أخبارمقالات

طلال محمد: الأعداء لا ينامون

لا ريبَ أن الكُردَ باتوا رقماً لا يُستهان به في المعادلةِ السياسيةِ التي تخصُّ الشرق الأوسط، وباتت قضيتهم محطَ بحثٍ واهتمامٍ دوليٍّ ملحوظ، وما كانَ لهذا الأمر أن يكون لولا التضحياتِ التي قدّمها الشعبُ الكرُدي في سبيل ذلك، ماضياً وحاضراً، هذه التضحيات التي أفضت إلى تحقيقِ انجازاتٍ ومكاسبَ هامةٍ لا ينبغي التفريطَ بها تحت أيِّ ظرفٍ كان.

المكتسباتُ التي تحقّقت، لم تأتِ بالمجان، إنما دُفِع في سبيلها دماءُ آلاف الشهداءِ الذين تسابقوا إلى جبهاتِ القتال وليسَ أمامَ أنظارهم إلا الحريةَ المنشودة وقضيةَ شعبهم العادلة، أي أنهم لم يقدّموا أرواحهم لأجلِ حزبٍ معيّنٍ أو فئةٍ معينةٍ دونَ الأخرى، وإنما لأجلِ رفع الظلمِ عن شعبٍ كاملٍ عانى الويلاتَ على أيدي الأنظمةِ المستبدةِ الغاصبة.

ما حققتهُ دماءُ هؤلاء الشهداء، لا يجبُ مطلقاً التفريطَ به أو إضعافهِ من خلالِ خلافاتٍ سياسيةٍ حزبيّةٍ هي أضيقُ من أن تتسّعَ لقطرةِ دمٍ واحدة، وأقلّ شأناً من أن تعادلَ صرخةَ ألمٍ واحدةٍ من صرخاتِ مقاتلٍ مُصابٍ برصاصٍ حاقدٍ من بنادق الأعداء، أو تعادلَ حلماً بريئاً من أحلامِ طفلٍ ودّعهُ والدهُ بقُبلةٍ ذاهباً إلى القتالِ لأجلِ الحرية، فعادَ شهيداً.

ما من خلافٍ إلا وله حلّ، وما من حلٍّ إلا ويحملُ في داخله خلافاً مستقبلياً؛ هكذا تسيرُ الحياةُ برمتها، بمختلفِ تفاصيلها، لاسيما السياسية منها، وكلّما زادت حدّة الخلاف كلما ارتفعت الحاجةُ إلى الحوارِ وليس إلى التصعيدِ والتوتّر، خصوصاً بين أبناء الشعبِ الواحد الذي تربطهُ صلاتُ التاريخِ والجغرافية واللغةِ والهويةِ والمصيرِ والوجع.

الأعداءُ لا ينامون، إنهم يخطّطونَ وينسجونَ الأحابيل وينصبونَ الفخاخَ ويختلقونَ الفتن لإحداث شروخاتٍ في بنيةِ الشعوبِ المضطهدةِ من قبلها، يحاولونَ دوماً استخدام سلاح “فرّق تسد” وسيلةً للتحكّمِ والسيّطرة كلّما تلمّسوا تماسكاً أو وحدةً لدى أبناء الشعب الواحد المضطهد، لأنهم يدركونَ جيداً معنى الوحدة وما الذي يمكن أن تفضي إليه.

قلّما يُهزم شعبٌ متوحّدٌ متعاضدٌ متماسكٌ في انتفاضتهِ ضدَّ الاستبداد والظلم، وقلّما ينتصرُ شعبٌ مشتّتٌ مفكّكٌ منقسمٌ في داخله، هكذا يقولُ التاريخُ بكلِّ وضوح، وهذا ما فهمهُ الأعداءُ جيداً ويعملونَ عليه ليلاً نهاراً دون ملل أو ضجر، وهذا ما ينبغي أن تدركه الشعوبُ الراميةُ إلى نيلِ حريتها التي سلبتها الأنظمةُ القمعيةُ الفاقدةُ لأيِّ معنى إنساني.

لا أحدَ ينتصرُ في خلافاتِ الإخوةِ الطويلة المدى، ولا أحدَ يفوزُ في أيَّ اقتتالٍ اخويٍّ مسلّحٍ سوى الأعداء الذين ينتظرونَ ذلك بفارغِ الصبرِ بعد أن يكونوا قد أشعلوا فتيله بألاعيب وخططٍ ماكرةٍ لا تعرفُ مبدأً ولا أخلاقاً، والخسارةُ بمعناها الشامل هي “الفوزُ” الذي قد يحقّقهُ أيُّ طرفٍ في “انتصاره” على الطرفِ الآخر داخل البيت الواحد المهدّد أصلاً.

حساسيةُ الظرفِ والموقفِ والمكسبِ تقولُ إن لا سبيلَ لمثلِ هذه الخلافات إلا الحوارَ البنّاء وإعمالَ العقل بدلاً من الصراخِ والتهديدِ والانفعال، فمهما طالَ أمد أيّ خلافٍ أو اقتتالٍ لابدَّ أن يخفتَ ويهدأَ في النهاية على طاولةِ الحوار؛ الطاولةِ التي انتهت عليها كل الاقتتالات والحروب في التاريخ؛ هذا التاريخُ الذي يريدُ أن يطرحُ سؤالاً مفاده: «مادمتم تعلمونَ أن كلَّ خلافٍ أو اقتتالٍ لابدَّ أن ينتهي على طاولةِ الحوار، فلماذا لا تبدؤون بالجلوسِ على هذه الطاولة قبل أن تقودكم الخسائرُ إليها في النهاية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى