أخبار

هل يتكرر السيناريو الأوكراني في مولدافيا؟

حذّر عدد من المراقبين للشؤون الأوروبية والدولية من وجود مؤشرات لاندلاع صراع جديد بين روسيا والغرب في مولدافيا، خصوصا بسبب التوترات والتصعيد الذي يشهده إقليم ترانسدنيستريا الانفصالي الموالي لموسكو، وأيضا تحركات روسية في إقليم ثان بهذا البلد الفقير والصغير وهو غاغاوزيا. فهل نعيش اليوم فعلا ظروفا مشابهة لما سبق مرحلة الغزو الروسي لأوكرانيا؟ وهل تأخر الغرب والأوروبيون في منع اندلاع حرب محتملة جديدة؟

تعيد الأحداث التي تشهدها مولدافيا حاليا إلى الأذهان الظروف التي سبقت بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

حيث يشهد إقليم ترانسدنيستريا الانفصالي الموالي لموسكو الواقع جنوب شرق مولدافيا (مساحتها 33846 كلم مربع) وتبلغ مساحته ما يزيد قليلا عن 4 آلاف كيلومتر مربع، تصعيدا وتوترات كان آخرها هجوما بطائرة مسيّرة مفخخة استهدف قاعدة عسكرية، اتهمت كييف بالوقوف وراءه، رغم نفي الأخيرة التي قالت إن الروس قاموا بتدبير عملية “استفزاز” رغبة منهم في “تصعيد” الوضع بالمنطقة.

لكن وزارة أمن الدولة في ترانسدنيستريا قالت وفق ما نقلت عنها وسائل إعلام روسية ومحلية، إن “الانفجار تسبب بحريق في قاعدة عسكرية في تيراسبول. (الخلاصات) الأولية أظهرت أن الانفجار نتج من هجوم بمسيرة انتحارية”، لافتة إلى أن المسيّرة أتت من منطقة أوديسا الأوكرانية.

في المقابل، رفضت مولدافيا هذه الاتهامات وقالت إن “سلطات كيشيناو على اتصال بالجانب الأوكراني ولا تؤكد أي هجوم على منطقة ترانسدنيستريا”. واعتبرت أن هذه الاتهامات تنطوي على “محاولة لإثارة الخوف والقلق”.

الانفصاليون.. من جورجيا إلى مولدافيا مرورا بأوكرانيا

وليس هذا الإقليم الانفصالي الوحيد الذي يقض مضاجع المولدافيين ويقلق الغربيين، حيث إن هناك إقليما آخر موال لروسيا أيضا، هو غاغاوزيا، الذي استقطب مؤخرا اهتمام وسائل الإعلام، بعد أن دُعيت إيفغينيا غوتول حاكمته منذ يوليو/تموز 2023، من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميا لحضور مهرجان الشباب العالمي في سوتشي (اختتم في 7 مارس/آذار).

وصرّحت غوتول بأن بوتين قال لها إن بلاده “ستحمي مصالح” السكان الموالين لروسيا في هذه المنطقة، ضد “الإجراءات غير القانونية” لحكومة مايا ساندو المولدوفية.

وقد أشار معهد دراسات الحرب  (ISW) في تقرير أخير بأن “عددا كبيرا بشكل غير طبيعي من المدونين العسكريين الروس [غالبا من الحركة القومية المتطرفة النشطة جدا على المنصات]، قد تطرقوا إلى زيارة غوتول إلى روسيا، ما يشير إلى أن المنطقة تكتسب أهمية في نظر موسكو”.

كما أشار تقرير هذا المعهد وهو مركز تحليل عسكري أمريكي ينشر تحديثات يومية عن الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إلى لقاء سيرغي كيرينكو أحد المستشارين الرئيسيين لبوتين، بحاكمة غاغاوزيا “لبحث الوسائل المتاحة لموسكو لدعم” إقليمها.

في هذا السياق، يشرح محمود الأفندي محلل سياسي وأستاذ الأكاديمية الروسية بأن لروسيا صراعات قديمة مع دول الاتحاد السوفياتي سابقا وتحديدا في جورجيا ومولدافيا. وهو يقول في هذا الشأن: “هناك صراع منذ التسعينيات حول مناطق أغلبية السكان فيها روس يرفضون الخضوع لحكومات تلك الدول. ففي جورجيا، لدينا منطقة أبخازيا وجمهورية أوتيسيا الجنوبية. أما في مولدافيا فلدينا منطقيتين: غاغاوزيا وبريندستروفيا (ترانسدنيستريا). سبق أن حصلت صراعات عسكرية في جوريجيا حيث دعمت روسيا الانفصاليين في تلك المناطق. بعد عدة حروب كانت آخرها في 2008، أصبحت تلك المناطق تخضع لحكم ذاتي تحت حماية روسيا الاتحادية لأن 90 بالمئة من المواطنين هناك هم مواطنون روس”.

وفعليا، تدعم روسيا منذ تسعينيات القرن الماضي المنطقة الانفصالية في مولدافيا، الدولة المحاذية لأوكرانيا والموالية للاتحاد الأوروبي بعد أن كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي سابقا. وتؤكد موسكو بانتظام أن مولدافيا وأوكرانيا تعدان لاستفزازات أو لهجمات.

لكن رغم التوترات، وحتى بعد ما طلب الانفصاليون من موسكو توفير “حماية” لهم، قلّلت مولدافيا الأسبوع الماضي من أهمية ما يقال عن التوترات المتصاعدة. وكانت سلطات ترانسدنيستريا الانفصالية طلبت في نهاية فبراير/شباط من موسكو “إجراءات حماية” في مواجهة “الضغط المتنامي” الذي تمارسه سلطات مولدافيا.

“أكبر مستودع أسلحة في الاتحاد السوفياتي سابقا”

يقول الأفندي في هذا الإطار، إن هذه المناطق شرعت في المطالبة بشكل رسمي من موسكو ضمها إلى روسيا الاتحادية، مثل أبخازيا وأوتيسيا الجنوبية وقريبا بريندستروفيا.

ويلحظ محاورنا بأن “أهمية هذه المنطقة هي كونها محاذية لأوكرانيا بالإضافة إلى أنها تحتوي على أكبر مستودع أسلحة وذخائر في كل المناطق التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي سابقا”.

ويجاور إقليم بريندستروفيا منطقة أوديسا الأوكرانية التي فشلت القوات الروسية في احتلالها بعد الغزو. وانفصل الإقليم عن مولدافيا بعد حرب قصيرة عام 1992 ضد القوات الحكومية. ولا تزال موسكو تنشر فيها 1500 عسكري، وفق أرقام رسمية.

يلفت أستاذ الأكاديمية الروسية إلى وجود مخاوف من اقتحام جورجيا أو أوكرانيا لمنطقة بريندستروفيا، بهدف “الاستيلاء على الاحتياطي الهائل من الذخائر العسكرية الموجود فيها. رأينا نوعا من الاستفزاز من قبل أوكرانيا عندما انطلقت مسيّرة من أراضيها وصلت إلى قاعدة عسكرية في بريندستروفيا أدت إلى اندلاع حريق فيها واحتراق هليكوبتر 108. هذا يعني أننا وصلنا إلى أبواب حرب جديدة، يمكن على إثرها لروسيا أن تتدخل وتضم جمهورية بريندستروفيا إلى أراضيها. لكن هذا الضم سيحتاج أولا إلى ضم أوديسا لأنها على حدودها”.

ويردف الأفندي بأن لدى بوتين النية “لحماية كافة الأراضي الروسية التي شهدت صراعات في التسعينيات. خصوصا وأن الدعاية الانتخابية (الانتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة) كانت تركز على رغبته في الحفاظ على حياة كل المواطنين الروس الموجودين في أراضي الاتحاد السوفياتي سابقا وتحريرهم من حكومات هذه البلدان”.

في نفس الشأن، يلفت حسام شاكر باحث ومحلل سياسي وخبير في الشؤون الأوروبية والدولية، إلى أن الظروف الملائمة للتصعيد الروسي في ترانسدنيستريا ومولدافيا عموما قد اختمرت. وهو يشرح في هذا الإطار: “يستهدف هذا التصعيد أصلا التوازنات في شرق القارة الأوروبية، والتوازنات مع الكتلة الغربية الأطلسية، خصوصا في ظل الانتشار الكبير لقوات الناتو في رومانيا المجاورة لساحة النفوذ الروسي، وبالتالي الاندفاع نحو معادلة معينة جديدة وواقع جديد في مولدافيا. هذه الأزمة مرشحة للتصعيد لكن الشكل الذي قد تتخذه يمكن أن يأخذ أكثر من صيغة، مثل انتشار عسكري روسي في ترانسدنيستريا دون الذهاب إلى مواجهة واسعة مع مولدافيا والغرب، لكن قد يمهد بالمحصلة إن حصل فعلا، لإرباك دول أخرى لديها أقاليم مشابهة مثل إقليم أبخازيا في جورجيا”.

اتفاق دفاعي بين فرنسا ومولدافيا

في ظل هذا التصعيد المقلق على أراضيها وفيما يبدو أن طبول الحرب باتت تدق بشكل واضح، خصوصا بعد طلب انفصاليي ترانسدنيستريا “حماية” بوتين، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيرته المولدافية مايا ساندو في بيان مشترك موسكو إلى “سحب قواتها المتمركزة بشكل غير قانوني على أراضي مولدافيا”.

وقالت باريس إنها مستعدة “للمساهمة، عندما يحين الوقت، في التوصل إلى تسوية دائمة وسلمية لهذا الصراع” المعلق منذ 1992. وأوضح ماكرون الذي استقبل ساندو في 7 مارس/آذار بقصر الإليزيه، بأن وزيري دفاع البلدين قد وقعا على اتفاق ينص خصوصا على “بدء مهمة دفاعية دائمة خلال الأشهر المقبلة في تشيسيناو”، مضيفا أن “هذه مجرد خطوة أولى”.

أوروبيا، كان زعماء الاتحاد قد اتفقوا في ديسمبر/كانون الأول على فتح مفاوضات رسمية لانضمام مولدافيا وأوكرانيا إلى التكتّل. لكن هل تكفي خطوة ماكرون وهل جاءت متأخرة؟ وماذا عن الدعم الأوروبي والغربي لمولدافيا في وجه الدب الروسي؟ وما هو موقف الأوروبيين من أي تمدد روسي جديد في هذه المنطقة وما الثمن والتداعيات في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا؟

“الأوروبيون تأخروا في ضم مولدوفيا”

يرى حسام شاكر بأن مولدافيا هذا البلد الفقير قد بقيت مهملة من قبل الاتحاد الأوروبي والقوى الغربية. وهو يقول إن “القمة الأوروبية في مولدافيا العام الماضي جاءت متأخرة”.

كما يلفت نفس المتحدث إلى أن زيارة رئيسة مولدافيا مؤخرا إلى باريس كانت بهدف الاستنجاد بالغرب. “لكن وجود إقليم ترانسدنيستريا الذي يحظى باستقلال ما وهو عبارة عن جيب ممتد، يوفر الفرصة السانحة لأي تمركز روسي محتمل تحت مبررات من قبيل إيجاد مناطق آمنة. ثم إن روسيا قد تقدم على خطوات غير محسوبة بالنظر إلى نمط المباغتة بتدخلاتها في عهد بوتين، وليس مستبعدا أن يتكرر ذلك في حالة مولدافيا، لكن ليس بالضرورة على كامل أراضيها، بل قد يحصل الانتشار في منطقة ترانسدنيستريا بشكل خاص”.

من جانبه، يرى حسين الوائلي صحافي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي بأن تكرر السيناريو الأوكراني في مولدوفيا هو “صعب جدا”، حيث لا توجد مصلحة أوروبية ولا روسية في فتح جبهة جديدة وفقا له.

إلا أن الوائلي يعترف بأن “الأوروبيين قد تأخروا كثيرا في ضم مولدوفيا إلى التكتل، وكان هناك نوع من التأني. بالتالي، سيواجه التكتل مشكلات كبيرة تتعلق بالإنفاق الدفاعي ومسألة الذخائر. ناهيك عن أن الروس يلعبون على وتر آخر هو الاستفتاء في جمهورية ترانسدنيستريا التي حمتها موسكو في تسعينيات القرن الماضي، وبالتالي إن كان هناك استفتاء لضم هذه الجمهورية فهو أشبه بما حدث في شبه جزيرة القرم”.

كما يلفت الصحافي المعتمد لدى التكتل إلى أن هناك إنفاقا عسكريا ملتزما وسياسة دفاعية جديدة في أوروبا، إضافة إلى التزام أمريكي إزاء الأمن الدفاعي للتكتل. وهو يضيف: “تحاول أوروبا إدارة دفاعها بشكل ذاتي ولا تريد الانخراط في صراعات جانبية. بل إنها تسعى لإغلاق هذه البؤر، في ظل مقاربة جديدة ربما ستتبلور بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة”.

“مولدافيا ساحة صراع واشتباك جديدة مع الغرب”

هل اقتربنا من اندلاع نزاع جديد في أوروبا على شاكلة ما يحدث في أوكرانيا؟ يرى محمود الأفندي بأن الحرب في مولدافيا ستكون مختلفة عنها في أوكرانيا، “لأن مولدافيا ليست مستعدة عسكريا وعديد جيشها ليس كبيرا حيث يمكن حسم الحرب في شهرين إلى ثلاثة أشهر”. وهو يؤكد بأن “احتمال اندلاع الحرب في هذه المنطقة أصبح قريبا من الواقع أكثر فأكثر”.

ويلخص أستاذ الأكاديمية الروسية: “في حال أي اعتداءات على بريندستروفيا سنكون أمام هذا السيناريو: اعتراف موسكو رسميا بمنطقة بريندستروفيا بعد انضمامها إلى روسيا  الاتحادية، وبدأ عملية عسكرية روسية خاصة جديدة ضد مولدافيا”.

بدوره، حذّر حسام شاكر خبير الشؤون الأوروبية والدولية من تطورات تشير لتسخين هذا الملف بشكل كبير على نحو يؤشر إلى توجهات روسية محتملة بأن تكون مولدافيا ساحة صراع واشتباك جديدة مع الغرب. وهو يقول ههنا إن “المؤشرات واضحة من خلال توجهات لدى السلطات الإنفصالية في ترانسدنيستريا بمحاولة الانضمام إلى الاتحاد الروسي وإطلاق مناشدات للحماية الروسية والهيئات الدولية. تشبه هذه المقدمات ما كان يحدث في أوكرانيا بإقليم الدونباس قبل الاجتياح الروسي”.

المصدر: فرانس 24.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى