أخبار

تحليل: هل يخرج تقارب دمشق مع عواصم عربية سوريا من عزلتها الإقليمية؟

يحاول نظام الرئيس السوري بشار الأسد فك العزلة الدبلوماسية الذي يعيشه منذ 2011 على الرغم من العقوبات المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة وسنوات العنف الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف وهجرة الملايين. فبعد التقارب الخفيف مع الجارة الأردن والدور المحوري الذي لعبته لحل مشكلة الوقود التي تعرضت إليها الجارة الأخرى لبنان، عادت دمشق إلى شبكة الإنتربول. فهل باتت نهاية العزلة قريبة لنظام الأسد؟

بعد أن انقطع الاتصال بينهما لمدة عشر سنوات، تحادث الأسبوع الماضي هاتفيا كل من رئيس سوريا بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله للمرة الأولى منذ بدء الحرب في سوريا. مكالمة هاتفية عادية لكنها تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للنظام السوري “المنبوذ” من قبل المجتمع الدولي. وتلا هذه المكالمة لقاء آخر جمع بين وزير الخارجية السوري ونظيره الأردني على هامش أشغال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

هذا، وأدت إعادة الدفء للعلاقات السورية الأردنية إلى فتح معبر جابر نصيب البري الذي يقع شمال شرق الأردن. وتتقاسم المملكة الهاشمية مع جارتها سوريا شريطا حدوديا يمتد على مسافة تقدر بـ375 كيلومترا.

لكن على الرغم من التقارب الذي يشهده البلدان، إلا أن الوقت لم يحن بعد للحديث عن إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية والسياسية أو تبادل السفراء بينهما أو حتى فتح ممثليات قنصلية.

بالنسبة للأردن، الهدف الأساسي من هذا التقارب، هو اقتصادي محض. فقبل العام 2011 وبداية الحرب السورية، كانت المبادلات التجارية بين البلدين تمثل 615 مليون دولار للأردن سنويا. لكن بعد سنوات من الحرب في سوريا والانعكاسات السلبية لأزمة كوفيد-19 على الاقتصاد الأردني، أصبحت المملكة الهاشمية غير قادة على إدارة ظهرها للنظام السوري أو أن تتجاهله.

البراغماتية الأمريكية

أما بشار الأسد، فهو يحاول استغلال هذا التقارب الجديد رغبة منه في العودة إلى الساحة السياسية الإقليمية. والدليل أن الإمارات كانت قد أعلنت فتح سفاراتها من جديد في دمشق بعد 6 سنوات من الإغلاق. ثم بعدها البحرين التي سارت على منوالها.

فيما قامت دول أخرى، على غرار مصر وعُمان والعراق بتخفيف مواقفها السياسية إزاء نظام دمشق. وفي تصريح لفرانس24، أكد أرون لوند، المحلل سياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والعضو مشارك في مؤسسة “سانتوري: “في الحقيقة، بعض الدول العربية حافظت على علاقتها مع سوريا بشكل سري وعلى مستويات سياسية منخفضة. والحكومات التي تريد اليوم التقرب جهرا من النظام السوري كانت تريد القيام بذلك منذ زمن بعيد. في المنطقة، الكل أدرك أن بشار الأسد ربح الحرب، وبالتالي يجب فتح قنوات اتصال معه”.

عامل آخر ساعد دولا أخرى إلى الركض وراء التطبيع مع سوريا، وصول جو بايدن إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، دائما حسب أرون لوند الذي أكد أن: “أوباما وترامب مارسا ضغطا شديدا على هذه الدول لكي لا تطبع علاقاتها مع دمشق. لكن لم يعد الأمر كما كان في الماضي”.

من جهة أخرى، بدا التقارب الأمريكي السوري جليا، إذ تجسد عبر الضوء الأخضر الاستثنائي الذي أعطته واشنطن لدمشق لإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية بالرغم من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على نظام بشار الأسد في إطار قانون “قيصر” الموقع في 2019 والذي يمنع المبادلات المصرفية مع سوريا.

وأضاف دافيد ريغوليه روز، وهو باحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسية ومختص في شؤون الشرق الأوسط: “سفيرة الولايات المتحدة في بيروت وافقت على مبدأ إيصال الوقود إلى لبنان عبر خط الأنبوب العربي الذي يمر عبر سوريا قادما من مصر والأردن. وبمنحها هذه الرخصة، تكون السفيرة قد علقت ضمنيا ولوقت محدد على الأقل العقوبات التي فرضت على سوريا في إطار قانون” قيصر”.

وأضاف “الهدف وراء ذلك، منع إيران من أن تقول بأنها هي التي أنقذت لبنان مع حزب الله من محنة الوقود التي تعرض إليها. أما فيما يتعلق ببشار الأسد، فهو بالتأكيد سيوظف هذا التغيير الأمريكي في الموقف ليذكر للمجتمع الدولي بأنه لا يستطيع أن يستمر في إبقاء نظامه خارج اللعبة السياسية.

العودة إلى الكنف العربي

كما يسعى أيضا بشار الأسد إلى العودة إلى صفوف الجامعة العربية التي تعتبر سوريا إحدى مؤسسيها. وحول هذه النقطة قال أرون لوند: “الدول المؤثرة في الجامعة العربية باستثناء السعودية، تتشاطر فكرة عودة سوريا إليها. ولن أشعر بالدهشة في حال عادت سوريا إلى صفوف الجامعة في العامين المقبلين، خاصة في حال أظهرت نية حسنة إزاء بعض الملفات، كإطلاق سراح المعتقلين أو تقديم ضمانات للاجئين السوريين في الخارج الذين يودون العودة إلى بلادهم والذي يبلغ عددهم نحو ستة ملايين شخص”.

وتحاول مصر، وهي من بين أبرز أعضاء الجامعة العربية، تعبيد الطريق أمام سوريا للعودة إلى الجامعة العربية رغبة منها في التصدي للتأثير الإيراني في المنطقة.

وتابع دافيد ريغوليه روز: “الروابط بين سوريا وإيران قوية جدا. فوز بشار الأسد في الحرب كان بمساعدة إيران. بالمقابل، ما زال البعض يعتقد أن الاستمرار في نبذ بشار الأسد يعني دفعه إلى التقارب أكثر مع إيران. فهذه الدول تتحدث بإصرار عن ’عروبة‘ سوريا بهدف إضعاف الجانب الإيراني”.

الأسد شخص غير مرغوب فيه

العامل الآخر الذي يشير إلى أن سوريا بدأت تعود تدريجيا إلى المجتمع الدولي، انضمامها من جديد إلى شبكة الإنتربول الدولية لتبادل المعلومات.

وجدير بالذكر أن شبكة الإنتربول قامت بتعليق عضوية سوريا في 2012 على ضوء العقوبات الدولية التي فرضت ضد نظام بشار الأسد المتهم بارتكاب جرائم ضد شعبه. لكن دافيد ريغوليه روز نوه أن ” الأجهزة الاستخبارية للدول تفكر بشكل واقعي. فهي تدرك بأنها لا يمكن تجاهل الأجهزة الأمنية السورية التي اكتسبت خبرة كبيرة في مجال محاربة الإرهاب”.

لكن بعض المراقبين يقللون من أهمية عودة سوريا إلى اللعبة السياسية الدولية. فحسب أرون لوند: “لا يريد أحد التقاط صورة مع بشار الأسد أو مصافحته. فإضافة إلى السمعة السيئة التي يتمتع بها، هناك عوائق أخرى تحول دون تطبيع سوريا لعلاقاتها مع المجتمع الدولي، لاسيما مع واشنطن والاتحاد الأوروبي”.

منذ 2020، أصبح قانون “قيصر” يسمح لبعض المتعاملين والشركات التعامل اقتصاديا مع سوريا. فيما تريد الدول المجاورة لهذا البلد تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق. لكن لغاية اليوم لم يتم الإعلان عن أي تخفيف للعقوبات الأمريكية ضد سوريا لأن القرار قد يكون مكلفا سياسيا للرئيس جو بايدن.

المصدر: فرانس 24.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى