تناقض روسي – تركي في سوريا وليبيا وأذربيجان.. إلى متى يستمر الاحتواء؟
تزداد التناقضات في العلاقة بين روسيا وتركيا، وذلك وسط تشابك للملفات المشتركة بين البلدين في كل من سوريا وليبيا بالإضافة إلى جبهة جديدة في أذربيجان، ففي وقت ترتفع فيه حدة التصعيد في إدلب السورية، تصعّد تركيا باتجاه سرت الليبية، فإلى أين تتجه الأمور؟
وارتفعت حدة التصعيد في إدلب السورية خلال الأيام الماضية، ومن أبرز الأحداث هو الانفجار الذي استهدف في الـ 14 من تموز/ يوليو، دورية روسية- تركية مشتركة على الطريق الدولي M4 والذي تسبب بإصابة 3 جنود روس.
ويأتي ذلك بعد هجمات بطائرة مُسيّرة حاولت استهداف قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، واتهمت روسيا مرتزقة تركيا بذلك.
ويبدو أن الملف السوري سيعمق الخلاف الروسي التركي أكثر فأكثر، فعلى الرغم من المفاوضات الجارية بين الطرفين، إلا أن العلاقات الروسية التركية ازدادت توترًا خلال الأيام الفائتة.
وردًّا على الهجمات التي استهدفت الدورية الروسية وقاعدة حميميم، شنت المقاتلات الروسية غارات جوية على ريفي إدلب واللاذقية ومدينة الباب التي تحتلها مرتزقة تركيا، والتي عُدّت الأولى من نوعها منذ شباط/ فبراير 2017.
فيما صعّدت أنقرة، حيث تعرضت نقطة روسية في مدينة الدرباسية إلى قصف من طائرات مُسيّرة، وأدى ذلك إلى إصابة عدد من الجنود الروس.
وعلى وقع التصعيد بين الطرفين لم يتوقف الاحتلال التركي عن تعزيز قواته في سوريا، ومن جهة أخرى تدفع القوات الحكومية السورية والروسية بتعزيزات كبيرة إلى محافظة، والتي يراها مراقبون أنها ورقة ضغط على تركيا.
وبحكم أن المتدخلين في الملف السوري هم نفسهم المتدخلون في ليبيا، فباتت الأحداث في البلدين مرتبطة ببعضها، حيث تحشد تركيا قواتها باتجاه مدينة سرت الليبية.
“استخدام أمريكي لتركيا ضد روسيا”
وحول ذلك قال الكاتب والباحث السياسي أحمد الدرزي “أصبح من الواضح أن الاتفاق الذي تم بين ترامب وأردوغان في 8 حزيزان، قد خلص إلى التدخل التركي في ليبيا بشكلٍ واضح، وإسقاط مناطق غرب طرابلس، ومن ثم التوجه إلى مدينة سرت، وهذا لم يحصل إلا بمعية الأمريكان وبنطاق أمريكي لمواجهة روسيا، بالإضافة إلى التوجه الواضح الآن باتجاه اليمن”.
وأكد الكاتب والباحث السياسي أن الاتفاقات التركية والأمريكية تنعكس بشكلٍ كبير على الداخل السوري، وخاصة منطقة إدلب وليس فقط الباب، فإدلب شديدة التعقيد والحل فيها لا يمكن أن يمر بسهولة لا حربًا ولا سلمًا بسبب ارتباطه بهذا المشهد الدولي.
“محاولة روسية مستمرة لاحتواء تركيا”
وأضاف الدرزي “لا أعتقد أن هذه التعزيزات العسكرية السورية المتوجهة باتجاه الباب هي لإحداث معركة، وخاصة أن السياسة الروسية مازالت تعتمد على إمكانية استقطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولم يكتشف الروس حتى الآن صعوبة هذا الأمر”.
وحول التناقض بين روسيا وتركيا أوضح الدرزي “هناك تناقض كبير بين المصالح الروسية والمصالح التركية المتوافقة مع المصالح الأمريكية فالعداوة الأمريكية لروسيا والصين تدفع باتجاه دعم كل الأطراف التي تستطيع أن تعرقل على مستوى آسيا الوسطى وبقية المناطق وفي العالم الإسلامي ككل من تمدد المشروعين الروسي والصيني، وبكل بساطة الحرب صعبة جدًّا طالما الروس لم يصلو إلى قناعة أن إمكانية احتواء الأتراك غير ممكنة”.
“رسائل متبادلة”
وفيما يتعلق باستهداف تركيا لروسيا في شمال سوريا قال الدرزي “إن ضرب القوات الروسية لم يأت خطأً، وإنه ينسجم مع بقية السياسيات التركية التي تتعلق بمواجهة الروس واللعب على نقطة التوازنات بين كل الأطراف، فإذا نظرنا إلى الأحداث حتى في داخل تركيا عندما قامت بإعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد يؤم به المسلمون، بأنها رسالة إلى الداخل والخارج لشد العصب الديني في تركيا وبين الأتراك عمومًا في آسيا الوسطى وبقية المسلمين من طبيعة مذهبية واحدة”.
وبيّن الدرزي أن هناك رسالة واضحة لروسيا بشكلٍ أساسي لأن هذا المركز يُمثل رمزًا تاريخيًّا للأرثوذكسية التي وصلت من أنطاكية والقسطنطينية إلى روسيا، ولها اعتبارات مهمة في التاريخ الروسي، بالإضافة إلى السياسيات التي مازالت مستمرة تتعلق بجزيرة القرم وتتعلق بالتوافق مع أوكرانيا وبقية المناطق.
وأضاف الدرزي قائلًا: “استهداف الروس بطائرة مُسيّرة هو استهداف واضح وصريح ويحمل رسائل متعددة، تركيا ذاهبة إلى تحقيق ما تريد في شمال سوريا وشمال العراق، وربما أكثر في بقية المناطق، على اعتبار أن الجغرافية التركية في المتخيل السياسي التركي هي أوسع بكثير من جغرافية تركيا الحالية التي تضيق عليها الحدود، وفق التعبير السياسي للرئيس التركي أردوغان”.
“الصدام قادم”
وأشار الكاتب والباحث السياسي في نهاية حديثه إلى “أن الأمور لن تبقى على هذه الحالة، والصدام قادم، لكن متى؟ هذا يعتمد على غلطة كبيرة قد يرتكبها أردوغان، وقد بدأت بعض التباشير من خلال دعمه للصراع بين أرمينيا وأذربيجان وتسليح أذربيجان، وإذا ما اندلعت المعارك بينهم بشكلٍ كبير، فهذا سينعكس على الموقف الروسي وكذلك على موقف إيران التي تُستهدف من خلال أذربيجان التي تعدّ مركزًا رئيسًا للموساد الإسرائيلي والمخابرات المركزية الأمريكية في إدارة عمليات التقريب والتجسس داخل إيران وروسيا في أذربيجان”.
المصدر: وكالة أنباء هاوار.