(العربي الجديد- السلام) .. مع نهاية العام الماضي، وفتح حزب الله ما أسماها جبهة إسناد غزّة، كان السؤال الرئيس المطروح بشدّة على الجميع حينئذ ما إذا كان بمقدور الحزب التحكّم بمستوى الحرب المحدودة التي اختارها، وأراد منها تجسيد شعار “وحدة الساحات”، من دون الانزلاق نحو مواجهة شاملة مع إسرائيل تكون تكلفتها كبيرة عليه. أما وقد أجابت تطوّرات الشهور الثلاثة الماضية بوضوح عن ذاك السؤال، نقف اليوم أمام سؤالٍ آخر، لا يقلّ أهمية يفرض نفسه مع قرب التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، ويدور حول طبيعة المرحلة المقبلة بالنسبة إلى الحزب ولبنان وسائر المنطقة، تزامناً مع وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض، السمة الرئيسة لسياستها عدم اليقين.
الاستعدادات للمرحلة التي نتحدّث عنها تكاد لا تخطئها العين. اللبنانيون، جمهور حزب الله خاصة، سيشرعون، منذ لحظة إعلان وقف إطلاق النار، بلملمة جراحهم، وفي البال سؤالٌ كبيرٌ عما جرى، وعن مسؤولية ما وصلوا إليه. أسئلة كثيرة ستطفو عن المستقبل وعدم اليقين تجاه ما يحمله لهم بعد الضربة القاصمة التي تلقّاها الحزب وحاضنته الاجتماعية. الأسئلة التي كانت ممنوعة، الأصوات التي كانت مقموعة سوف ترتفع الآن تطلب إجابات عن أسئلة محيرة حول سياقات وظروف اتخاذ قرارات غيّرت العالم بالنسبة لهم. في الوسط اللبناني الأوسع، ستعود إلى الواجهة قضايا محورية، في مقدمتها سلاح حزب الله، ومستقبل النظام السياسي الطائفي، ومسؤولية الدولة عن قرار الحرب والسلم، واحتكار استخدام القوة في الداخل وفي العلاقة مع الخارج.
إقليمياً، هناك سؤال كبير حول ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان سيسري على بقية ساحات “محور المقاومة”. الإجابة المختصرة عن هذا السؤال في غزّة هو لا، في ظل إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المطلوب حالياً للمحكمة الجنائية الدولية، على الاستمرار في حرب الإبادة التي يشنّها ضد الشعب الفلسطيني منذ نحو 14 شهراً، إلى أن تتوفر العوامل الكفيلة بإيقافها. لن يشمل الاتفاق على الأرجح أيضاً سورية، رغم أن النظام السوري وافق، بحسب المعطيات المتوفرة، على وقف تمرير الأسلحة إلى حزب الله، والتعاون في ضبط الحدود السورية مع لبنان، ولأن إيران لن تقبل هذا، يرجّح أن تستمر إسرائيل في توجيه الضربات داخل سورية، مستهدفة القواعد الخلفية لحزب الله، والوجود العسكري الإيراني، بوتيرة وشدّة أكبر من السابق، كما حصل في تدمر في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. في الأثناء، تستعد إسرائيل لتوجيه ضربات لمليشيات الحشد الشعبي العراقية التي دخلت على خط الحرب في لبنان دعماً لحزب الله. وفيما تتخوّف حكومة محمد شياع السوداني من انعكاس ذلك على الوضعين، السياسي والأمني الهشين، في البلاد، يبرُز سؤال مهم عن وضع الحدود السورية العراقية والمسؤولية عن ضبطها، في ظل عجز دمشق عن ممارسة سيادتها على المنطقة. في اليمن أيضاً، يرجّح أن تسعى إسرائيل إلى عملية تصفية حسابات مع حكومة الحوثي في صنعاء، وقد كانت الأكثر إزعاجاً لها على مدى الشهور الماضية، سواء بخصوص استهدافها حركة الملاحة البحرية التي أضرّت بتجارة إسرائيل مع العالم، أو الضربات التي وجّهها الحوثيون لإسرائيل باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
يمثل ذلك كله جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أشمل، عنوانها الرئيس إضعاف أذرع إيران في المنطقة، تمهيداً لتوجيه ضربة لها تؤدّي إلى القضاء على برنامجها النووي، والانتقام من تجرّؤها مرّتين على ضرب إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة في 13 إبريل/ نيسان والأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وتأمل إسرائيل، مع تغيّر الإدارة في واشنطن، الحصول على مساعدة الرئيس ترامب في هذا الخصوص، وهو الذي يتوعّد إيران بحزمة من القرارات التنفيذية التي يتوقع صدورها في اليوم الأول من دخوله البيت الأبيض. نحن إذاً أمام مرحلة لن تكون أقل سخونة مما سبق، تأمل من خلالها إسرائيل أن تحصد سياسيّاً نتائج أطول حربٍ تخوضها في تاريخها، يحدوها الأمل بإعادة رسم خريطة المنطقة، في غياب عربي كامل عن المشهد.