الكلمات الأخيرة للشيخ سعيد بيران قبل الإعدام
“ليس بإمكانكم إعدام شعب بكامله” كانت هذه الجملة الأخيرة التي نطق بها الشيخ سعيد بيران بعد أحداث دراماتيكية خلال ما يقارب من 4 أشهر من ثورة كردية في شمال كردستان عام 1925.
في29/6/1925 أصدر حكم الإعدام بحق زعماء الانتفاضة الكردية، وتم إعدامهم شنقاً في ميدان بوابة الجبل Derîyê Çiya في آمد والبالغ عددهم /49/ مناضلاً من بينهم الزعيم الشيخ سعيد بيران، وقد وضعت أعمدة المشانق على نسق واحد.
وقبل أن يُعدم الشيخ سأله الجنرال مرسال، قائد الفيلق السادس في آمد، فيما إذا كان لديه وصية لأهله باستطاعته أن يكتبها، فقال له الشيخ: نعم، فأعطاه الجنرال قلماً وورقة فابتسم الشيخ، وقال: “هل تودّ معرفة عزيمتي وأنا قريب من الموت خطوة واحدة”.
وقد كتب الوصية التالية، وقال: “هل يوجد عاقل في الدنيا أن يوصي أحدهم أعداءه ويكلفهم بتنفيذها؟ ولكني أقول وأصرح بأن لدي /90/ ألف ليرة ذهبية في بنك اسطنبول، وكيس آخر من الذهب انتشلها جنودكم منا عند جسر فارتو ليلة اختطافنا، أطلب إعطاءها لعائلتي، ومع ذلك لا أصدقكم، ها أنا اليوم أفدي بكل ما لدي روحي ومالي لأجل شعبي، فلا أعتقد أن هناك أكثر من هذه التضحية وأنا البالغ من العمر /75/ عاماً”.
وقبل ذلك بدقائق، عندما خرج من زنزانته متجهاً نحو ساحة الإعدام وعند بوابة السجن، ودّع رفاقه الثوار وخطب بهم، قائلاً نقلاً عن العديد من الكتب التي ذكرت كلماته: “أيها الأخوة يجب أن تعلموا بأنكم مبروكون اليوم وعظماء أمام شعبكم والله، وبموتنا لن يموت شعبنا، بل سوف يصل إلى الحياة الحرة والمستقلة ما دام يوجد بينه رجال شجعان من أمثالكم، كما أن مصدر قوتنا وأملنا هو أنتم من بعدنا، وأنتم ورثة هذه المرحلة ونحن لسنا نادمين بأن نعطي أرواحنا فداءً لكم وللوطن، ثقوا أنتم محظوظون وكل طلبنا وأملنا أن تكونوا راضين عنا” .
بعض من وقائع إحدى جلسات محاكمة الشيخ سعيد في آمد.
كان الشيخ سعيد ومعه 63 من رفاقه القياديين الذين أسروا على جسر جار بهار çarbihar على نهر الفرات في فارتو من منطقة موش محتجزين، ولم يكن مسموحاً لأحد بزيارتهم، أُخِذوا أكثر من عشرين مرة إلى المحكمة ولم يكن لهم محامون لكي يدافعوا عنهم، بل كانت المحكمة انتقامية ولأجل الدعاية للدولة الكمالية ولأسباب أخرى، ومن أهمها تشويه سمعة قيادة الانتفاضة من خلال تبديل إفاداتهم بشكل مقلوب.
كانت تنشر أقوال غير أقوال الشيخ سعيد في جريدة الزمان وآكس مجموعسي التركيتين، وكثيراً ما كان الشيخ سعيد ينفي ما كان ينشر ولكن أحياناً كان فيهما بعض الحقائق عندما كان يتعلق الأمر بإدانة زعماء الانتفاضة حتى ينالوا أقسى الأحكام للتشفي بغليلهم تجاههم.
ففي بعض من هذه الأعداد نشرت مقتطفات وأجزاء من وقائع آخر جلسة محاكمة الشيخ سعيد التي نشرتها إحدى الصحف التركية حينها، وكانت وقائع الجلسة الأخيرة كالتالي:
” س: حضرة الشيخ هل تستطيع أن تنكر بأن من قام بهذه الثورة، ليس أنت ؟
ج: لماذا؟ ومن أجل أي شيء أنكر وأنا مثل الذين قاموا بها في الماضي، ومثل من سيقوم بها في المستقبل؟ وأنا مثل كل القيادات الكردية قمت بتلك الثورة.
س: ما معنى كلامك في الماضي أو المستقبل؟
ج: ما أقوله أن هناك من قام قبلي بالدعوة إلى هذه الحقوق، وسوف يأتي في المستقبل من يدعو إلى هذه الحقوق حتى ينتزعوها ولهذا تجدونني هنا.
س: بصفتك شيخ وعالم دين، هل إراقة دماء المسلمين شيء جائز؟
ج: أنتم لا تعترفون بحقوقنا من الناحية السياسية، لماذا تحملون ترس الدين في يدكم؟ الكرد يطالبون بحقوقهم السياسية والإنسانية، وأنتم ترتكبون بحقهم الإبادة والمجازر الجماعية، ونحن نقاتل من أجل الدفاع عن أنفسنا، أما أنتم فتقاتلون بصفتكم محتلين، وأن سؤالكم هل صحيح أو غير صحيح عن رأي الدين في هذه المسالة، فلا تقاس المسألة من الناحية الدينية، وهنا ليس هناك مكاناً لهذا السؤال.
س: لماذا بعض من رفاقك الثوريين ينكرون التهم الموجه إليهم؟
ج: ربما يخافون منكم وينكرون حقوقهم المشروعة، ولكن يجب الخوف من محكمة التاريخ والشعب لا منكم.
س: لدينا معلومات بأن ما قمتم به كان من خطط ودعم الإنكليز لكم؟
ج: العطشان لا يذهب لشرب الماء بتوجيه من الآخرين، بل من تلقاء ذاته، وكل ما تقومون به هو من أجل الدعاية والتشويش.
س: لماذا لم تلجأ أنت ورفاقك بدعوة إلى ما تقول والطلب من الحكومة بالأساليب السياسية والدبلوماسية وبدأتم بالقتال؟
ج: لم يذهب جنودنا إلى أناضول، ولكن أنتم من أعلنتم سفر برلك وأرسلتم الجيش إلى قتالنا، وارتكبتم المجازر بحق الأطفال والنساء وكل الناس، ومن جهة أخرى لم نر كل هذه الأخلاق العالية والإنسانية في نظام حكمكم كما تدعون الآن، وكيف لا، وهذا ما وجدناها في مؤامراتكم ضد حقوقنا في معاهدة لوزان، ولذلك وجدنا وكذلك كل الشعوب المظلومة أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى.
س: من خلال أجوبتك، يُستنتج أنك لست نادماً على ما قمت به من أعمال القتل وارتكاب الذنوب ولا تنكرها؟
ج: لم يتراجع أحد من الأحرار عن طريق المجد والشرف حتى أتراجع أنا.
قرار المحكمة: إن اعترافاتكم هذه تجعل من المحكمة أن تصدر حكم عدالة قانون الأتراك، وقررت أن تعدمك مع /48/ من رفاقكم المتهمين، وأن ما كنتم تفكرون به من استقلال الكرد وكردستان سوف تجدون قراره على أعمدة المشنقة عندما تلف حبالها على رقابكم.
كان جواب الشيخ سعيد التالي: “إذا ما قمتم بإعدامنا وقتلنا الآن، وتستطيعون، ولكن عليكم أن تعرفوا جيداً، ليس باستطاعتكم إعدام شعب بكامله وتسدوا الطريق أمام قضيته، وأن دماءنا سوف تزين علم الحرية عاش أبطال الكرد، عاش الكرد وعاشت كردستان، المجد لشهداء الحرية في كل مكان“.
المصدر: ANHA.