أخبارمقالات

طلال محمد – عن نجاح المرحلة الأولى من الحوار الكُردي

حظيت المرحلةُ الأولى من الحوارِ الكرديِّ- الكرديِّ بالنجاح، وقد لقيَ هذا النجاحُ ترحيباً كُردياً واسعاً، أحزاباً وقواعدَ شعبية، لاسيما وأن هذا الحوار جاءَ في وقتٍ كان لابدَّ من أن تتجه فيه القوى السياسية الكُردية على اختلافِ مسمّياتها وتوجّهاتها نحو إعلاء راية القضية الكُردية والمصلحة الكُردية العامة عالياً، بما يوافق طموحات الشعب الكُردي وتضحياته في سبيل نيلِ حقوقه المشروعة، وأيضاً بما يواكب المعادلة السياسية الدوليّة في سوريا والمنطقةِ عموماً.

هذا النجاح ما كان سيُقدّر له أن يكون لولا المرونة التي أبدتها مختلف الأطراف والقوى السياسيّة الكُردية المشاركة في الحوار، ولولا حملها نداء الحوار على محمل الجد ووضع الخلافات وتفاصيل هذه الخلافات جانباً، فالمرونةُ والجديةُ اللتان شكّلتا هذا النجاح إلى حدٍّ بعيد، كفيلتانِ بإنجاحِ المراحل القادمة من الحوار، وإيصال الصوت الكُردي إلى شاطئ الأمان، وجعل هذا الصوت أكثر استماعاً وإصغاءً محلياً وإقليمياً ودولياً، وهذا ما يأمله الشعب الكردي وينتظره منذ أعوامٍ وأعوام.

وبقدرِ ما حظي هذا النجاح من ترحيبٍ على المستوى الكردي، لقي بالمقابل تخبّطاً واستياءً ورفضاً من قبل دولٍ وأطرافٍ وشخصياتٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ شوفينيةٍ تدّعي أنها “تناضل” نصرةً للشعوب المقهورة، مثل تركيا والجماعات المرتبطة بها والشخصيات الخاضعة لأوامرها خضوعاً مطلقاً، إذ سرعان ما لجأت هذه الأطراف والشخصيات إلى خطاب التزمّت والكراهية والحقد تجاه أي موقف كُردي موحّد، متهمةً وحدة الموقف الكُردي بشتّى الاتهامات الباطلة والمعتادة التي أكل عليها الزمان وشرب.

لكن هذا الخطاب بحدِّ ذاته، وإن كان خطاباً مُرّاً- يُعدُّ إشارةً إلى مسألةٍ هامة وهي أن في الوحدة الكردية قوةً يخشاها الخصم أو العدو منتهى الخشية والخوف، لذا فهو سعى دائماً ولا يزال يسعى إلى اتخاذ مبدأ “فرّق تسد” في التعامل مع الشعب الكُردي وقضيته العادلة، إلى جانب اختلاقه الفتن وإثارة الخلافات والنزاعات، بما يشغل هذا الشعب وممثليه من السياسيين بالقضايا الثانوية على حساب القضية الرئيسية، وهذه الحقيقة تستدعي بشدّة الاستمرارَ في هذه الوحدة وتمتينها بصورةٍ أقوى.

في هذا السياق، لا نظنُّ أن العدوان التركي الأخير على مناطق في إقليم كردستان العراق منفصلٌ عما حدث من تفاهم أولي أو اتفاق مبدأي بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكُردي، فتركيا- العدو اللدود للكرد- لا يمكن لها أن تسكت حيال أي تقاربٍ كردي- كُردي، كونها تعلم جيداً معنى هذا التقارب والقوة التي يشكّلها، لذا فإنها ستحاول قدر استطاعتها- بصورة مباشرة أو غير مباشرة- إحباط هذا التقارب، وهو ما يتطلّب الحيطة والحذر من طرف مختلف الأطراف السياسية الكُردية.

إن نجاح المرحلة الأولى من الحوار الكُردي- الكُردي يُعتبر اللبنة الأساسيّة للبيت الكُردي الذي نسعى إلى بناء سقفٍ له يجمع مختلف القوى السياسية الكُردية، فالخطوة الأولى (الجادة) في أي عملٍ سياسيٍّ أو غير سياسي هي ذات أهمية قصوى، كونها تمثّل المقدّمات الضرورية التي إذا ما تم الاتفاق عليها فإنها ستفضي إلى نتيجة، وهذه النتيجة ستكون مُرضية حتماً إذا ما تم الاستمرار بنفس السوية والجدية التي شهدتها الخطوة الأولى أو المرحلة الأولى.

من دون شك، قد يتعرّض هذا الحوار بمراحله لبعض الصعوبات والعقبات، وهذا أمرٌ  لا ينبغي النظر إليه بعين التشاؤم، ففي كل حوارٍ لابدَّ من أن تظهر بعض المعوقات، لكن المهم هو ألا تشكّل هذه المعوقات بأي شكلٍ من الأشكال سدّاً أمام الاستمرارية، فالهدف أكبر وأعظم من مجرد صعوبات تقف عائقاً أمام تحقيقه، والقضية أسمى وأعلى شأناً من كل المعوقات التي تبدو صغيرة للغاية في حضرتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى