أفغانستان .. مصير غامض وأجندات تركية قطرية لتحويل البلاد إلى ملاذ آمن للإرهاب
لم تظهر إلى الآن أي مؤشرات إيجابية من حركة طالبان باحترام حقوق الإنسان وبشكل خاص حقوق المرأة والتي هي أحد شروط القوى العالمية للاعتراف بحكومة طالبان، بل على العكس من ذلك أخذت الأوضاع تسير نحو الأسوأ والأقسى يقابلها تناقض القوى العالمية لنفسها عبر إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الحركة دون إعارة أي اهتمام لما يتعلق بالملف الإنساني وشكل الإدارة في البلاد والحقوق والحريات.
ولا تزال الحقوق الإنسانية تنتهك والفساد ينتشر، والنزاهة تختفي خصوصاً بعد تحييد حركة طالبان للهيئة المستقلة للانتخابات، كما تزداد معدلات الفقر بشكل ملحوظ، ناهيك عن الوضع الأمني الذي يشهد عدم استقرار كبير جراء التفجيرات التي تضرب البلاد، بالإضافة إلى انتهاج الحركة سياسة التطهير العرقي ضد المختلفين معها دينياً، والأبرز بين كل ذلك حالات القمع وانتهاك الحريات التي تتعرض لها المرأة في البلاد.
أهمية جيو-استراتيجية
وشكل الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد عقدين من الحرب، بداية لتنافس إقليمي ودولي على ملء الفراغ، حيث تحركت نزعة كل من تركيا وإيران وروسيا والصين للتوسع وبسط النفوذ والسيطرة، في حين عززت كل من قطر وباكستان علاقاتهم مع الحاكم الجديد في البلاد (طالبان) من خلال لعب ما تسميه “دور الوسيط”.
وعلى مرّ التاريخ دفعت أفغانستان بموقعها الاستراتيجي ثمناً، ضريبته الغزو العالمي لمرات، فهي في موقع ذو أهمية جيو-استراتيجية حساس للغاية؛ إذ تقع في وسط المناطق الآسيوية الرئيسية مثل آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى.
وأفغانستان التي تتمتع بموقع جغرافي حساس، يجعلها ممرّ عبور مهم، لصادرات النفط والغاز الطبيعي من وسط آسيا إلى بحر العرب، ناهيك عن غناها بالثروات الطبيعية كالنفط والغاز، وأخرى منجمية كالذهب والنحاس والحديد والكوبالت والليثيوم، إضافة إلى اليورانيوم.
وقبيل الانسحاب الأميركي من البلاد في شهر آب، أعلنت الولايات المتحدة عن اتفاقها مع تركيا على تولي الأخيرة بموجبها مسؤوليات أمنية هناك عقب الانسحاب، ولا سيما تأمين مطار كابول، المنشأة الحيوية الاستراتيجية، وذلك بالتعاون مع قطر وهي التي تشارك تركيا في دعم جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويرى مراقبون أن الأتراك ينظرون إلى هذه المهمة على أنها فرصة لهم، إذ أنها قد تساهم في تخفيف حدة التوتر مع واشنطن، وتمثل لهم موطئ نفوذ في آسيا الوسطى ومكاسب أخرى.
ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى أيضاً لاستنساخ تجربة التدخل في كل من ليبيا والحرب الأذرية الأرمنية الأخيرة في إقليم قره باغ بجنوب القوقاز، إذ كشفت صحيفة ‘لوفيغارو’ الفرنسية أن شركة عسكرية مقربة من أردوغان تتولى إرسال دفعات من المرتزقة السوريين إلى أفغانستان.
وبعد أن بسطت حركة طالبان نفوذها في البلاد منتصف شهر آب الماضي، تتطلع الحركة الآن إلى كسب اعتراف دولي بعد أن شكلت حكومتها المؤقتة المؤلفة من الرجال فقط في 7 أيلول الماضي، ولأجل ذلك أجرت محادثات مع دول إقليمية وعالمية بينهم الصين وروسيا والهند وتركيا وإيران وبالإضافة إلى دول خليجية، ولكن يبدو أن باكستان وقطر وتركيا الفائزين الأكبرين على صعيد تعزيز العلاقات مع الحركة مستفيدين من التقارب الأيديولوجي ودعم حركات الإسلام السياسي.
تركيا وقطر تعززان دورهما
وعززت كل من قطر وتركيا الدولتان الأكثر قرباً من الحركات الإسلامية المتشددة مكانتهم في البلاد من خلال الحوار الدبلوماسي مع حركة طالبان، تحت مسمى الإشراف على مطار كابول، وكذلك مؤخراً، تم إبرام اتفاق بين واشنطن والدوحة لتتولى الأخيرة إدارة المصالح الدبلوماسية الأميركية في أفغانستان.
وفي تصريح خاص لوكالة هاوار، عزا الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب، أسباب تعزيز قطر وتركيا لمكانتهما في أفغانستان من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع طالبان إلى ارتباط الطرفين الوثيق بالتنظيمات الإرهابية، وقال: “وجود حركة طالبان على سدة الحكم في البلاد له أهمية كبيرة لكل من قطر وتركيا، لذلك كانتا الداعم الأساسي والرئيسي لها في المفاوضات، واعتقد أنهما كانا وما زالا يقدمان دعماً من خلال تقديم النصائح لضمان نجاح تجربة طالبان في الحكم”.
وتابع: “بالتالي تحقيق هذا الأمر سينعكس إيجاباً على كل من تركيا وقطر، فكلا الدولتين تدعمان تنظيمات الإسلام السياسي وحركة طالبان تحتضن هذه التنظيمات، ونجاح تجربتها يصب في مصلحة كل منهما، وقد يكون ذلك هو الهدف من لعب هذا الدور، وهذا الدور الداعم والمرحب بتنظيمات الإسلام السياسي، ويوفر ملاذاً آمنا لهم، خاصة مع الضغوط الدولية التي تمارس على كلا الدولتين لمنع استقبال هذه التنظيمات على أراضيها، والبديل هنا أصبح أفغانستان حيث أن وضعها السياسي يسمح باستقبال قيادات هذه التنظيمات”.
بيادق لضرب الصين وتحقيق أجندات سياسية
وسلط منير أديب الضوء على كيفية توظيف كل من قطر وتركيا حركة طالبان في ضرب الصين وإبراز تركيا نفسها كقوة عظمى لتحقيق مصالح سياسية، قائلاً: “لا شك أن الوضع في أفغانستان سوف يؤثر بصورة كبيرة على الإيغور في الصين، الذين يشعرون باضطهاد من قبل السلطات الصينية، وبالتالي أعتقد أن تنظيم القاعدة وحركة طالبان سوف تشن مستقبلاً عمليات ضد الصين أو ستضغط عليها بصورة أو بأخرى، وهذا بالتأكيد سوف يسبب ازعاجاً للصين وكل هذه التحركات ستحصل بيد تركيا الداعمة للحركة”.
ومضى أديب في حديثه قائلاً: “بالتالي هذا الأمر يوضح كيفية توظيف تنظيمات الإسلام السياسي من قبل كل من تركيا وقطر أيضاً لأجل مصالح سياسية ربما لتركيا في المنطقة، وخاصة أنها تريد أن تكون قوة عظمى، كما سبق ودعمت تركيا الإيغور هي تفعلها في القرم مع العديد من العرقيات الذين من المنتظر أن تدافع عنهم حركة طالبان بحكم الاتفاق الإيديولوجي”.
وبوساطة قطرية التقى ممثلون عن حكومة طالبان مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين منذ الانسحاب الأميركي، لإجراء محادثات زعم على أنها تهدف لمعالجة قضايا تشمل توفير ممر آمن للراغبين بمغادرة أفغانستان، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، واحترام حقوق النساء، وتجنّب تحوّل أفغانستان إلى ملاذ للجماعات الإرهابية، إلا أنه لا انفراجات تحققت على أرض الواقع.
وتحققت المخاوف التي حذر منها مختصون بالشأن الإرهابي بأن تصبح أفغانستان بؤرة للإرهاب وتجار المخدرات بعد تولي الحركة الحكم، إذ تضرب بين الفينة والأخرى تفجيرات إرهابية البلاد.
وفي تصريح قال قائد القيادة المركزية الأميركية فرانك ماكنزي، إنه من الواضح أن تنظيم القاعدة يحاول إعادة بناء وجوده داخل أفغانستان، وأضاف أن بعض المسلحين يأتون إلى البلاد عبر حدودها الهشة، لكن من الصعب على الولايات المتحدة تتبع الأرقام.
ملاذ آمن للإرهاب
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الآلاف من المقاتلين وأنصار حركة طالبان باتوا يتدفقون إلى أفغانستان، قادمين من باكستان المجاورة؛ تلبية لدعوات قادة ورجال دين مؤثرين، بهدف تعزيز القدرات القتالية للحركة وزيادة الخبرات الإدارية.
وتعليقاً على ذلك، قال منير أديب: “أفغانستان أصبحت في ظل حكم حركة طالبان ملاذاً آمناً لكل جماعات العنف والتطرف وتنظيمات الإسلام السياسي بدءاً من القاعدة ومروراً بداعش وتنظيمات أخرى قد تكون محلية أو إقليمية انتشرت في المنطقة العربية”.
وسلط أديب الضوء على الدعم الذي قدمته الحركة لتنظيم القاعدة سابقاً، بالقول: “حركة طالبان استضافت تنظيم القاعدة الذي قام بتنفيذ تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، وكذلك رفضها تسليم أسامة بن لادن أحد مؤسسي تنظيم القاعدة، وصرح آنذاك الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان ومؤسسها، أن أسامة بن لادن ضيف أفغانستان ولن يسلموه للولايات المتحدة الأميركية”، منوهاً إلى أن الحركة لا تزال تحتضن تنظيم القاعدة، إلى جانب تنظيمات الإسلام السياسي الأخرى.
وحذر أديب من أن تصبح أفغانستان وجهة لتنظيمات الإسلام السياسي ومرتزقة داعش خاصة بعد خسارتها سيطرتها الجغرافية في آذار 2019، ورجح الأسباب إلى موقع أفغانستان الاستراتيجي والملائم لهذه التنظيمات من الناحية الاجتماعية والسياسية والجغرافية بمساحاتها الصحراوية الشاسعة وجبالها، وبشكل خاص جبال تورا بورا شرقي أفغانستان.
هجمات مستقبلية
وأضاف: “أعتقد أن هذه التنظيمات عندما تعيد ترتيب أوراقها سوف تشن هجمات ربما على القوى الأخرى سواء المجاورة من البلاد أو دول أخرى قد تكون بعيدة جغرافياً عن أفغانستان، وهذا حدث في وقت سابق عندما شنت التنظيمات الإرهابية هجمات على الدولة المصرية في التسعينات من القرن الماضي وبعض الدول الأوروبية”.
ورأى أديب أن لا آمال بالانفراج في أفغانستان في ظل حكم حركة طالبان، وقال: “من الطبيعي أن تزداد حالات القتل والعنف في أفغانستان كون طالبان حركة متطرفة ولا أعتقد بأنه سيكون هناك أمل من أن تغيّر سلوكها في الداخل وإنما ستصدر العنف والتطرف إلى سكان أفغانستان”.
بؤرة لتجار المخدرات
وتؤكد الكثير من التقارير أن حركة طالبان تعتمد على تجارة الأفيون في تمويل نفسها، وفي هذا السياق ذكر المكتب الأممي المختص أن عائدات إنتاج المنتجات الأفيونية الأفغانية خلال عام2021 تراوحت بين 1.8 مليار دولار إلى 2.7 مليار دولار أي أعلى مرتين تقريباً مما كانت عليه قبل، الأمر الذي يشجع المزارعين للاعتماد على زراعة خشخاش الأفيون، وبالتالي زيادة المحصول والاتجار بها.
وعادة ما يتم تهريب معظم المخدرات من أفغانستان عبر إيران إلى تركيا ومنها تنتقل إلى جماعات المافيا حول العالم.
وكشف زعيم المافيا التركي سادات بكر خلال سلسلة تغريدات ومقاطع فيديو له سابقاً، تورط حكومة أردوغان ووزرائه في قضايا الفساد وتهريب الأموال وتجارة المخدرات.
أزمة إنسانية واقتصادية
وتزداد حالات القتل وانتهاك الحقوق الإنسانية وعدم الاستقرار بشكل ملحوظ في أفغانستان، إذ صنفت الأخيرة على أنها أقل الدول أمناً خلال عام 2021 بحسب معهد الاقتصاد والسلام العالمي، بالإضافة إلى الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الأفغانيون، إذ صنّفت لجنة الإنقاذ الدولية أفغانستان التي يبلغ عدد سكانها نحو 40 مليون نسمة بأنها “أسوأ منطقة متاعب إنسانية في العالم”، وذلك ضمن قائمة اللجنة الخاصة بمراقبة الطوارئ المتعلقة بأبرز الأزمات في مختلف أنحاء العالم.
وأظهر أحدث استطلاع أجراه برنامج الأغذية العالمي أن 98 % من الأفغان لا يحصلون على الغذاء الكافي، كما توقع صندوق النقد الدولي بأن ينكمش الاقتصادي الأفغاني بنسبة 20-30% في 2022.
وفي هذا السياق يقول مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب لوكالة هاوار: “إن أفغانستان تتجه نحو أكبر أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، بعد سيطرة حركة طالبان عليها وتوقف المساعدات الإنسانية لها”، داعياً دول العالم والمنظمات الإنسانية إلى دعم الشعب الأفغاني لإنقاذ البلاد من الانهيار، وأكد أن “أفغانستان تحتاج إلى 4 مليارات دولار لمنع المجاعة”.
وأوضح الديب أنه بعد حوالي أربعة أشهر من الإطاحة بالحكومة الأفغانية وسيطرة حركة طالبان على السلطة في كابول، أصبح الشعب الأفغاني يعاني الفقر، وأكثر من نصف السكان الأفغان يعانون من الجوع الشديد، بما في ذلك مليون طفل معرضون لخطر الموت جوعاً.
مستقبل قاتم
ولفت الديب إلى أن “مستقبل أفغانستان يبدو قاتماً في ظل اقتصاد مريض زاد من ضعفه الجفاف وجائحة كورونا، ونقص المساعدات الخارجية وسيطرة طالبان على زمام الأمور، واضطرار البعض إلى بيع أطفالهم”.
وحذّر مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب، في ختام حديثه، من أن تدهور الأمور بأفغانستان سيؤثر سلباً على العالم كله وخاصة أوروبا، وقال مختتماً: “يجب أن يتحلى العالم بالأخلاق لإنقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. يجب أن يتحرك العالم لمساعدة الشعب الأفغاني”.
المصدر: ANHA.