مقالات

خورشيد دلي: غزوة حلب .. في الأسباب والمآلات

(DeFacto- السلام) .. مؤشرات كثيرة توحي بأن الهجوم الذي تشنه جبهة النصرة بمشاركة فصائل من الجيش الوطني السوري، للسيطرة على مدينة حلب، انطلاقاً من ريفها الغربي، أعد وخطط له منذ فترة بعيدة، إذ أن الهجوم الضخم شكل صدمة للقوات الحكومية السورية والروسية والإيرانية، خاصة أنه حقق تطورات دراماتيكية سريعة، أدى إلى إنهيار الدفاعات السورية والميليشيات الإيرانية، والسيطرة على قسم كبير من أحياء المدينة الإستراتيجية لجميع المعنيين بالأزمة السورية، وخطورة هذا التطور لا تنبع من السيطرة على مدينة حلب فحسب، بل من رسم مناطق جديدة لنفوذ القوى المتصارعة، والتطلع إلى ما بعد السيطرة على حلب، وتداعياتها على باقي المناطق.

يعرف الجميع، أن جبهة النصرة المصنفة في قوائم الإرهاب، وباقي الفصائل المسلحة المشاركة معها بالهجوم، هي واقعة تحت سيطرة تركيا، وبالتالي لا يمكن أن تقوم بمثل هذا الهجوم دون موافقة أنقرة، وعليه ثمة من يتسائل عن دلالات توقيت الهجوم، وأهدافه، ومآلاته. 

دلالات التوقيت ورسائل أردوغان     

في التوقيت، جاء هذا الهجوم، عقب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وهو ما يشير إلى أن توقيت الهجوم ليس بمنأى عن التطورات والمتغيرات الإقليمية التي تجري في المنطقة، وهي تطورات تشير إلى أن سوريا باتت في دائرة النار من جديد على شكل تحريك الجبهات الراكدة في ظل الاتفاقيات والتفاهمات التي جرت بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، لاسيما اتفاقات أستانا التي أكدت اجتماعها الأخير أن هذا المسار وصل إلى طريق مسدود.    

وفي دلالة التوقيت أيضاً، يوحي الهجوم الذي جاء بعد اتفاق إسرائيل – لبنان – كما قلنا – بأن أحد أهدافه هو الضغط من أجل إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا في إطار السعي إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة، بعد أن تلقى ذراعيها، حزب الله في لبنان وحماس في غزة، ضربات قوية على يد إسرائيل، وهو توقيت تزامن مع متغيرات دولية، ربما وجد فيها أردوغان الظرف المناسب لتقوية النفوذ الإقليمي لبلاده، عبر تحريك أذرعه في الساحة السورية، وتحديداً من خلال الهجوم على حلب، على شكل اختبار للقوة، وعليه يمكن القول إن هجوم حلب، هو رسالة تركية إلى ثلاث صناديق بريد مختلفة، وهي:   

الأولى، إلى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مفادها، أنه يمكن الاعتماد على تركيا في رسم خريطة جديدة للأزمة السورية، من بوابة التلويح بضرب النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة. 

الثانية، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مفادها، بأن تركيا تمتلك أوراق قوية في الساحة السورية وقادرة على قلب المعادلات، وهي رسالة جاءت عقب وصف موسكو الوجود التركي في سوريا بالاحتلال، وفشل الوساطة الروسية في الجمع بين أرودغان والأسد، فضلاً عن فشل أستانا في تحقيق أي خطوة حقيقية نحو حل الأزمة السورية. 

الثالثة، إلى الرئيس السوري بشار الأسد، بأنه ما لم تستجب للدعوات التركية إلى التطبيع وفق الرؤية التركية، فإن تركيا قادرة على تحقيق ذلك بالقوة، من خلال فرض واقع جديد يجبر الأسد على ذلك بالقوة.           

من دون شك، الرسائل التركية هذه جاءت في ظل تداعيات الحرب في غزة ولبنان التي من أهم نتائجها في الساحة السورية تراجع نفوذ ميليشيات إيران وحزب الله، ويبدو أن تركيا ألتقطت هذه النقطة كتوقيت ذهبي لبدء هجوم  حلب.

حلب وما بعدها

من يتابع مواقف تركيا من هجوم حلب، لا بد أن يتوقف عند نقاط مهمة تبدو غامضة ومتناقضة في وقت واحد، فرغم أن الجميع يعرف أن تركيا تقف وراء هذا الهجوم – ولو بشكل غير مباشر – إلا أنها حاولت الظهور بمظهر عدم دعم الهجوم واتخاذ منحى الحياد عندما أكدت مراراً على ضرورة الحفاظ على الاستقرار، وهي هنا، كأنها تتنظر معرفة موقف موسكو وكيف سترد على هذا الهجوم لتحديد البوصلة لاحقاً، إما تصعيداً أو بحثاً عن تفاهمات جديدة، إذ أن مقابل خطاب ( الحياد ) تجاه معركة حلب، لوحت تركيا بالتصعيد تجاه منطقتي منبج وتل رفعت، وهو ما يوحي بوجود أكثر من سيناريو تركي. 

ثمة من يرجح أن الهدف التركي يتوقف عند حلب بغية التوصل إلى تفاهمات جديدة مع الروس في سوريا، من أهم معالمها التطبيع مع النظام وإزاحة النفوذ الإيراني، ولاحقاً التخلص من فائض القوة لدى الفصائل المسلحة، لاسيما جبهة النصرة، في إطار تفاهمات حصلت بين العواصم المعنية لدفع الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة نحو الحل، عبر القبول بالقرار الدولي 2254، فيما هذا السيناريو لا يعني استبعاد استراتيجية تركيا المعلنة التي تهدف إلى السيطرة على شمال وشرق سوريا، وسعيها الدائم إلى إقامة منطقة أمنية بعمق 30 إلى 40 كم، إذ أن هذا السيناريو يعني أن معركة حلب ليست سوى محطة أولى وأساسية في الانطلاق نحو  مناطق أخرى في أرياف حلب واللاذقية وحماة والرقة، وهو ما ينبغي مراقبته خلال الساعات والأيام المقبلة، ولعل التحرك وفق هذا السيناريو قد يولد تطورات دراماتيكية في مناطق أخرى، لاسيما أن داعش قد يجد في هذه التطورات فرصة للظهور من جديد، كما أن الوضع في جنوب سوريا، لاسيما درعا، وكذلك في ريف حمص، قد يشهد تطورات متسارعة، مما يدفع كل ذلك المشهد السوري إلى مرحلة جديدة يصعب التنبوء بمآلاتها.   

من دون شك، سيكون لما سبق تداعيات على المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) في شمال شرق سوريا التي وضعتها تركيا على أجنداتها، ويبدو أن قسد تقرأ ما يجري بعين فاحصة، إذ إلى جانب استعداداتها للتعامل مع كل السيناريوهات، أبدت حرصها على عدم التورط في هذه المعركة، وكذلك حرصت على طرح خطاب وطني سوري جامع، لكن ما يجري قد يغير من الوقائع، لاسيما أن هجوم النصرة قد يطال الأحياء الواقعة تحت سيطرة قسد في حلب، وهو ما قد يخلق مواجهة مباشرة مع القوات المهاجمة، فضلاً عن أن الخطر التركي والفصائل التابع لها، قد يدفع إلى تقاطعات بين قسد والجيش السوري لمواجهة المخاطر المشتركة، على الأقل في حلب وريفها الشرقي. 

ملامح ومآلات

في انتظار معرفة إلى ما ستنتهي إليه التطورات الميدانية في حلب، يبدو المشهد أمام سيناريوهات كثيرة، تحددها مجموعة من العوامل، لعل أهمها، إمكانية تدخل الطيران الروسي بقوة لوقف الهجوم، وذلك من خلال ضرب خطوط الإمداد للجماعات المسلحة المهاجمة، تمهيداً للتفرد بالمجموعات المسلحة التي دخلت إلى مدينة حلب، ذلك بعد وصول الدعم للجيش السوري، ولعل هذا السيناريو يفتح الباب أمام حوار روسي – تركي للبحث عن تفاهمات جديدة بخصوص الوضع في شمال غرب سوريا أو ما يسمى بمناطق بوتين – أردوغان لخفض التصعيد، ومن شأن هذا السيناريو كشف حقيقة الموقف التركي، إذ أن خلافه يعني الدخول في سيناريوهات أخرى قد تدفع بالأزمة السورية إلى فصول مفتوحة على كافة الخيارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى