إن كانت بعض النظريات السيكولوجية تتجه نحو أن اعتبارات الزعامة وإثارة الجلبة والانفعال المبالغ فيه عند البعض سلوكاً تعويضياً لدرء تهمة ما وإظهار عكسها، فكذلك هو أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الشأن الفلسطيني.
لأن أغلب تصرفاته يعمل من خلالها جاهدا على الظهور بمظهر المتبني الأوحد لقضية الشعب الفلسطيني مزايدا على الجميع، فهو يتخذ أساليب وشعارات شعبوية يُهيج بها الموالين له ويضحك بها على بقية المغفلين، حتى يغطي على حقيقة كونه الرئيس الوحيد الذي شهد عهده انتعاشا غير مسبوق في العلاقات المشبوهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
الباحث والمتابع للعلاقات الإسرائيلية- التركية، يجد أن التراشق الكلامي بين البلدين يعطي انطباعا بأن العلاقات الثنائية على شفير الهاوية ووصلت للنهاية، وأن نيران التصريحات ستأتي على العلاقات بين البلدين للوصول إلى حد القطيعة.
إلا أن واقعها مجرد مسرحيات إعلامية بين الطرفين وسرعان ما يعيدان ترتيب علاقاتهما بشكل أكبر وأقوى من ذي قبل، لأنها مجرد تصعيد مفتعل وموجه لتحقيق غاية وهدف مشترك للطرفين، وهذا كله يظهر من الامتيازات التي منحتها تركيا للكيان الصهيوني وزيادة العلاقات التجارية في ظل حكم أردوغان.
فالتجارة مع إسرائيل تضاعفت عشر مرات في عهد حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، بعدما سعى الطرفان إلى تضمين عمليات التبادل التجاري بينهما في مشروع ضخم أطلق عليه اسم “ميد ستريم”، وهو خط أنابيب متعدد الأغراض يمتد من تركيا إلى إسرائيل يستفيد منه البلدان في إنتاج الكهرباء وتوصيل الغاز الطبيعي والنفط الخام والمياه بموجب هذا الاتفاق؛ إذ تحولت تركيا إلى ممول للحديد والصلب، والسيارات، والبلاستيك، والملابس، والأجهزة الكهربائية والزراعية المتنوعة لإسرائيل.
كذلك أكدت إحصائيات صندوق النقد الدولي أن إسرائيل في المرتبة العاشرة كأكبر أسواق الصادرات التركية، حيث احتلت الخطوط الجوية التركية المركز الأول بين شركات الطيران والخطوط الجوية التي تتعامل مع إسرائيل، وأن تركيا تعد الدولة الأولى في تصدير الإسمنت والحديد لإسرائيل .
هذا جزء بسيط مما عرف بين أردوغان وإسرائيل، وسبعة عشر عاما من العشق الممنوع والعمالة وتطور العلاقات العسكرية، والمنظومات المطورة في مجال الحرب الإلكترونية لدعم سلاح الجو التركي، وتآمر حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان على العرب بدعم إسرائيلي لاستمرار الفوضى ونشر ودعم الإرهاب في الشرق الأوسط، وقطع مياه الأنهار عن بعض الدول العربية، لاسيما بعد ثبوت دعمها المباشر له في ليبيا من خلال تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التي يستخدمها أردوغان في قتل الليبيين.
لهذا نقول دائما: ليس هناك أدنى شك بأن تركيا وإسرائيل تلعبان تحت الطاولة نفس اللعبة، وإنه لو لم يكن أردوغان حائزا على رضا إسرائيل، لقلبت عليه الطاولة منذ زمن بعيد، وكما قال أربكان معلم أردوغان: “إن إسرائيل هي التي تطلب من أردوغان أن يهاجمها لترتفع شعبيته بين الناس”.
لذلك فإن إسرائيل لا تزود تركيا بتكنولوجيا فقط، بل إنها مضطرة إلى التزام الصمت حيال استيائها من الإجراءات التركية في البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى أن الصفقة البحرية بين ليبيا وتركيا التي لم تُقابل بمعارضة رسمية من إسرائيل؛ لأن عميلها الرئيسي والمؤثر في المنطقة هو من أبرمها، فالعمالة هي من أوصلته للحكم، وهي من ستبقيه طالما هو مستمر في تنفيذ سياساتهم المزعزعة للأمن والاستقرار العربي، مالم يقل الشعب التركي غير ذلك مع التأكيد أن كل الدول والشعوب العربية حالياً باستثناء الإخوان وتنظيم الحمدين، وبعض الخونة أمثال : “الغنوشي و السراج “، باتوا جميعهم يتصدون لأجندات أردوغان القائمة على إحياء أحلامه معتمدا على أذرعه التي كان يراهن عليها .