انتخابات وترتيبات عميقة.. من الذي يحكم وما مستقبل النظام في إيران؟
إيران.. كيف تدار ومن هو الحاكم الفعلي؟
كثيرًا ما نسمع أو نقرأ عن أن الخريطة السياسية الإيرانية منقسمة إلى تيارين سياسيين اثنين هما (المحافظون والإصلاحيون) وتجري المنافسة بينهما، وعلى أساسها تتحدد سياسة إيران الداخلية والخارجية، ولكن هذا التحليل يختفي عند أي موقف كبير، حيث تتجه الأنظار فورًا إلى المرشد الأعلى علي خامنئي ومن خلفه الحرس الثوري، ما يطرح أسئلة مهمة حول هيكلية النظام الإيراني.
في هذا الملف المؤلف من ثلاث أجزاء سنتطرق إلى هيكلية الحكم في إيران وكيفية إدارة البلاد والانتخابات الرئاسية القادمة والأوفر حظًّا، ومستقبل النظام الإيراني في ظل ما يعيشه من تصدع داخلي وأزمات.
‘هيكلية الحكم في إيران’
ويقوم النظام في إيران منذ ثورة 1979 على عدد من المؤسسات الحاكمة المتداخلة الصلاحيات والتي ترتبط بشكل أساسي بطابع الحكم الديني.
وعلى الرغم من أن بعض الهيئات والمؤسسات الحاكمة تعتمد على الانتخابات وأن كانت مدروسة كمجلس الشورى ومجلس الخبراء ورئيس الجمهورية، إلا أن سلطات المرشد الأعلى هي الأقوى في البلاد.
‘أعلى سلطة’
المرشد الأعلى، وفقًا لنظام الجمهورية الإسلامية ودستورها، يملك سلطات مطلقة تمنحه الفصل في كل شؤون الدولة، بما في ذلك السياسة النووية والخطوط الرئيسة للسياسة الداخلية والخارجية وقرار الحرب والسلم، فضلًا عن السلطة المباشرة على الجيش والحرس الثوري وأجهزة المخابرات.
وأعطى الدستور الإيراني -الذي صدر عام 1979- المرشد أو القائد صلاحيات واسعة، أهمها حق تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية والإشراف عليها، وإصدار الأمر بالاستفتاء العام، وقيادة القوات المسلحة، وإعلان الحرب والسلام والنفير العام، كما أعطاه حق عزل رئيس الجمهورية، وتعيين وعزل قادة مجلس صيانة الدستور ورئيس السلطة القضائية.
‘رئيس الجمهورية ودوره‘
أما رئيس الجمهورية فيعد -وفقًا للمادة 13 من الدستور- أعلى سلطة في الدولة بعد مقام القيادة، وينتخب لفترتين كحد أقصى، مدة الواحدة أربعة أعوام، ويتبع في معظم صلاحياته للمرشد الأعلى، كما أن حرية حركته تقيدها مجموعة من الأجهزة غير المنتخبة يسيطر على أغلبها رجال دين، وأهمها مجلس صيانة الدستور.
ويتولى الرئيس مسؤولية تسيير الأمور اليومية لشؤون البلاد، بالإضافة إلى ترؤسه مجلس الأمن القومي الذي يتولى تنسيق السياسة الدفاعية والأمنية، ويمكن للرئيس التوقيع على اتفاقات مع حكومات أجنبية والموافقة على تعيين سفراء، ويعاونه مجلس الوزراء أو الحكومة (ألغي منصب رئيس الوزراء بمقتضى تعديل عام 1989).
‘مجلس الشورى‘
مجلس الشورى، هو مجلس تشريعي ورقابي يتألف من 290 مقعدًا، ومدة دورته البرلمانية أربعة أعوام، ويملك المجلس سلطات سن القوانين في إطار الدستور، واستدعاء واستجواب الوزراء والرئيس.
ويتولى أيضًا منح الثقة للحكومة وطرحها عنها، والتصديق على المعاهدات والاتفاقات الدولية، لكنه يبقى خاضعًا لرقابة مجلس صيانة الدستور.
‘مجلس صيانة الدستور’
ويتألف مجلس صيانة الدستور، من 12 عضوًا، هم ستة علماء كبار يعينهم المرشد الأعلى وستة من القضاة، ويقوم بمراقبة مطابقة القوانين التي يجيزها مجلس الشورى (البرلمان) للشريعة الإسلامية ودستور البلاد، كما يقوم بفحص أوراق المرشحين الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويصادق على نتائجها.
والمجلس هو الجهة الوحيدة المؤهلة لتفسير مبادئ الدستور، ويشرف على انتخابات مجلس خبراء القيادة وانتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات مجلس الشورى، وعلى الاستفتاءات العامة.
‘مجلس خبراء القيادة’
مجلس خبراء القيادة هو هيئة دينية تأسست عام 1982، تتركب من 88 عضوًا يتم انتخابهم لمدة ثماني سنوات، ويتولى المجلس وفق المادة 107 من الدستور اختيار القائد (المرشد الأعلى) وتحديد صلاحياته، ومتابعة قيامه بمهامه، وعزله (وفق المادة 111)، إذا رأى أنه انحرف عن المسار الدستوري أو افتقد لأي من الشروط اللازمة.
ونادرًا ما يتدخل المجلس في الشؤون السياسية في البلاد؛ إذ إنه مختص بالحفاظ على تطبيق أسس وأركان نظام ولاية الفقيه.
‘مجلس تشخيص مصلحة النظام’
ويسمى أيضًا مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو هيئة استشارية تأسست عام 1988، ويتركب من 31 عضوًا يعين المرشد الأعلى أعضاءه الدائمين والمتغيرين، ما عدا رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذين ينضمون إلى المجمع بشكل آلي، ومدة عمل أعضائه خمس سنوات.
ويختص المجلس بحل أي خلافات تنشأ بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، وتصبح قراراته بشأن خصومة الهيئتين نافذة بعد مصادقة المرشد عليها، ويختار في حالة موت المرشد الأعلى أو عجزه عضوًا من مجلس خبراء القيادة يتولى مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد.
‘القضاء’
السلطة القضائية، مهمتها بحسب الدستور إحقاق العدالة، ورئيسها “شخص مجتهد وعادل ومطلع على الأمور القضائية”- وفق الدستور- ويعد أعلى مسؤول في السلطة القضائية، يعينه المرشد الأعلى لمدة خمس سنوات، وهو يتولى تعيين القضاة والبت في عزلهم ونقلهم وتحديد وظائفهم وترقيتهم.
‘الحالة السياسية في البلاد.. الإصلاحيون والمتشددون’
وبعد وفاة الخميني ووصول علي خامنئي إلى الحكم، حصل انقسام بين القوى الإسلامية في البلاد وكان جزء منهم مؤمنًا بالاقتصاد الحكومي وعرفوا باليسار وقدموا أنفسهم على أنهم من “السائرين على نهج الخميني”. وعلى نقيض هذه المجموعات، ظهر بينهم أتباع الملكية الخاصة وأطلقوا على أنفسهم اليمين.
وعاشت المجموعتان فترة تمثّلت بالانسجام والوحدة خلال حكم الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني لكن خلال ولايته الثانية، حدثت خلافات بين فريق في حكومته ومرشد الجمهورية علي خامنئي.
وكان رفسنجاني آنذاك يصنف على اليمين المناصر لخامنئي، حتى جاءت الانتخابات الرئاسية عام 1998، إذ شهد البلد اصطفافات جديدة: ترشح رئيس البرلمان الأسبق علي أكبر ناطق نوري وهو من المقربين لعلي خامنئي ومثّل تيار اليمين في البلاد وترشح محمد خاتمي المقرب من التيار اليساري في حقبة السبعينات. تلك الانتخابات شهدت للمرة الأولى منافسة بين المنتمين لنظام الجمهورية الإسلامية، وعلى الرغم من ترشح آخرين في تلك الانتخابات، لم يحقّقوا نجاحًا ملحوظًا وظل التنافس بين ناطق نوري وخاتمي.
وسعت القوى العسكرية والأمنية المقربة من خامنئي إلى الترويج للمرشح المقرب منه أي ناطق نوري وكانت غالبية المراقبين السياسيين رجّحت فوز ناطق نوري لكن أظهرت الانتخابات نتيجة مفاجئة للجميع: حصد محمد خاتمي 20 مليون صوت وحصل أكبر ناطق نوري على 4 ملايين صوت.
مع فوز محمد خاتمي في الانتخابات، ترسّخ وجود تيار سياسي تمحور حوله وأطلق عليه “التيار الإصلاحي”. التفّ حول هذا التيار من كانوا يعرفون باليساريين و”السائرين على نهج الخميني” وتقربت إليهم بعض القوى العلمانية التي تبنّت نظرة معتدلة تجاه الإسلاميين.
وبحسب المراقبين، فقد شهد المجتمع الإيراني تطورات واسعة بسبب نشاط الصحف المختلفة ونشر كتب تنتقد النظام وانفتاح البلاد على الكثير من الوجوه الدولية المؤثرة والتحول الثقافي الذي عاشته البلاد. لذلك استشعرت النواة الصلبة المنتمية إلى خامنئي خطرًا بسبب هذه التطورات وغالبية هؤلاء هم من المسؤولين الذين يعيّنهم مرشد الجمهورية.
وراهن الإصلاحيون على الرأي العام بينما راهنت القوى المتشددة على دعم الحرس الثوري وقوات التعبئة والسلطة القضائية.
وبعد عمليات القتل التي أطلق عليها “سلسلة الاغتيالات السياسية”، بدأت حملة قمع مراكز الإصلاحيين في الجامعات واعتقل عدد من المقربين من الإصلاحيين، بخاصة تلك الحلقة التي مارست ضغوطًا ضد المرشد، ما أدى إلى فرض العزلة عليهم.
في هذه الأثناء، وبينما كان يستعد النواب الإصلاحيون لتحقيق فوز جديد في الانتخابات البرلمانية، سحب خامنئي أهلية الترشيح من غالبيتهم من خلال الصلاحيات التي يمنحها له الدستور، إذ يجب حصول النواب على أهلية الترشيح من مجلس صيانة الدستور التابع لخامنئي، فلم يمنح هذا المجلس صلاحية الترشيح للكثير من الإصلاحيين.
وبعد هذه الإجراءات، عزل عدد كبير منهم أنفسهم من التيار الإصلاحي ولم يظهر لهم أي نشاط، حتى جاءت الانتخابات الرئاسية عام 2009، فترشح مير حسين موسوي وأحدث حضوره في الساحة دوافع بين الإصلاحيين للعودة إلى الساحة.
ونظم أنصار التيار الإصلاحي في الداخل والخارج حملة واسعة لفوزه، وصفت بأنها “أكبر حملة تشهدها البلاد منذ الثورة” وأظهرت جميع الاستطلاعات فوز مير حسين موسوي في الانتخابات، لكن أعلن فجأة فوز المرشح المقرب من خامنئي، ما رافقه ردود فعل واسعة بين المواطنين وقادة التيار الإصلاحي وظل الشعب يرفض ما وصف بـ “التلاعب في نتائج الانتخابات”.
المصدر: ANHA.