الخروج من القبر إلى الحياة.. قصة ناجٍ من سجون مرتزقة الاحتلال التركي
هذه قصة مواطن من مقاطعة عفرين المحتلة، كان من بين الآلاف الذين دافعوا عن مدينتهم إبان العدوان التركي على عفرين. اختطفته مرتزقة الاحتلال التركي، وأودعوه السجن. وأفرجوا عنه بعد أربعة أعوام.
محمد إبراهيم (اسم مستعار) مواطن من مقاطعة عفرين المحتلة، يسرد لنا قصة اختطافه وسجنه، بعد خروجه من سجون الاحتلال التي قضى فيها أربعة أعوام. يحكي بقهر عمّا عاشه خلف أسوار ما كان يعرف بسجن سجو وسجن كفر جنة، وجرمه الوحيد أنه كان يدافع عن أرضه ومدينته.
تلعثم في الكلام وأطلق تنهيدة طويلة عندما سُئل ماذا حدث معك؟ في دليل واضح على أنه محتفظ بذكريات أليمة، وخوف دفين ما زال يلازمه، على الرغم من خروجه وتمكنه من الوصول إلى أسرته القاطنة في مخيم برخدان في مقاطعة الشهباء.
25و26 من كانون الثاني كانا بمثابة عام
بدأ محمد حديثه بالقول “في الـ 20 من كانون الثاني عام 2018، في الساعة الرابعة عصراً، بدأت طائرات الاحتلال التركي باستهداف مقاطعة عفرين، المقاطعة التي لطالما كانت تأوي وتحمي مئات الآلاف، سواء من سكانها الأصليين أو النازحين من مناطق الصراعات”.
تابع “كنت مقاتلاً في وحدات حماية الشعب التي دافعت عن المنطقة، طُلب مني ـ أنا ومجموعة من الرفاق، في 22 كانون الثاني ـ التوجه إلى قرية قسطل جندو في ناحية شرا لمجابهة جيش الاحتلال التركي ومرتزقته القادمين من مدينة إعزاز المحتلة لاحتلال هذه البقعة الاستراتيجية”.
أردف “المقاومة كانت على أشدها، في مواجهة الأسلحة الثقيلة، من صواريخ وقذائف الهاون والمدفعية، التي حولت التلة التي كنا نتمركز فيها وحتى القرية إلى ركام. هذه الوحشية والهمجية في استهداف القرية، كانت بسبب فشل المرتزقة في العديد من المرات في السيطرة على القرية، حتى أن قوات الكوماندوس التركية فشلت في إحراز التقدم ولو لشبر واحد”.
أضاف “في صباح الـ 25 من كانون الثاني، وبعد إفشالنا للهجوم على التلة والقرية، خرجت طائرات الاستطلاع التابعة للاحتلال؛ لرصد تحركاتنا، وعند الظهيرة شن مرتزقة الجبهة الشامية هجوماً آخر، أُصبت أنا ورفيقي بجروح خلال التصدي لهم، إصابتي كانت في يدي وركبتي، أما رفيقي فكانت إصابته في منطقة البطن، نقلَنا رفاقنا إلى أحد المنازل لمعالجتنا وإخراجنا في أقرب وقت إلى أقرب مستشفى.
كانت طائرات الاستطلاع لا تزال ترصد تحركاتنا، لتشن في ساعات الليل غارات عشوائية على القرية، أصابت إحداها المنزل الذي نُقلنا إليه، وأدت إلى استشهاد جميع من كانوا معي من الرفاق، وأصابتني بجروح بليغة لم أعد أستطيع الحركة بعدها، وبعد 12 ساعة احتل المرتزقة التلة، وأخرجوني من تحت الأنقاض، وانهالوا علي بالضرب على أماكن الجروح، ولم تمنعهم إصابتي من إظهار وحشيتهم. ثم فقدت الوعي بعدها.
أتذكر قبل فقداني الوعي بلحظات، كيف كان المرتزقة يتفننون في تعذيبي، على الرغم من إصابتي الشديدة ونزفي لكمية كبيرة من الدم. أنقذني منهم فقداني للوعي، ليتابعوا تعذيبهم بعدها، بعد أن نقلوني إلى مقر المرتزقة الواقع في مدينة إعزاز، للتحقيق معي أربع ساعات متواصلة على الرغم من إصاباتي البليغة.
ولعدم قدرتي على الكلام، وفقداني للوعي بشكل متكرر، نقلوني إلى المستشفى العسكري في المدينة، لمعالجتي هناك، لكن العلاج اقتصر على تنظيف الجرح وخياطته، دون إخراج الشظايا التي شوهت الجانب الأيمن من وجهي أو معالجة ركبتي التي تفتتت، ويدي التي انكسرت.
مكثت في المستشفى أربعة أيام، ثم عاد بي المرتزقة إلى المقر العسكري، وهناك بدأت جولة جديدة من التعذيب، جولة كانت أفظع وأشد قسوة، فقد استخدموا كافة أشكال التعذيب الجسدي، من الكبل الرباعي، والدولاب، والكهرباء في الركبتين، إلى جانب الشتائم والألفاظ التي تهين كرامة الإنسان، ثم زجوا بي في غرفة مظلمة لشهر كامل.
بعد مرور شهر على بقائي في تلك الغرفة، تم نقلي إلى سجن سجو السيئ الصيت، التابع لمرتزقة “الجبهة الشامية”، قضيت فيه سنة وتسعة أشهر من التعذيب، بالإضافة إلى التحقيق، حتى أنهم أخذوني يوماً إلى تلة قسطل جندو، وطلبوا مني تحديد أماكن الأسلحة، واتهام أهالي القرية بتهم وحجج واهية، لاختطافهم.
وكم كانت صدمتي كبيرة، عندما علمت أنه أُعلن نبأ استشهادي في المعركة التي حصلت في ذلك الوقت، من شخص اختُطف من قريتي من قبل المرتزقة، وأن أهلي الموجودين في مخيم برخدان، لا يعلمون أنني على قيد الحياة.
حاولت مراراً التواصل مع أسرتي دون جدوى، وبعد مرور عدة أشهر، سمح لنا متزعم سجن سجو بإجراء مكالمة واحدة لمدة دقيقتين، تحدثت وقتها مع أخي الذي فوجئ بسماع صوتي وبدأ بالبكاء، أخبرته أنني مخطوف لدى “الجبهة الشامية”، ليُقطع الاتصال بصفعة على وجهي أسقطتني أرضاً”.
الأطفال والنساء يُعذبون
بعد مرور عام ونصف على وجودي في سجن سجو في مدينة إعزاز نقلني المرتزقة إلى سجن كفر جنة الذي كان معسكراً للطلائع، قبل الأزمة السورية، وهناك كان التعذيب يومياً، وخاصة التعذيب النفسي، عند سماع صوت امرأة كردية تصرخ من شدة التعذيب، أو صراخ طفل في الثامنة من عمره، يعذّب بهدف إعطائهم معلومات عن والديه اللذين كانا يعذبان في الداخل، لقد كان عدد السجناء في ذلك السجن، كبيراً جداً، لدرجة أننا كنا ننام ونحن جالسون”.
العودة إلى الحياة
وبعد مرور عامين ونصف على وجودي في سجن كفر جنة، أطلق المرتزقة سراحي مع اثنين من رفاقي.
هناك لا تعترف أي مجموعة من المرتزقة بأخرى، وما أكثرها هذه المجموعات، فكل شخصين أو ثلاثة يشكلون مجموعة. صعدنا العربة، واتجهنا إلى حي الأشرفية، وفي طريقي، رأيت ماذا حل بعفرين. عفرين التي كانت تشتهر بزيتونها أصبحت أرضاً جرداء، والخراب في كل مكان.
آثار التعذيب مستمرة إلى الآن
بعد مكوثنا ثلاثة أيام عند أقرباء أحد الرفاق الذين خرجت برفقتهم “تواصلت مع أهلي في الشهباء، وطلبت منهم تأمين مبلغ مليونين ونصف المليون ليرة سورية، لأخرج به من عفرين، بهذا المبلغ نجوت من ذلك السجن الكبير، وتوجهت إلى أهلي الموجودين في مخيم المقاومة.
لا تزال آثار التعذيب واضحة على جسدي، فـركبتي تفتتت، ولا أستطيع المشي أكثر من مئة متر، وعيني تأذت خلال التحقيق، والشظايا تملأ وجهي وظهري”.
هذا ويعيش محمد إبراهيم في مخيم برخدان مع أسرته المكونة من طفلين وزوجته، وقد بدأ بتلقي العلاج.
المصدر: ANHA.