إن العملية العسكرية التي بدأتها روسيا في أوكرانيا، والتي تطوّرت المواقف العسكرية فيها إلى درجة إعلان حالة التأهب النووي من قبل الرئيس الروسي بوتين، تعيدُ إلى الأذهان وضع ساعة يوم القيامة أو نهاية العالم (Dooms day Clock)، ماذا بشأنها، وهل يمكن أن تتقدم ثواني أخرى باتجاه منتصف الليل؟
ساعة القيامة هي ساعة رمزية تم إحداثها عام 1947، أي بعد الحرب العالمية الثانية، التي نتج عنها تدمير هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية، وقتها تفطّن العلماء إلى أن التطور الذي يحدث في التسلّح قد يودي بالأرض إلى كارثة لا تحمد عقباها.
تم انشاء الساعة من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو، وتنذر بقرب نهاية العالم بسبب السباق الجاري بين الدول النووية، ليس فقط ذلك، بل وُضعت الكوارث الطبيعية، والتغير المناخي أيضاً ضمن العوامل المؤثرة على دقائق هذه الساعة، لكن بقي نصيب الأسد من حظ القوة النووية.
إن وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل، يعني قيام حرب نووية قد تفني البشرية، أما الدقائق التي تسبق منتصف الليل فتُشيرُ إلى احتمالية نشوب الحرب النووية، وتوقيتها الآن هو 100 ثانية قبل منتصف الليل، وضبطها لا يتم اعتباطياً، حيث يُحدد الوقتَ مجموعة من العلماء، تضم 11 من الحاصلين على جائزة نوبل.
دقائق هذه الساعة تتغير تباعاً، حسب الظروف الدولية، سواءً أكانت عسكرية أو بيئية، فقد تزيد أو تقلّ، وعندما تم تصميمها لأول مرة، كانت مضبوطة على الدقيقة 7 قبل منتصف الليل، ثم تقلّصت تلك الدقائق إلى 4، عندما قامت روسيا لأول مرة باختبار قنبلتها الذرية عام 1949، ثم تناقصت إلى دقيقتين عندما اختبرت أمريكا قنبلتها الهيدروجينية عام 1953، ثم زادت تلك الدقائق إلى 12 دقيقة عندما تم الاتفاق بين روسيا وأمريكا (معاهدة ستارت 2) على تخفيض أعداد الترسانتين النوويتين الاستراتيجيتين الأمريكية والروسية، بواقع الثلثين، عام 1993، ثم أخذت تلك الدقائق في التناقص مرة أخرى بعد التجارب التي قامت بها كوريا الشمالية، ثم أحداث الربيع العربي، وخطر سقوط الأسلحة النووية بأيدي إرهابيين، بالإضافة إلى التغيرات المناخية الحاصلة وخطر ارتفاع درجة حرارة الأرض، حتى وصلت إلى 100 ثانية قبل منتصف الليل حالياً.
يوجد حالياً حوالي 15 ألف (والعدد تقريبي) قنبلة نووية في العالم، تمتلك أمريكا وروسيا فقط حوالي 13 ألف منها، تعادل قنبلة كاستل برافو (Castle Brove) الأمريكية 1000 قنبلة هيروشيما، أما قنبلة قيصر الروسية (Tsar bomb) فتعادل أكثر من 3000 قنبلة هيروشيما، وهي قنبلة واحدة من حوالي 7000 قنبلة نووية موجودة في روسيا.
لو أُلقيت قنبلة “قيصر” على مدينة واشنطن الأمريكية مثلاً، فكل شيء يقع في مساحة دائرة نصف قطرها 4.5 كيلو متر سيتبخّر، أي سيذوب من شدّة الحرارة العالية، وأي انسان أو حيوان يقع في مساحة دائرة نصف قطرها 60 كيلو متر، سيُصاب بحروق من الدرجة الثالثة، مما يعني ذوبان الجلد، هذا بالإضافة إلى كمية الأشعاع التي ستؤثر على كل خلايا الجسم.
ويُعتقد أن نشوب أي حرب نووية بين أمريكا وروسيا، سيؤدي إلى قتل 30 مليون شخص بمجرد تفجير الرؤوس النووية، بالإضافة إلى إصابة 60 مليون شخص بإصابات خطيرة، ستؤدي إلى الموت الحتمي، طبعاً هذا هو التأثير المباشر واللحظي لانفجار القنابل.
أما التأثير غير المباشر على الكوكب كله، فيعتقد العلماء أن الحرائق الضخمة التي ستسببها القنابل ستملأ الغلاف بالـ “الدخان الأسود” الذي سيفصل الشمس عن الأرض، بحيث أن درجات الحرارة ستنخفض إلى معدلات العصر الجليدي، حتى يُعتقد أن الأرض ستدخل عصراً جليدياً مصغراً قد يمتد لعشر سنوات، وهذا يعني أن درجة حرارة معظم مناطق الأرض ستكون أقل من الصفر، وبالتالي لن تكون الأرض صالحة للزراعة، وسيقلل الناتج الزراعي بما يعادل 90 بالمئة، وبالتالي المجاعات ستجتاح الأرض، والكثير من الكوارث الأخرى، بمعنى آخر سيكون هناك فناءٌ لبقية البشر الذين نجوا من الانفجارات النووية.
في أمريكا يحتاج إطلاق الصواريخ النووية إلى حوالي 15 دقيقة فقط، من لحظة إعطاء الرئيس الأمريكي الأمر بالإطلاق، مروراً بالمستشارين، إلى حد إعطاء الأمر بانطلاق أول صاروخ، أما في روسيا فالوقت أقصر.
وكادت أن تؤدي عملية إنذار كاذبة للجانب الروسي عام 1983 إلى نشوب حرب نووية، لولا أن الضابط الروسي “ستانسيلاف بيتروف”، والذي تلقى الإنذار عن طريق أجهزة الكمبيوتر، شكّ في مصداقيته، ولم يبلغ القيادات العليا، وفي النهاية كان الإنذار كاذباً فعلاً.
الآن، وبعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حالة التأهب النووي، هل سيقوم العلماء بتغيير زمن ساعة القيامة، أم سيبقى الحال على ما هو عليه؟
ما سردناه في الأعلى عن مخاطر الحرب النووية، ليس بمنأى عن القادة السياسيين أيضاً، فالحرب النووية ليست لصالح الجميع، سواءً أكنتَ مهاجماً أو مدافعاً.
وحالة التأهب النووي التي أعلنها بوتين في الأيام القليلة الماضية، كانت نتيجة الخطأ في حساباته السياسية، ويمكن اعتبارها فشلاً وليس تهديداً حسب معايير القوة، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة أكّدت أنها لم ترصد أي تغيير «ملموس» في الوضع النووي الروسي منذ أن وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوته الرادعة في حالة تأهّب.
في النهاية.. قد تسيطر روسيا على كامل أوكرانيا، وقد تخرج منها منهزمة، لكن يمكن القول أنه لن تحصل حرب عالمية ثالثة – على الأقل نووياً – لأن العالم مدركٌ لما سيحصل بعد استخدام الأسلحة النووية، فالكلُّ في هذه الحالة سيكون خاسراً.
المصدر: مركز الفرات للدراسات.
