3 أعوام من الاحتلال…المناطق المحتلة معقل داعش الجديد بحماية تركية
لم تمض سوى أشهر على إعلان إنهاء داعش جغرافياً في سوريا؛ حتى احتلت تركيا المناطق الآمنة شمال البلاد وحولتها خلال سنوات إلى معقل داعش الجديد في تهديد واضح للأمن والاستقرار العالمي.
4 آلاف كم مربع احتلتها تركيا عقب هجومها الاحتلالي الذي بدأ في الـ 9 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 واستمر 13 يوماً عقب انسحاب القوات الأمريكية من الشريط الحدودي، وسط انعدام أي تحركٍ حقيقي لحكومة دمشق وجامعة الدول العربية والقوى الدولية.
تمكنت قوات سوريا الديمقراطية التي أنهت احتلال داعش قبل ذلك بـ 7 أشهر على الجغرافيا السورية وفي ظل محاربة خلايا داعش في مناطق مختلفة؛ من إيقاف الغزو التركي للأراضي السورية لأيام، إلا أن حجم الأسلحة غير المتكافئ واستخدام تركيا للأسلحة المحرمة دولياً والآلاف من المرتزقة السوريين في هجومه أفضى إلى احتلال تركيا لمنطقة سري كانيه/رأس العين ومقاطعة كري سبي/تل أبيض ومناطق شبه صحراوية ممتدة بطول 120 كم وبعمق 30 كم داخل الأراضي السورية بينهما.
هجّرت دولة الاحتلال التركي ومجموعاتها المرتزقة ما يقارب من 400 ألف مواطن من منازلهم قسراً غالبيتهم من الكرد، وأنهت بذلك الاستقرار في تلك المناطق التي تحولت بعد ذلك إلى معقلٍ أساسي لداعش وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وغيرها من المجموعات المرتزقة.
حيث أفضى دخول دولة الاحتلال التركي إلى الأراضي السورية قبل 6 أعوام بحجة محاربة داعش واحتلال مدن جرابلس والباب وإعزاز وبعد ذلك مقاطعة عفرين ربيع عام 2018 ومنطقة سري كانيه ومقاطعة كري سبي في خريف 2019، إلى إنعاش أكثر الجماعات تطرفاً وإرهاباً في العالم وتحويل شمال سوريا إلى بؤرة للإرهاب الدولي في ظل الاحتلال المستمر.
قبل دخولها مباشرة في الحرب السورية؛ سمحت تركيا عبر أراضيها لأكثر من 40 ألف داعشي من العبور إلى سوريا، قادمين من 110 دولة حول العالم بين عامي 2014 و2016 بحسب ما أكده المبعوث الأميركي السابق الخاص للتحالف الدولي ضد داعش بريت ماكغورك خلال تغريدةٍ له على “تويتر”، والذي أكد أن الانسحاب الأميركي من بعض المناطق شمال سوريا ” تسبب في جرائم قتل واختطاف وعمليات نهب وتهجيرٍ قسري في المناطق التي سيطرت عليها تركيا”.
في الظاهر تلوّح أنقرة بشعارات “محاربة الإرهاب”، في الوقت الذي حولت فيه المناطق الآمنة شمال سوريا إلى أخطر المناطق في العالم.
بحسب معلومات كشفت عنها مصادر عسكرية في قوات سوريا الديمقراطية لوكالتنا فإن 30 ألفاً من المرتزقة الدوليين من الإيغور والشيشانيين والتركمان تحرسهم تركيا في إدلب والمناطق المحتلة وأن هؤلاء يتنقلون بشكلٍ علني ودون قيود داخل الأراضي التركية وفي المناطق السورية المحتلة.
فالمسرحيات التي تقدمها أنقرة كاعتقال المرتزقة الدواعش بشكلٍ دوري في مدن تركية مختلفة ورغم زيفها، ما هي إلا دلائل حيّة على مدى نشاط داعش الضخم في تركيا.
قادة للمرتزقة قتلوا في حضن تركيا
وقتلت القوات الأميركية بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية عدداً من متزعمي مرتزقة داعش في المناطق التي تحتلها تركيا شمال سوريا؛ حيث ينشط فيها داعش بحرية إلى جانب جيش الاحتلال التركي.
إذ أدت عملية استخباراتية مشتركة بين التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية إلى مقتل المتزعم الأول لداعش أبو بكر البغدادي في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، على بعد 5 كم من الحدود التركية في منطقة إدلب المحتلة تركياً.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلن في الثالث من شباط/فبراير الماضي أن متزعم داعش أبو إبراهيم القرشي قد فجّر نفسه خلال عملية شنتها قوات خاصة أميركية في بلدة أطمة بإدلب شمال غرب سوريا.
وكانت طائرة مسيّرة للتحالف الدولي قد قتلت في الـ23 من تشرين الأول/أكتوبر العام 2021، المتزعم في صفوف داعش، صباحي الإبراهيم المصلح، أو ما يعرف بـ”أبو حمزة الشحيل” مع اثنين من مرافقيه؛ في قرية العدوانية بريف سري كانيه/رأس العين المحتلة من قبل تركيا.
وشهدت بلدة عين عيسى في الـ26 من تشرين الثاني/نوفمبر العام 2020، مقتل المرتزق المطلوب لدى التحالف الدولي، “إسماعيل عيدو” أحد أخطر متزعمي داعش الذي تنقل بين سوريا وليبيا برفقة الجنود الأتراك، في قرية معلق إلى جانب 21 مرتزقاً وجندياً تركياً في كمينٍ لقوات سوريا الديمقراطية.
يواصل داعش نشاطه في سوريا والعراق، ويعمل عن طريق خلايا على زعزعة الأمن في المنطقة والاستفادة من التهديدات التركية التي تشجع مرتزقة داعش لارتكاب المزيد من الجرائم؛ حيث أشارت تقديرات سابقة إلى وجود ما بين 4000 و 6000 مرتزق داعشي في سوريا والعراق على شكل خلايا؛ عدا آلاف المرتزقة المعتقلين وعشرات الآلاف من أفراد عائلاتهم المحتجزين في شمال وشرق سوريا والذين يشكلون قنبلة موقوتة.
أحداث سجن الصناعة الدموية…مخططٌ دبرَ في المناطق المحتلة
على الرغم من احتفال العالم بإنهاء داعش جغرافياً في سوريا والعراق في 23 آذار/مارس عام 2019 في معقله الأخير في الباغوز بعد 5 أعوام من معارك طاحنة لعبت فيها قوات سوريا الديمقراطية دور رأس الحربة، حاولت تركيا إحياء داعش من خلال مخططٍ ضخم أعد له في مدينة سري كانيه المحتلة ومدن تركية أخرى بإدارة الاستخبارات التركية وفقاً لاعترافات مرتزقة دواعش ألقيَّ القبض عليهم عقب المعارك التي شهدتها مدينة الحسكة في كانون الثاني/يناير من العام الجاري.
شكلت أحداث سجن الصناعة مخاوف دولية من عودة داعش بقوة وخاصة أن 5000 من مرتزقة داعش كانوا من المقرر أن يفروا من السجن ويبدؤوا باحتلال مدينة الحسكة بالتنسيق المباشر مع أنقرة، التي فتحت جبهات أخرى للتخفيف عن داعش في الحسكة حيث شنت دولة الاحتلال التركي هجمات برية ضد مناطق عين عيسى وتل تمر ومنبج بالتزامن مع هجوم سجن الصناعة.
احتوت قوات سوريا الديمقراطية خطر فرار المئات من الدواعش باستقدام آلاف المقاتلين أغلبهم ذوي الخبرة في مكافحة الإرهاب والمعارك ضد داعش، حيث نجحت في دحر المخطط التركي الداعشي في إحياء “الخلافة الإسلامية” المزيفة من جديد، وإنهاء المعركة بانتصارٍ ساحق.
قدم أبناء سوريا تضحيات كبيرة حيث استشهد 121 مقاتلاً من قسد وحماة السجن إلى جانب عدد من المدنيين في المعارك، لتنهي بذلك قوات سوريا الديمقراطية مخطط احتلال أجزاء أخرى من سوريا من قبل تركيا تحت عباءة داعش.
مخيم الهول…عصا تركيا لضرب الاستقرار
“كان مخيم الهول ضمن مخطط داعش للسيطرة عليه بالتوازي مع الهجوم على سجن الصناعة، حيث حاولت الخلايا الإرهابية حينها بالتحرك ضمن المخيم وفي محيطه، إلا أن التدابير الأمنية السريعة التي اتخذتها قواتنا وقوات سوريا الديمقراطية وكذلك التدخل السريع أحبط الهجوم المخطط داخل وخارج المخيم، واستمرت الخلايا بالتحرك لتنفيذ مخططاتهم وخاصة في ظلّ الهجمات والتهديدات التركية الأخيرة في تناغم واضح بين الطرفين المهاجمين”.
كان ذلك جزء من بيان أدلت به قيادة قوى الأمن الداخلي في 17 أيلول/سبتمبر الماضي في ختام المرحلة الثانية من حملة “الإنسانية والأمن” ضد خلايا داعش في مخيم الهول الذي يحوي أكثر من 54 ألف شخص، بينهم أسر داعش.
بحسب المعلومات التي حصلت عليها وكالتنا من قوى الأمن الداخلي فإن 44 مواطناً من بينهم عمال المنظمات وحماة المخيم فقدوا حياتهم في هجمات متفرقة ارتكبت في مخيم الهول.
العلاقة الوثيقة بين مرتزقة داعش والدولة التركية والدعم والتوجيه الذي تتلقاه خلايا داعش من المناطق المحتلة من قبل تركيا في شمال سوريا كانت أبرز ما تحدثت عنه قوى الأمن الداخلي خلال تلك العمليات التي استمرت لقرابة شهر.
القوى الدولية تغض الطرف عن خطر تركيا
رغم أن الآلاف من المرتزقة السوريين من بينهم دواعش تم نقلهم عبر رحلات جوية إلى ليبيا وأذربيجان انطلاقاً من المدن التركية ومشاركة هؤلاء المرتزقة في ضرب الاستقرار في تلك الدول؛ لم يحرك ذلك القوى الدولية التي التزمت الصمت حيال ما تفعله تركيا علناً من نشر المرتزقة حول العالم.
على الرغم من أن العدوان التركي تجاه مقاطعة عفرين ومنطقة سري كانيه ومقاطعة كري سبي كان أكثر وحشية ودموية وشارك فيها داعش إلى جانب الجنود الأتراك في مهاجمة هذه المناطق السورية، لم تتحرك القوى الدولية حيال أكبر عملية تهجيرٍ وتغييرٍ ديمغرافي يشهده الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين.
وما هو أخطر، تجهيز تركيا لأخطر المجرمين والمرتزقة على المستوى الدولي في المناطق المحتلة، وتهديد السلم العالمي، فلا فرق بين إعلان داعش لمدينة الرقة عاصمتها قبل أعوام وإعلان تركيا حالياً المناطق المحتلة على أنها “آمنة”، ففي كلتا الحالتين هي معقل الإرهاب الدولي برعاية تركية.
المصدر: ANHA.