحاجةُ إلى حظرِ التجوّل في مناطق الإدارة الذاتية، طالما أن الفيروسَ لم يظهر في هذه المناطق بعد؟.. حقيقةً، هذا السؤالُ لا يمكنُ وضعه إلا في خانةِ الأسئلةِ العبثيةِ التي لا معنى لها، فهو كمن يقول: فليهطل المطر أولاً، وبعدها سأفكّر في كيفيةِ بناء سقفٍ لمنزلي!.

لا ينبغي التقليلَ من خطورةِ هذا الفيروس، فالمسألةُ في غايةِ الخطورة، وهي تتطلّبُ جهداً وتعاضداً وتسانداً جماعياً، ومكافحتهُ ليست من مهمةِ الإدارة الذاتية فحسب، وإنما من مهمةِ الجميع من دون استثناء، وما تصدرهُ الإدارةُ من قراراتٍ في هذا الشأن، ليسَ لأجل نفسها، وإنما لأجلِ سلامةَ الجميع.

عدمُ إصابتك بهذا الفيروس، لا يعني مطلقاً أنكَ في مأمن، فأمانكَ الحقيقي يكمنُ الآن في وعيكَ وإدراككَ لجديةِ وخطورةِ الأمر، ومدى التزامكَ بالقراراتِ والتعليماتِ الوقائيةِ الصادرةِ بهذا الخصوص، وأيضاً في مدى سعيكَ إلى تشجيعِ الآخرينَ وحثّهم على التقيّدِ بهذه التعليمات التي لم تصدر عن عبث.

أخيراً، علينا إدراك هذه الحقيقة: الإجراءاتُ التي اتخذتها الإدارةُ الذاتيةُ حيالَ فيروس كورونا، هي العلاجُ المؤقتُ في ظلِّ غياب العلاج الفعلي والجذري للوباء، وإذا كانت هذه الإجراءات قد تسبّبت في حدوثِ أزمةٍ معيشية لدى البعض، فهذه الأزمة لن تقتل أحداً، لكن تفشّي كورونا يقتل بدون رحمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى