تقرير: من أرمينيا لقرغيزستان.. الأزمات تلاحق مناطق نفوذ روسيا
كانت مقاطع فيديو المتظاهرين في قرغيزستان والذين اقتحموا مكتب زعيم بلادهم، سورونباي جينبيكوف، ليلة الاثنين، ودهسوا صورته الرسمية، غير مريحة بالنسبة لمن في الكرملين الذين شاهدوا بقلق مئات الآلاف من سكان روسيا البيضاء وهم يطالبون بعزل رئيس البلاد هذا الخريف.
كانت الانتفاضة في قرغيزستان ،مثلما يحدث في روسيا البيضاء، تتمحور حول مزاعم تزوير الانتخابات، وهي تأتي في الوقت الذي تدور فيه الحرب بين أرمينيا وأذربيجان؛ ما جعل الوضع في دائرة النفوذ الروسية متفجرا في الأسابيع الأخيرة.
وقد أغرقت تلك التطورات التحالفات الاقتصادية والدفاعية الرئيسة لموسكو في حالة من الاضطراب، وأثارت تساؤلات حول دور روسيا كضامن للاستقرار في المنطقة.
ووفقا لصحيفة ”فايننشال تايمز“ البريطانية، في حين أن هذه الأزمات المتباينة في قرغيزستان وأرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا لم تكن مرتبطة مباشرة ببعضها بعضا، إلا أنها تحمل جميعها الندوب التي خلفها انهيار الاتحاد السوفيتي، من الاستبداد والتهديدات للحرية الانتخابية إلى الأراضي المتنازع عليها والانقسامات العرقية.
وتثير كل أزمة من الأزمات الثلاث مخاوف كبيرة بالنسبة لروسيا، إذ جعل الصراع في القوقاز تركيا، من خلال دعمها لأذربيجان، تتحدى هيمنة موسكو في المنطقة، وتشكك في مكانة الكرملين كحكم أعلى.
وقد أدت الاحتجاجات الجماهيرية في بيلاروسيا، حيث انقطع التأييد الشعبي للرئيس ألكسندر لوكاشينكو في شهر أغسطس بعد 26 عاما في السلطة، إلى طرح أسئلة حول عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، وذلك بعد أشهر من تغيير الدستور للسماح له بالحكم حتى عام 2036.
كما تظهر المحاولة الجارية للإطاحة برئيس قرغيزستان من قِبل أحزاب المعارضة، في أعقاب التزوير المزعوم للانتخابات، التحديات المتأصلة في ما يسمى بالديمقراطية المُدارة التي نشرها بوتين في روسيا وتم تقليدها في العديد من بلدان ما بعد الاتحاد السوفيتي.
ووصف دبلوماسي غربي كبير في موسكو الوضع بأن ”حي بوتين بات يحترق فجأة، ومن الصعب توقع كيف سيتعامل مع كل هذه الأمور دفعة واحدة“.
وقالت كاميلا أوغونبيي، المحللة الرئيسة في شركة فيريسك مابلكروفت الاستشارية في مجال المخاطر: ”إن التطورات في بيشكيك تثبت للقادة في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق أنه بمجرد توسيع نطاق الحريات السياسية، من المستبعد أن يتخلى عنها الشعب بهدوء“.
وتابعت: ”لذلك من المرجح أن تجعل احتجاجات قرغيزستان لوكاشينكو يتمسك بموقفه أكثر ويرفض مطالب الشعب البيلاروسي بالحقوق السياسية، وبالمثل ستلهم المتظاهرين البيلاروسيين للاستمرار“.
”عدم التدخل المباشر“
وقد سعت روسيا -حتى الآن- إلى تجنب أي تدخل مباشر في الأزمات الثلاث، ولكنها لا تستطيع أن تسمح للأحداث بأن تخرج عن نطاق السيطرة.
وقالت وزارة الخارجية الروسية الثلاثاء إن ”روسيا مهتمة بضمان الاستقرار السياسي الداخلي في قرغيزستان، شريكتها الإستراتيجية وحليفتها، وندعو جميع القوى السياسية في هذه اللحظة الحرجة للجمهورية إلى إظهار الحكمة والمسؤولية من أجل الحفاظ على الاستقرار الداخلي والأمن“.
لدى موسكو قواعد عسكرية في أرمينيا وبيلاروس وقرغيزستان وتعتبر نفسها الشريك الأجنبي البارز لكل منها، وقد قاومت الجهود التي تبذلها أطراف ثالثة مثل: الاتحاد الأوروبي في بيلاروسيا والصين والولايات المتحدة في قرغيزستان لزيادة نفوذها.
ويذكر أن بيلاروسيا وقرغيزستان وأرمينيا هي ثلاثة من شركاء موسكو الأربعة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (بالإضافة لكازاخستان)، وهو تحالف سياسي واقتصادي وتجاري تقوده روسيا، فضلا عن كونها تنتمي مع روسيا وكازاخستان وطاجيكستان إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي هيئة عسكرية تشبه حلف شمال الأطلسي وتتضمن ميثاق دفاع مشترك.
كما أن الكرملين عالق بين التدخل لدعم الحلفاء المعرضين للخطر؛ ما من شأنه أن يثير ردود فعل عامة، وترك الأنظمة المجاورة لمصيرها، والمخاطرة بانتشار الاضطرابات في المنطقة وظهور ضعفها.
كانت لقطات ما حدث في بيشكيك -يوم الثلاثاء والتي تظهر مبنى البرلمان في البلاد مليئا بالدخان ويتعرض للنهب من قِبل المتظاهرين- تذكرنا بالبيت الأبيض الروسي، مقر الحكومة الروسية، بعد محاولة الانقلاب ضد الرئيس بوريس يلتسين في عام 1993، وذكرى زمن عدم الاستقرار السياسي قبل أن يتولى بوتين السلطة.
وقالت ليفيا باجي، الشريكة في شركة GPW، استشارية المخاطر السياسية: ”تلتزم جميع الأطراف في قرغيزستان بشكل واسع بعلاقات قوية مع روسيا، ولذلك سيكون من المرجح أن يترك الكرملين التطورات الداخلية لحالها ما دامت لا تهدد التحالف الجيوسياسي لموسكو“.
وأضافت: ”ومع ذلك، سيظل الوضع ثابتا على رادار الكرملين نظرا للمستوى الحالي المتزايد من الاضطرابات في أماكن اخرى في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي واحتمال حدوث مزيد من الاضطرابات في الشهر المقبل، حيث تجرى الانتخابات في مولدوفا وجورجيا وطاجيكستان، والتي من المرجح أن تثير احتجاجات حاشدة إذا ما تم الاعتراض على نتائجها“.
هذا ومن المقرر -أيضا- إجراء الانتخابات في يناير في كازاخستان، وهي جارة لقرغيزستان، والتي ستكون أول انتخابات منذ تنحي نور سلطان نزارباييف عن منصبه بعد 29 عاما من رئاسته في آذار/مارس من العام الماضي.
واقترح بعض المحللين أن قراره بالتخلي عن الرئاسة مع الاحتفاظ بالسلطات الرئيسة كرئيس لمجلس الأمن في البلاد يمكن أن يكون أنموذجا محتملا لبوتين، إذا رغب في التنحي.
إلا أن امتناع موسكو عن المساعدة في سحق معارضي لوكاشينكو أو جينبيكوف من المرجح أن تشجع المواطنين في جميع أنحاء منطقة رابطة الدول المستقلة الأوسع نطاقا، بما في ذلك في كازاخستان، حيث يؤكد أنه من المستبعد للكرملين أن يلقي بثقله بشكل واضح ومباشر خلف زعماء لا يحظون بشعبية.
وأضافت كاميلا: ”إن الناشطين الكازاخستانيين، الذين استلهموا فكرة التظاهر من شعب قرغيزستان وبيلاروسيا، قد وضعوا حكومتهم أمام التحدي الكبير المتمثل في توفير مسرح انتخابي يتميز بالشرعية“.
المصدر: إرم نيوز.