أخبار

​​​​​​​الأتراك يدفعون ثمن مغامرات أردوغان .. لا تعافي مبكر للاقتصاد التركي

يدفع الأتراك اليوم ضريبة السياسات الخاطئة والأطماع الاحتلالية والمغامرات الخارجية لرجب أردوغان الذي يحلم بأن يصبح امبراطوراً عثمانياً. هذه الضريبة انعكست على الاقتصاد التركي الذي يعاني من أزمات متلاحقة في وقت أكد فيه مختص في الشأن التركي أنه لا آمال في أن يتعافى الاقتصاد التركي في القريب العاجل.

يواجه الاقتصاد التركي أزمة خانقة بعد أن فقدت الليرة التركية ثلث قيمتها مع وصولها لعتبة الـ 14 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو أدنى مستوى تشهده منذ عامين من الهزات الاقتصادية المتعاقبة، الأمر الذي زاد من تعقيد الوضع المعيشي المتأزم أصلاً لدى الشعب وأثار شجباً وتنديداً في الأوساط التركية ضد القرارات والسياسيات التي تنتهجها الحكومة بزعامة رجب طيب أردوغان.

ودخل الاقتصاد التركي بشكل تدريجي نطاق الأزمة مع توجيه حكومة العدالة والتنمية برئاسة رجب أردوغان كافة مقدرات البلاد لخدمة الآلة العسكرية، وتنفيذ مشاريعه الاحتلالية في الشرق الأوسط، فأردوغان الحالم بإعادة أمجاد الامبراطورية البائدة، يستهدف سوريا والعراق، ويشن هجمات إبادة مستمرة على الكرد، ويرسل المرتزقة السوريين إلى كل من ليبيا وقره باغ إلى جانب دعم جماعات الإخوان المسلمين في جميع أصقاع الأرض ويقدم لهم الأموال على حساب الشعب التركي.

كما أنجبت السياسات المالية المتخبطة للحكومة التركية وتدخلات أردوغان في السياسات المالية للبنك التركي المركزي، والعقوبات الدولية المفروضة عليها إثر السياسات التي ينتهجها وتدخلاته في دول الجوار، واقعاً لم يشهده الاقتصاد التركي من قبل، إذ بلغت معدلات التضخم خلال الأشهر الأخيرة للعام الحالي 21%، إلى جانب الهبوط المستمر الذي تشهده عملتها، مما ولد ارتفاعاً حاداً في الأسعار أدى إلى تدهور المستوى المعيشي.

البطالة تزداد

وفي آخر إحصائية لمعهد الإحصاء التركي في أيلول/سبتمبر فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل ليبلغ نحو 3 ملايين و800 ألفاً.

وعلى وقع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأتراك وتعنت الرئيس التركي حيال سياسة أسعار الفائدة، اندلعت احتجاجات مساء 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في كثير من المدن التركية، إذ اجتاح المواطنون الشوارع مطالبين الحكومة بالاستقالة بعد تعهّد أردوغان بإبقاء نسب الفائدة منخفضة على الرغم من التضخم الشديد.

ويرى محللون أن تعليقات أردوغان الذي يصف نفسه بأنه “عدو أسعار الفائدة” دفعت بالليرة التركية إلى الهبوط بشكل ملحوظ، وأن تدخلاته العسكرية في دول الجوار واستنزافه لكافة موارد الدولة التنموية في خدمة العسكرة والحروب وتوتر علاقاته مع الغرب هي التي أدت إلى تأزم الوضع الاقتصادي.

وينتقد مراقبون التزام البنك المركزي التركي بتعليمات أردوغان في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة وتدخله في السياسات المالية للبنك وعدم قدرة المؤسسة على تحقيق استقرار الأسعار، في حين اتهمه البعض بأنه المسبب في تحويل العملة التركية إلى “عملة سيئة السمعة”.

وأقال أردوغان وزير المالية السابق لطفي علوان، وعين نائبه، نور الدين نوباتي، خلفاً له، لأنه كان معارضاً لسياسات أردوغان في خفض أسعار الفائدة.

سياسات خاطئة

وبهذا الصدد، يعزو الكاتب والصحفي المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان، في تصريح لوكالتنا التدهور الاقتصادي الذي تشهده تركيا لعدة أسباب، ويبرز الرئيسية منها إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة في الداخل وسياسات الدولة التركية في الخارج، ويقول: “بالنسبة للداخل الاقتصاد التركي هو اقتصاد قائم بشكل رئيسي على الاستثمار أي أنه اقتصاد استثماري وليس إنتاجي، وبالتالي الرفاهية التي شهدتها تركيا في عهد العدالة والتنمية تعود إلى جزء كبير من الأموال الأجنبية والاستثمارات الأجنبية التي رفدت السوق التركي من خلالها، عندما مثلت تركيا نقطة جذب بالنسبة للمستثمرين الأجانب وسوق جديدة بعد انفتاحها على الشرق الأوسط وإعلانها سياسة الصفر مشاكل، وطبعاً الاستثمار ينجذب للأجواء المستقرة والآمنة وبالتالي كان هناك جذب كبير جداً”.

ويضيف: “لكن هذه الأموال والنمو الاقتصادي استغلته تركيا من خلال وضعه في خدمة البيتون المسلح من خلال بناء الجسور والأنفاق والمشافي والطرق السريعة وإلى آخره، وبالتالي لم يتم تطوير الصناعة والإنتاجية”.

عقوبات

وفرضت الولايات المتحدة في أواخر العام الفائت عقوبات على رئاسة صناعات الدفاع التركية بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 400، وأكدت أن الصفقة ستعرض أمن التكنولوجيا العسكرية الأميركية والعسكريين الأميركيين للخطر، وتشمل هذه العقوبات منع جميع تراخيص التصدير إلى “إدارة الصناعات الدفاعية” ورفض منح أي تأشيرات لرئيسها إسماعيل دمير، ولا تزال العلاقات بين الطرفين الأميركي والتركي متوترة والعقوبة سارية.

كما مددت الولايات المتحدة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، العقوبات التي فرضتها على تركيا بسبب هجومها العسكري على مناطق شمال وشرق سوريا في خريف عام 2019 وارتكابها مجازر بحق الإنسانية، وأعلنت أن حالة الطوارئ المعلنة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13894 الصارد في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 سارية المفعول لعام آخر.

وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مدد الاتحاد الأوروبي، لعام إضافي، سريان العقوبات التي فرضها سابقاً على تركيا بسبب تنفيذها أعمال تنقيب عن الطاقة في مياه متنازع عليها شرق البحر الأبيض المتوسط، وتشمل هذه العقوبات تجميد أصول الشخصيات والكيانات المسؤولة عن أنشطة الحفر غير المصرح بحثاً عن الهيدروكربونات في البحر أو المشاركة فيها، فضلاً عن حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي، ومنع إتاحة الأموال للأطراف التي تستهدفها هذه العقوبات.

وفرض الاتحاد الأوروبي هذه العقوبات على تركيا عام 2019 رداً على تنفيذها أعمال التنقيب عن حقول النفط والغاز في المياه التي تعتبرها بروكسل تابعة لقبرص، وهي عضو في التكتل.

وفي هذا السياق لفت قصارجيان إلى أن ردود الأفعال الدولية المناهضة لتركيا التي تصاعدت إثر سياسات القوة الصلبة التركية (سياساته الخارجية) وتدخلها في عدة بلدان ومحاولتها هندستها حسب الرؤية التركية، وتوتر علاقاتها مع الغرب أدى إلى انكفاء الاستثمارات الأجنبية، ومضى قصارجيان في حديثه قائلاً: “أي لا يوجد استثمارات جديدة تستثمر في تركيا والاستثمارات الموجودة تهرب من السوق خوفاً من الأسوأ وكما قلت سابقاً الاستثمار يبحث في الدرجة الأولى عن الاستقرار، وهذا الاستقرار فقد في تركيا وكذلك العلاقات مع دول الجوار باتت سيئة، فالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي سيئة ومع الولايات المتحدة متوترة، أي الرفاهية التي شهدناها في تركيا بدأت تتراجع”.

سياسة القوة الصلبة وتداعياتها على الاقتصاد التركي

ولفت سركيس قصارجيان إلى أن “نقطة تحول الاقتصاد التركي إلى اقتصاد متدهور بدأ منذ عام 2018، حكومة العدالة والتنمية لم تقبل بهذا الوضع وبدلاً من معالجة الأسباب اتجهت إلى الدفع أكثر باتجاه سياسات القوة الصلبة إلى أن وصل الأمر الآن إلى عدم وجود مستثمر أجنبي يدخل إلى السوق التركية، والمستثمرين الموجودين جزء كبير منهم قاموا بتصفية أعمالهم وبالتالي تصفية الأعمال يعني زيادة الطلب على الدولار لأن المستثمر عندما يصفي أعماله سيقوم بتحويل أمواله إلى العملة الصعبة وإخراجها من السوق مجدداً، يعني لم يكف فقط عدم ورود الدولار إلى السوق التركي وإنما أصبح هناك نزيف للدولار وهذا أدى إلى تدهور الليرة التركية ووصولها إلى أدنى المستويات”.

تؤثر على شعبية أردوغان

وفي ظل الهبوط الحاد الذي تشهده الليرة التركية – وهي أسوأ العملات أداء بين الأسواق الناشئة هذا العام- يخشى أردوغان الذي تراجعت شعبيته بصفة كبيرة على وقع الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالليرة التركية والقدرة الشرائية للأتراك من إجراء الانتخابات المبكرة التي تدعو إليها الأحزاب المعارضة ويرفضها أردوغان بشكل قاطع.

وتجمع الآلاف من الأشخاص في مقاطعة مرسين بجنوب تركيا للدعوة إلى انتخابات مبكرة بسبب سياسات أردوغان الاقتصادية الفاشلة وانحدار الليرة إلى مستوى غير مسبوق أمام الدولار.

وفي المقابل تصر الحكومة التركية على أن الانتخابات ستجرى في حزيران/يونيو 2023، في حين يشير باحثون إلى أنه لا يوجد بوادر لتحسن الاقتصاد في ظل الإدارة الحالية برئاسة أردوغان، ويتوقع البعض هزيمة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويؤكد قصارجيان إلى أن السياسات الاقتصادية والخارجية لأردوغان ستؤثر بشكل سلبي على شعبيته، ويقول: “السياسة تؤثر على شعبية السلطة في أي دولة بقدر تأثيرها على الاقتصاد وتأثير الأخيرة على معيشة المواطن، اليوم نحن نتحدث عن سياسات اقتصادية وخارجية أثرت بشكل مباشر على سعر رغيف الخبز وعلى دخل المواطن التركي وراتبه، وبالتأكيد ستؤثر على شعبيته، رغم محاولة أردوغان الالتفاف على هذا التأثير من خلال الوعود التي يطلقها والحديث عن خطط اقتصادية وغيرها”.

ويتابع: “لكن أردوغان يدرك أيضاً بأن الوضع في الوقت الحالي بات مقلقاً ومهدداً لمستقبله السياسي وهذا الذي دفعه إلى طي كل مشاريعه المتمثلة بالعثمانية الجديدة وتسييد الإخوان المسلمين في المنطقة والتوجه نحو خطاب شامل يدعو إلى السلام وإلى بناء العلاقات الجيدة والتواصل بين الدول، يعني هذا التغيّر في الخطاب مآله إحساس أردوغان بالخطر على مستقبله السياسي”.

ويرى قصارجيان أن إجراء الانتخابات الرئاسية مبكراً سيكون بالنسبة لأردوغان “انتحار سياسي مطلق”.

ليس هبة

وبعد قطيعة سياسية دامت عقداً كاملاً، وقعت تركيا والإمارات عدداً من الاتفاقات التجارية، على هامش زيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، لأنقرة، ولقائه أردوغان يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وشملت الاتفاقات ومذكرات التعاون بين البلدين، مجالات التجارة والطاقة والبيئة والاستثمار، كما أعلنت أبو ظبي تأسيس صندوق بقيمة عشرة مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.

حول إمكانية انتشال هذه الاتفاقات الاقتصاد التركي المتأزم يقول سركيس قصارجيان: “كلا هذا الاتفاق لا يفيد لانتشال تركيا من الأزمة الاقتصادية، يمكن اعتبارها دفعة للاقتصاد ولكن ليست بمثابة الاستثمارات التي يمكن أن تحول الاقتصاد التركي بين يوم وليلة من اقتصاد مأزوم إلى اقتصاد متعافي”.

وبيّن قصارجيان أن تركيا اليوم بحاجة إلى عدد أكبر من الشركاء المستثمرين مثل الإمارات وقطر وهي تحاول الآن مع السعودية ومع مصر والدول الأوروبية حتى مع الولايات المتحدة وبالتالي هي تعزز فقط من ثقة المستثمرين الأجانب الذين قد يرون في دخول الإمارات إلى السوق التركية محفزاً على عودة الأجواء السياسية والأمنية إلى الاستقرار، وأضاف: “قد يبدؤون بالتفكير أكثر إلى العودة للاستثمار في تركيا، ولكن هذا الاستثمار وهذا الاتفاق والعشر مليارات دولار بحد ذاتها لن تنقذ الاقتصاد التركي لأنها في الأصل ليست هبة ومساعدة لتركيا هي استثمارات فيها خطط طويلة الأمد بحاجة إلى سنوات حتى تنجز وآثارها لن تكون بمثابة العشر مليارات دولار أي هي ليست أموال ساخنة توضع في المركز التركي على شكل دولار مثلاً كهبة أو مساعدة كما فعلت سابقاً قطر والحكومة الموالية لتركيا في ليبيا وبالتالي فبالتأكيد لن تسهم بانتعاش آني وفوري”.

لا تعافي في المدى القريب

ويختتم الكاتب والصحفي المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان حديثه بالقول: “الاقتصاد التركي لا يمكن أن يتعافى على المدى القصير، بدأت الحكومة وتراجعت عن الكثير من خطواتها، بدءاً من مد الجسور مع الدول الخليجية والدول الأوروبية والحديث عن تصفير المشاكل مع الأطراف التي كانت تركيا على عداء معها ولكن موضوع الأزمة الاقتصادية بحاجة إلى سنوات طويلة حتى تتعافى”.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى