أخبار

​​​​​​​محادثات سوتشي.. ضياع تركي بين مفاوضة روسيا ومناكفة أميركا

لم تخرج محادثات سوتشي الأخيرة، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان التي انتهت دون بيان ختامي بنتائج واضحة. فبيْن الحديث الروسي عن تطبيق تفاهمات إدلب ومناكفة أردوغان لواشنطن عبر الحديث عن السلاح الروسي، تبقى نتائج هذه المحادثات مجهولة.

وأكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، للصحفيين، الخميس، أن بوتين وأردوغان أكدا خلال لقائهما يوم الأربعاء الماضي “ضرورة تطبيق اتفاقاتهما بخصوص إخلاء محافظة إدلب من العناصر الإرهابية المتبقية هناك، والتي من شأنها أن تشكّل خطرًا، وقد تتخذ خطوات هجومية معادية ضد الجيش السوري”.

ورفض بيسكوف الكشف عن المزيد من التفاصيل عن المحادثات بين الرئيسين بشأن الملف السوري.

وبدروه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه اتفق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على استمرار الاتصالات بين البلدين لحل المشاكل العالقة في سورية عمومًا، وإدلب خصوصًا، على مستوى الرؤساء والوزراء وأجهزة الاستخبارات، واصفًا لقاءه بنظيره الروسي بأنه كان بنّاء.

وتشير هذه التصريحات إلى أن المحادثات لم تتمكن من التوصل إلى حل بشأن الوضع في إدلب وخصوصًا عقدة الطريق الدولي حلب – اللاذقية M4، والتي لم تنفذ تركيا تعهداتها بخصوصها في اتفاق آذار/ مارس 2020 بين بوتين وأردوغان.

زيادة الحضور الروسي داخل الملف السوري

وفي هذا السياق، قال الصحفي والمحلل السياسي السوري مالك الحافظ: “ما ظهر من تصريحات الرئيسين يدعو إلى القول إن التفاهمات السابقة لم تنهار بعد حول سوريا، لا سيما في المنطقة الشمالية الغربية، ولا يمكن التوقع أبدًا بانهيار التفاهمات بين الطرفين، فالعلاقات الروسية – التركية بالمجمل مبنية على المصالح الاستراتيجية. لذا فإن هذه المحادثات يمكن اعتبارها تمهيدًاً لتفاهمات روسية – تركية أوسع في المنطقة الشمالية الغربية بالتحديد”.

وأضاف الحافظ: “يمكن اعتبار هذا الاجتماع محطة متقدمة في زيادة الحضور الروسي داخل الملف السوري على حساب نفوذ باقي الجهات”.

واللقاء الذي جرى بين بوتين وأردوغان في التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر، هو الأول من نوعه، منذ الاجتماع الأخير في آذار/ مارس عام 2020.

واتفق الطرفان في ذلك الوقت على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب السورية على طول خط المواجهة بين مرتزقة الاحتلال التركي وقوات حكومة دمشق، على أن يتبع ذلك إقامة “ممر أمني” على بعد ست كيلومترات شمال وستة كيلومترات جنوب الطريق الدولي السريع الرئيس في إدلب “أم 4”.

ويربط الطريق المذكور المدن التي تسيطر عليها قوات دمشق في حلب واللاذقية، وكان قد شهد، لعدة أشهر، تسيير دوريات روسية – تركية، لكن سرعان ما توقفت.

تنفيذ التفاهمات السابقة

وبدوره رأى الكاتب الصحفي والمقيم في روسيا رائد جبر أن “المحادثات لم تخرج عن نطاق التوقعات أساسًا؛ لأنه تم المحافظة على الاتفاقات السابقة ووضع آلية لتنشيط التحرك بشأنها والمقصود هنا البنود التي لم يتم تنفيذها خلال السنوات الماضية”.

وأضاف: “هناك آلية للتنسيق العسكري والأمني والدبلوماسي لتسريع الضغط على المجموعات التي رفصت إخلاء المنطقة العازلة مثلًا، تحرير طريق -أم 4-، مسألة الفصل بين الفصائل التي توصف بأنها معتدلة وبين من يصفهم الروس بأنهم إرهابيون، وهي مسألة معقدة وشائكة ومن الواضح أنه من الصعب جدًّا أن يتم التوصل إلى حل لها. حيث هناك تشابك كبير بين (هيئة تحرير الشام) -جبهة النصرة سابقًا- مع عدد من الفصائل. لكن الأساس هو وقف الهجمات وإخلاء المنطقة المحددة”.

‘قد نرى النتائج قريبًا’

وحول النتائج التي توصلت إليها المحادثات، قال مالك الحافظ: “أعتقد أن بوتين جدد مطامحه أمام أردوغان حيال السيطرة على الطريق إم 4 إلى جانب فتح معابر تجارية داخلية، فضلًا عن إنجاز خطوات متقدمة في ملف القوى الإرهابية بالأخص نفوذ هيئة تحرير الشام في إدلب”.

وأضاف: “قد نشاهد النتائج قريبًا سواء من خلال استمرار التصعيد الروسي في باقي مناطق الجنوب الإدلبي وصولًا إلى ما يحاذي الطريق الدولي إم 4 غرب إدلب”.

ومنذ أكثر من شهر لم تغادر الطائرات الحربية الروسية أجواء محافظة إدلب، مستهدفة جميع أريافها وخاصة الجنوبية المعروفة باسم “جبل الزاوية”.

كما استهدفت الطائرات الروسية خلال الأيام الماضية نقاطًا لمرتزقة تركيا في عفرين المحتلة، وذلك في تصعيد جديد يُفهم على أنه رسائل ضغط قبل اللقاء بين بوتين وأردوغان.

وعقب اللقاء، كثّفت روسيا وقوات حكومة دمشق من قصفها على مناطق ما تسمى “خفض التصعيد”، وحول ارتباط التصعيد الأخير في إدلب بمحادثات سوتشي، قال الحافظ: “أعتقد أن التصعيد هو نتاج تفاهم ضمني بين الطرفين، وينم عن رغبة روسية في توسيع سيطرتها في شمال غرب سوريا، وأعتقد أن التصعيد سيشمل منطقة جبل الزاوية وما تبقى من ريف اللاذقية الشمالي، وبعضًا من مناطق ريف إدلب الغربي”.

عين تركيا على شمال وشرق سوريا

وتسعى تركيا دائمًا لإبرام صفقات مع الجانب الروسي لتسليم مناطق تحت سيطرة مرتزقتها مقابل إعطاء الضوء الأخضر لها لشن هجمات على مناطق شمال وشرق سوريا، إلا أن مساعيها فشلت على ما يبدو خلال زيارة أردوغان الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، فيما تكللت زيارة وفد مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية إلى البلدين، وذلك بحسب مراقبين.

ويرى الحافظ أن ما تريده تركيا هو “انتهاء حالة اللا استقرار كما تزعم في المناطق المحاذية لحدودها وهي ترى ذلك من خلال السيطرة على مناطق عديدة هناك أبرزها التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، حيث تتوقع أن توافق روسيا على ذلك التمدد، إلا أن الأخيرة لا يمكن أن تعطي وعدًا قاطعًا في ذلك”.

أما روسيا فترى وبحسب الحافظ، أنها “المسيطرة الرئيسة على الملف السوري ولا يمكن أن تتيح لتركيا أي تقدّم في مناطق شمال وشرق سوريا. لذا يمكن الإشارة حول ذلك إلى إمكانية أن تسعى موسكو لفتح حوار تعاوني مع الإدارة الذاتية بحيث يتم بحث سبل إرساء الاستقرار في مناطقها من خلال تفعيل الحوار مع دمشق، ما يفضي إلى الوصول إلى صيغة توافقية مع تركيا تمنع أي تدخلات لاحقة تحت أي ذريعة من الذرائع”.

وأكدت رئيسة الهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديمقراطي، إلهام أحمد، خلال وجودها في الولايات المتحدة وعقب زيارة لها إلى روسيا، أن الإدارة الذاتية منفتحة على إجراء حوار مع تركيا وحكومة دمشق لحل الخلافات معهم بالطرق السلمية.

أي صفقة خارج إدلب ليست في وارد البحث

وحول وجود صفقة مخفية بين الطرفين متعلقة بالمناطق خارج حدود إدلب، أشار الحافظ إلى أن “أي صفقة خارج إدلب هي ليست في وارد البحث والتنفيذ بين الروس والأتراك، بسبب الحضور الأميركي والذي أراه يحمل مستوى وازنًا خلال فترة إدارة بايدن أكثر من مرحلة إدارة ترامب، وبغض النظر عما يتم الحديث حوله بخصوص الدور الأميركي الحالي في سوريا إلا أن الوجود الأميركي خلال هذه الفترة أقوى من أي مرحلة سابقة ولا يمكن أن يتفق الروس والأتراك على أي مخطط ضمن مناطق توجد فيها القوات الأميركية دون مراجعة واشنطن”.

ونقلت مجلة “نيوز ويك” أن أردوغان كشف أنه لم يتمكن من إيجاد أرضية مشتركة مع بايدن، وقال للصحفيين، إثر اجتماع الأمم المتحدة، الجمعة، “في المناقشات مع بايدن التي كنت أتوقعها، لم تكن هناك النتيجة المرجوة”.

وكشف أردوغان أنه سيتطلع الآن إلى إقامة علاقة أوثق مع روسيا.

وحول تأثير الخلاف بين أردوغان وإدارة بايدن على التفاهم مع موسكو، قال الحافظ: “لا أرى أن الخلاف الحاصل بين أردوغان وإدارة بايدن سيؤدي إلى توتر كبير بينهما، بقدر ما سيحاصر أنقرة أكثر، فالأتراك يحتاجون إلى علاقاتهم مع حلف الناتو ولا يمكن التخلي عنه أو تصعيد أي خلافات قد تحصل. إلا أن الأخيرة من شأنها أن تدفع الأتراك للتقارب مع الروسي في سوريا على أن تستخدم ذلك أنقرة كورقة ضغط على الأميركان، فلا يمكن الاعتبار أن تركيا يمكن أن تتخلى عن علاقاتها مع الولايات المتحدة في مقابل تعميق الشراكة مع الروس”.

تركيا غير رابحة

الانزعاج التركي من الإدارة الأميركية، ازداد بعد نجاح زيارة وفد مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية إلى واشنطن والتي أكدت الإدارة الأميركية استمرار دعمها لقوات سوريا الديمقراطية والاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية.

الصحفي والمحلل السياسي السوري، مالك الحافظ، قيّم الموقف التركي الحالي قائلًا: “موقف الإدارة الأميركية الحالي الرافض لأي تصعيد عسكري في الشمال الشرقي من سوريا، والذي لن يتغير خلال قادم الأيام، في مقابل رغبة روسية في زيادة نفوذها داخل الملف السوري، يدفع للقول إن تركيا حاليًّا في موقف ليس بالرابح، وذلك بالمقارنة مع الرغبة التركية التي كانت تسعى من خلالها أنقرة للتمدد في مناطق مختلفة في الشمال السوري شرقه وغربه”.

وأردف الحافظ: “إلا أن تركيا ستسعى إلى عدم خسارة نفوذها الحالي فهي تريد المحافظة بالحد الأدنى على مكاسبها التي وصلت إليها أواخر عام 2019، بعد كبح جماح ذلك النفوذ إثر العمليات العسكرية الروسية في الشمال الغربي والتي انتهت بتوقيع اتفاق موسكو (آذار 2020)”.

حديث أردوغان عن السلاح الروسي: ردة فعل عن الفتور الأميركي – التركي

الدعم الأميركي للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أثار غضب الرئيس التركي، حيث شن هجومًا على إدارة بايدن، وتحدث عقب محادثاته مع بوتين عن صفقات أسلحة مع روسيا.

وقال أردوغان بعد محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إن تركيا تبحث اتخاذ مزيد من الخطوات المشتركة فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية مع روسيا في مجالات مثل محركات الطائرات والطائرات المقاتلة والغواصات.

وهددت الولايات المتحدة تركيا بأنها ستواجه “تبعات” في حال شرائها دفعات جديدة من الأسلحة والمعدات العسكرية من روسيا، داعية إلى التخلي عن مثل هذه النوايا.

ورأى الصحفي رائد جبر أن الفتور التركي – الأميركي يدفع أردوغان إلى استخدام هذه الورقة، موضحًا أن “أحد عناصر نقاش أردوغان مع بوتين هو توسيع التعاون العسكري لكن هذا لا يعني أن دولة عضو في حلف الأطلسي مثل تركيا فجأة سوف تعتمد على السلاح الروسي. هذا بالتأكيد مستبعد لكن هذه ورقة جيدة يلعبها أردوغان ويعتبرها مفيدة بالنسبة له وهي مفيدة بالنسبة إلى روسيا أيضًا التي من مصلحتها بالمواجهة الشاملة القائمة مع الغرب حاليًّا أن تحاول إبقاء عناصر توتر داخل حلف الأطلسي”.

وأوضح جبر في ختام حديثه أن هذه “مسألة مهمة بالنسبة لها لذلك هي مستفيدة وهي تعي أن أردوغان لن ينقلب على الأطلسي وأميركا نهائيًّا. لكن الطرفين مستفيدين من الحالة القائمة لذلك؛ عندما يتحدث أردوغان بأنه سيشتري صفقات أسلحة جديدة من روسيا فهي رسالة موجهة إلى الأميركيين”.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى