أخبار

نظرة على العلاقات السورية التركية.. عقود من تنازلات دمشق واحتلالات أنقرة

يتوجس السوريون من مسار التقارب بين حكومة دمشق والاحتلال التركي ويذكّرهم تاريخ العلاقات بين الدولتين أن حكومة دمشق دائماً أبرمت صفقات مع دولة الاحتلال لم يكن للشعب السوري فيها لا ناقة ولا جمل فيها.

لم تستقر العلاقات السورية ـ التركية خلال تسعينيات القرن الماضي، لا سيما بعد خروج العثمانيين من سوريا عام 1918، إذ سادت حالة من العداء والتأزم والتوتر طويل الأمد بين الجانبين، ووصل التوتر إلى حد دفع تركيا الجارة الطامعة بحشود عسكرية قبالة الحدود السورية مرات عديدة.

هذه العلاقة أخذت منحى أخر في عام 1998 باتفاق أمني سري سمي بـ “اتفاقية أضنة” تم إحياء العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق من خلاله، ويسمح لتركيا بالاعتداء على الأراضي السورية وسيادتها.

وطول عقود تركز الخلاف والتوتر بين الطرفين حول ملفات عديدة أبزرها ضم تركيا لواء اسكندرون السوري وقضايا الحدود ومشكلة حصص وتقاسم مياه نهر الفرات ومعاداة القضية الكردية.

أطماع منذ الانتداب والبداية من لواء اسكندرون

كما يفعل أردوغان اليوم، احترف رؤساء تركيا السابقين الاتجار بالأزمات والحروب واستغلالها، وابتزاز الدول لكسب القضايا وتحقيق أطماعهم؛ حيث استغلت تركيا ظروف الحرب العالمية الثانية، وضمت رسمياً منطقة اسكندرون التي كانت جزءاً من سوريا إلى أراضيها عام 1939، إثر اتفاقية مع الجانب الفرنسي الذي كان وقتئذ منتدباً على الأراضي السورية حتى عام 1947.

وأقرت سوريا لواء أسكندرون المحافظة الـ 15، بعد صدور مرسوم قانون التنظيمات الإدارية رقم (5)، وفي عام 1936، وقعت فرنسا اتفاقية مع سوريا تنص على استقلالية اللواء سورياً، لكن سرعان ما انقلبت فرنسا وتآمرت مع تركيا في عام 1939، إذ سمحت لها باتباع سياسة تتريك هادئة أسهمت في رفع نسبة الاتراك في اللواء، الذي كان موطناً مصغراً للعرب والكرد والأرمن والأتراك.

تمهيداً للاحتلال، بدأت تركيا بإدخال جنودها إلى اللواء، لتبدأ أول مراحل عملية تتريك المحافظة، بدءاً من اسمه الذي تحول إلى (هاتاي)، وتهجير المكونات السورية الأصلية، وجلب أخرين محلهم، والعبث بهويتها وثقافتها، وفرض اللغة والليرة التركية في التعامل، وذلك في سيناريو مشابه تماماً لما يحصل اليوم في الشمال السوري المحتل.

في المقابل اعتبرت حكومة دمشق إن لواء أسكندرون أراض سوريا ولن تتنازل عنه مهما مر الزمان، وعادت هذه القضية إلى الواجهة من جديد في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بعدما أكد مجلس الشعب السوري، “أن لواء أسكندرون جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، وأن السوريين سيبذلون الغالي والنفيس حتى يعود الحق السليب إلى أصحابه”، واصفاً ما حدث بـ “الجريمة”، وهذا ما آثار غضب تركيا وشنت هجوماً كلامياً لاذعاً، حيث وصفت وزارة خارجية الاحتلال التركي بيان المجلس السوري بـ “الوقح، وغير القانوني”.

حشود عسكرية وابتزاز عبر قضية المياه

لم ينتهي العداء والعلاقات المتوترة عند هذا الحد، حيث نشب في عام 1957 اشتباك بين سوريا وتركيا وحشدت تركيا آلاف الجنود على الحدود الشمالية لسوريا مهددة باجتياح سوريا، وحشدت مصر قواتها بميناء اللاذقية، وهذا هيأ لقيام الوحدة بينها وبين سوريا عام 1958، في حين هدد الاتحاد السوفيتي بضرب تركيا العضوة في الناتو، حال دخول جيشها إلى سوريا.

القضية الأخرى والتي لا زال السوريين يعانون منها هي قضية المياه، التي أثارت جدل وتنازع مستمر رغم كل الاتفاقيات، حيث بقيت عاملاً سلبياً مؤثراً في توتر العلاقات بين سوريا وتركيا التي تتبع سياسة تعطيش السوريين، وضرب اقتصادهم.

وضربت تركيا كل العهود والاتفاقات التي وقعت عليها منذ معاهدة لوزان 1923 عرض الحائط والمتمثلة في حقوق الدول المائية، وفي عام 1987 حصل اتفاق بين تركيا وسوريا، نص على ضمان تدفق مائي لسوريا يبلغ 500 متر مكعب في الثانية من نهر الفرات، إلا أن تركيا لم تكن جادة في حل المعضلة.

وفي ابتزاز واضح، استغلت تركيا هذه القضية وربطت موافقة تركيا على إمداد سوريا بتدفق مائي قدره 500 م مكعب في الثانية، مقابل مساعدتها في معاداة قضية الشعب الكردي.

وفي عام 1989 بدأت تركيا ببناء 22 سداً على نهر الفرات، وقطعت المياه عن سوريا والعراق لمدة شهر كامل (من 13/1/1990 وحتى 12/2/1990)، وهذا ما ساعد على توتر العلاقات بين الطرفين أكثر.

في عام 1993 زار سليمان دميريل دمشق ووعد بحل نهائي لمشكلة تقاسم المياه قبل نهاية العام وفشلت اللقاءات في التوصل إلى حلول، في عام 1994 انخفض الوارد المائي السنوي إلى سوريا من 32 مليار متر مكعب إلى 23 مليار.

اتفاقية أمنية تستهدف الكرد وتضرب السيادة السورية

في آب/أغسطس 1996 وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري وأمني سمحت بموجبها بالتجسس على سوريا من داخل أراضيها، إذ كانت تركيا أول دولة تعترف بإسرائيل في مارس/آذار، 1949، وهو ما اعتبرته دمشق استفزازاً يستهدفها مباشرة.

في عام 1998 حشد جيش الاحتلال التركي قواته على الحدود مقابل الحدود السورية، مجدداً نيته احتلال سوريا إذا لم توافق دمشق على إخراج القائد عبد الله أوجلان.

غادر القائد عبد الله أوجلان دمشق في 10 أكتوبر 1998، وبمؤامرة دولية شاركت فيها استخبارات دول عديدة أسر في نيروبي، في 15 شباط 1999.

تحولت العداوة بين الاحتلال التركي وحكومة دمشق برئاسة حافظ الأسد، إلى تقارب وتودد بعد بروتوكول وقع عليه البلدين حمل اسم “اتفاق أضنة” والذي وقع في مدينة أضنة جنوب تركيا في 20/ أكتوبر/ تشرين الأول 1998، بعد وساطة إقليمية قادتها مصر لحل الأزمة بين البلدين، على حساب قضية الشعب الكردي.

بعد هذه الاتفاقية الأمنية، تحولت العلاقات من ذروة التوتر إلى تعاون استراتيجي واستخباراتي، أدى لتوقيعهما على عشرات الاتفاقيات في مختلف المجالات، كان أبرز مضامين هذا الاتفاق إعطاء تركيا الحق في الدخول إلى عمق سوريا 5 كلم.

أطماع تركية دائمة بانتظار الفرص السانحة

شهر العسل بين الاحتلال التركي وحكومة دمشق لم يدم طويلاً وبدأت العداوة تطفو على السطح من جديد، بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وبعد اتفاقية أضنة كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً لحكومة دمشق وذلك على حساب الأسواق والتجار السوريين.

علاقتهم هذه انقلبت رأساً على عقب مع انطلاق الأزمة السورية حيث كان الاحتلال التركي وأردوغان أول من طالبوا بإسقاط نظام حليفهم السابق بشار الأسد ودعموا المجموعات المرتزقة ضده وأغلقت تركيا سفارتها في العاصمة السورية دمشق في آذار/ مارس 2012.

وطيلة 12 عاماً، لم يتوقف الأسد وأردوغان عن تبادل الشتائم والاتهامات، إذ كرر أردوغان نعت الأسد على أنه “إرهابي”، وقال: “كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنية العمل معه مستحيل”.

في المقابل نعت الأسد أردوغان “الأخونجي، لص، كاذب”، وقال في إحدى تصريحاته: “إذا سألتني، ماذا سأشعر لو اضطررت أنا شخصياً لكي أصافح أو ألتقي مع شخص من جماعة أردوغان أو من يشبهه أو من يمثل نهجه، فلن أتشرف بمثل هذا اللقاء وسأشعر بالاشمئزاز”.

ولم يكتفي أردوغان بذلك، بل دعم المجموعات المرتزقة وسلحهم بالسلاح والعتاد في مواجهة حكومة دمشق، بينما عملت روسيا على تعويم نظام حكومة دمشق، حتى جعلتها تشعر بنشوة الانتصار، بعدما سلم الاحتلال التركي المناطق التي يسيطر عليها مرتزقته في مقايضات حصلت بين ثلاثي الصفقات (روسيا، تركيا، إيران).

ونتيجة لهذه الصفقات احتلت تركيا مناطق سورية عديد كالراعي وإعزاز والباب وجرابلس وعفرين وريف إدلب وسري كانيه وكري سبي وأقامت العشرات من النقاط العسكرية وعملت على تغيير ديمغرافية هذه المناطق والقيام بإجراءات تتريك مكثفة وواضحة.

حكومة دمشق لم تتعلم من الدروس السابقة

وإكمالاً لمسار أستانا ومنذ قمة طهران التي جمعت روسيا والاحتلال التركي وإيران انطلق مسار التقارب بين حكومة دمشق والاحتلال التركي

وأعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طرح قضية “اتفاقية اضنة” بين تركيا وحكومة دمشق خلال لقاء له مع أردوغان في موسكو 2019، من خلال التعديل على الاتفاقية والسماح لتركيا بالتوغل إلى الأراضي السورية بعمق يصل مداه 30 كلم.

وفي 28 ديسمبر 2022 اجرت محادثات ثلاثية بين روسيا، تركيا، سوريا، على مستوى وزراء الدفاع، للتقارب وإعادة احياء العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق، ومن خلال تصريحاتهم وتحركاتهم يتضح بأن الهدف الذي اتفقوا عليه هو معاداة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

اللقاء الأخير إلى جانب الحديث عن لقاء على مستوى وزراء الخارجية، أعاد إلى أذهان السوريين السجل الطويل من التنازلات التي قدمتها حكومة دمشق لدولة الاحتلال التركي خلال العقود الأربعة الأخيرة وهو ما ترجمه الرفض الواسع لهذا التقارب في شمال وشرق سوريا وحتى في المناطق المحتلة التي خرج القاطنون فيها في مظاهرات نددت بهذا التقارب.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى