تمرُّ علينا الذكرى السنوية الـ 16 لانتفاضة قامشلو التي اندلعت شرارتها في الـ 12 من شهر آذار عام 2004، حيث عمل النظام السوري حينها عبر بعض أزلامه على خلق فتنة بين الكرد والعرب، خلال مباراة لكرة القدم بين فريقي نادي الفتوة ونادي الجهاد في ملعب مدينة قامشلو.
وسرعان ما تحوّل الأمر حينها من شجارٍ بالأيدي والحجارة إلى انتفاضة كردية واسعةٍ عمت مختلف المناطق الكردية إضافةً إلى حلب ودمشق، ليقوم النظام السوري باستخدام مختلف أساليب القمع ضدَّ تلك الانتفاضة، من قتلٍ واعتقال وتعذيب، حيث استشهد 35 شخصاً وأُصيب أكثر من 100 آخرين بجروح، إلى جانب اعتقال الآلاف وتعذيبهم داخل السجون.
وفي حين كان النظام السوري يسعى من وراء ذلك إلى كسر إرادة الشعب الكردي وإجباره على الرضوخ والاستسلام أمام آلته الأمنية القمعية، استنشق الشعب الكردي في ظلِّ نظام الكبت أوكسجين الحرية وأثبت للسوريين بأن الشعوب يمكنها أن تقف في وجه الأنظمة الاستبدادية إذا تمكنت من تنظيم نفسها ووقفت موقفاً واحداً ضدّها.
لقد شكّلت انتفاضة قامشلو شرارةً من شرارات الانبعاث الكردي في سوريا، ودرساً من دروس الصعود إلى الحرية والانعتاق من الأغلال، ولا نبالغ إن قلنا إن ما نشهده الآن من مشروع ديمقراطي في شمال وشرق سوريا، يستند بأحد جوانبه إلى تلك الشرارة، فأي مشروع منظّم يحتاج إلى سلسلة مقدمات تكون بمثابة دروس وعبر يستفيد منها الساعون إلى تنفيذ هذا المشروع وتطبيقه، والنجاحُ لا يأتي إلا عبر أبواب التجارب التي تكون ضريبتها في الغالب كبيرة.
إن ما قام به النظام السوري في العام 2004 في مدينة قامشلو يحاول منذ تسع سنوات تكرارها وإعادة انتاجها في سوريا عموماً، فالاستبداد لا يزال نفسه، والقمع لا يزال ذاته، والعقلية كما هي لم تتغير، ومحاولات إحداث الفتنة بين المكونات لا تزال على حالها، والنتيجة كما نراها: قتلُ، ودمارٌ، وتدخلات خارجية، واحتلالات، وانتهاك سيادة الدولة، وفقدان القرار.
لكن بحكم التجربة، تمكنت مكونات شمال وشرق سوريا من كرد وعرب وسريان وغيرهم من فهم عقلية النظام السوري وتفكيك ألاعيبه وأحابيله، فعملوا معاً بعيداً عن فتن النظام، على إنشاء إدارة ذاتية ديمقراطية، وبناء مؤسسات ديمقراطية ناطقة باسم جميع المكونات دون تمييز، إلى جانب قوات منظمة متماسكة متعاضدة مقاتلة في سبيل حريتها ومشروعها الديمقراطي.
إننا في حزب السلام الديمقراطي الكردستاني في الوقت الذي نستذكر فيه شهداء انتفاضة قامشلو وننحني إجلالاً أمام عظمتهم، نعاهدهم بالسير على طريقهم حتى تحقيق طموحاتهم في الحرية والديمقراطية المنشودة، ونؤكد بهذه المناسبة أن القمع والاستبداد وإقصاء الآخر وإنكار حقوقه وقضاياه، لا يمكن مطلقاً أن تكون حلاً لأي مسألة، وإنما الحلول تأتي عبر التقبّل والتفهّم والحوار والاعتراف بحقوق الآخرين وقضاياهم المشروعة.
حزب السلام الديمقراطي الكردستاني
قامشلو ١١/٣/٢٠٢٠