مختصون عن اللقاء المفترض بين مملوك وفيدان: يستهدف الكرد بالدرجة الأولى
انشغلت الوسائل الإعلامية خلال الفترة الماضية، بمتابعة الحديث عن اللقاء المفترض عقده بين رئيسي استخبارات حكومة دمشق والاحتلال التركي في بغداد، وفي الوقت الذي استبعد فيه الباحث بالشأن التركي الدكتور محمد نور الدين، عقد الاجتماع في الوقت الحالي، أكد أن الكرد هم المستهدفون بالدرجة الأولى في هكذا لقاءات، واتفق معه الباحث الكردي حسين عمر.تتناقض الأنباء حول اللقاء المفترض عقده بين أرفع شخصيتين استخباراتيين لدى دمشق والاحتلال التركي، وهما رئيس الأمن الوطني لدى دمشق اللواء علي مملوك، ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان.
التواصل الاستخباراتي لم ينقطع
الخبير في الشؤون التركية، الدكتور محمد نور الدين، تحدث لوكالتنا حول ذلك، قائلاً: “في العلاقات بين الدول، لا يوجد انقطاع كامل حتى في أسوأ مراحل العلاقات بين دولتين، يبقى دائماً هناك قناة تواصل عبر الاستخبارات. هذا مبدأ ثابت في العلاقات الدولية. لذلك الاجتماعات أو اللقاءات الاستخباراتية بين عناصر من الاستخبارات السورية والتركية، هو أمر عادي وطبيعي، وحدث دائماً في الماضي البعيد والقريب. ويحدث وسيحدث. وبالتالي ليس هناك أي استغراب في هذا الأمر. فقط بمثل قنوات التواصل الاستخباراتية هذه، يمكن للعلاقات بين دولتين أن تستمر. وهذا حال جميع الدول”.
وأردف نور الدين قائلاً: “أما عندما يرتفع مستوى اللقاء إلى مستوى أعلى من المستوى الاستخباراتي، مثلاً على صعيد مدير عام الاستخبارات، أو مدير عام بوزارة الداخلية أو الدفاع، ومن ثم على مستوى أعلى من ذلك، وصولاً إلى رتبة وزير، فهذا يعني أن هناك تطورات جديدة ونوعية في العلاقات بين البلدين”.
وأضاف: “حتى الآن، نحن لا نجد أن العلاقات بين دمشق وأنقرة قد انتقلت إلى حلقة أو قناة أرفع من القناة الاستخباراتية، وبالتالي لا يفترض أن يكون هناك أي مؤشر أو شيء جديد بالنسبة للعلاقات بين البلدين على مستوى سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك”.
تركيا تعلن ودمشق تنفي!
وكانت صحيفة تركية ذكرت الأسبوع الماضي أن فيدان ومملوك، سيعقدان لقاءً في العاصمة العراقية بغداد، لمناقشة “مواضيع أمنية والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب”.
واعتبر إسماعيل حقي بكين، رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية الأسبق، أن اللقاء الذي سينعقد بين فيدان ومملوك هو “بداية لعملية جديدة”، مشيراً إلى أنها تتم برعاية روسية وإيرانية.
وفي وقت سابق الثلاثاء، قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في تصريحات لإحدى القنوات التركية، إن “بلاده تتواصل مع دمشق حول القضايا الأمنية ومحاربة الإرهاب”، وإن المفاوضات اللازمة جارية على مستوى الخدمات الخاصة والاستخبارات.
وأضاف: “هناك نظام في سوريا غير معترف به من قبل العالم، واللقاء السياسي مع إدارة دمشق غير ممكن”، لكن مع ذلك فإن “المفاوضات اللازمة جارية على مستوى الخدمات الخاصة والاستخبارات فقط.. وهذا أمر طبيعي”.
وحول كشف تركيا عن هذه الاجتماعات، قال الخبير في الشأن التركي الدكتور محمد نور الدين: “هذا بالفعل أمر مثير إلى حد ما، وقد يرجح أن يكون ذلك محاولة لأن تطرح تركيا نفسها على طاولة اللقاءات الشرق أوسطية، ليس فقط مع سوريا، بل بين دول المنطقة. من دون أن تكون مدعوة إلى ذلك. يعني أن مثل هذه الإشارة من وزير الخارجية التركي، أن هناك محادثات مع سوريا، هي محاولة لكي تدخل تركيا وتكون طرفًا في لقاءات ليست هي منها، وبالتالي تعتقد أنها مستبعدة بصورة قصدية عن تلك اللقاءات”.
وأضاف: “عبر هذه الإشارات، تنتظر تركيا ردة فعل الطرف الآخر، وردة فعل الطرف الآخر كانت قوية جداً وعالية النبرة، بحيث أنها لم تكتفِ فقط بنفي هذه المعلومات، بل أيضاً باتهام تركيا بأنها وكر الإرهاب، والحصن الحصين له، وبأنها أحد عوامل الاضطرابات وعدم الاستقرار في العالم”.
دمشق بدورها ردّت على تصريحات أوغلو عبر وزارة خارجيتها وقالت: “تعقيباً على تصريحات وزير خارجية النظام التركي حول وجود مفاوضات مباشرة مع سوريا في قضايا أمنية ومكافحة الإرهاب، فإن سوريا تنفي بشكل قاطع وجود أي نوع من التواصل والمفاوضات مع النظام التركي، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب”.
وأضاف المصدر “بات معروفاً للقاصي والداني بأن النظام الحاكم في أنقرة، هو الداعم الرئيسي للإرهاب، وجعل من تركيا خزاناً للتطرف والإرهاب، الذي يشكل تهديداً للسلم والاستقرار في المنطقة والعالم، ويخالف بشكل فاضح قرارات الشرعية الدولية حول مكافحة الإرهاب”.
وعلى الرغم من النفي السوري للقاء مملوك – فيدان المفترض، إلا أن هذا اللقاء فيما لو حدث لن يكون الأول من نوعه، حيث عقد مملوك وفيدان لقاء مطلع عام 2020 في العاصمة الروسية موسكو، وهو اللقاء الأول المعلن عنه منذ عام 2011.
وذكرت وكالة سانا الرسمية حينها، أن اجتماعاً ثلاثياً سورياً – روسياً – تركياً، شهدته موسكو.
كما تحدث كل من نائب وزير الخارجية الحالي بشار الجعفري، ومستشارة الأسد بثينة شعبان، في أكثر من لقاء إعلامي، عن لقاءات أمنية بين دمشق وأنقرة، كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق، حدوث لقاءات أمنية على مستوى منخفض.
وفي هذا السياق قال الدكتور نور الدين: “ما دامت العلاقات على المستوى الاستخباراتي، لا يعتبر ذلك تطوراً مهماً في هذه العلاقات، طبعاً على المستوى الاستخباراتي يمكن بحث كافة المواضيع، لكن لا تجد من يعكس ذلك ويترجمه إلى واقع، إلا من خلال الوفود السياسية أو الاقتصادية وغيرها”.
ملفات كثيرة على الطاولة
وحول الملفات العالقة بين البلدين، قال الدكتور نور الدين: “في حال انعقدت هذه الاجتماعات، ستدرس ملفات كثيرة جداً منها الثنائية ومنها الإقليمية ومنها المتعددة الأطراف. لكن لا شك أنه من الزاوية التركية، فإن أحد أهم الملفات هو طرح مسألة منع وصول الكرد في سوريا إلى مرحلة من تأسيس كيان تعتبره تركيا انفصالياً عن سوريا، ويهدد بالتالي وحدة الأراضي التركية”.
وأوضح أن “المسألة الأولى هي أمنية بامتياز وهي المسألة الكردية في سوريا، وهذه من الملفات ذات الأولوية بالنسبة إلى تركيا. ثم تأتي بعد ذلك العلاقات الأمنية، بمعزل عن الكرد بين تركيا وسوريا، والتي لا يزال يحكمها إطار قانوني دولي، وهو اتفاقية أضنة في تشرين الأول / أكتوبر عام 1998 ولا تزال سورية متمسكة بها. وتركيا من وقت لآخر تذكر بها، دون أن تلتزم بها بشكل دقيق. وبالتالي الملف الأمني بين البلدين هو مسألة أساسية”.
أما بالنسبة لتركيا فيرى الدكتور نور الدين “هناك ملف اللاجئين السوريين في تركيا وكيفية حله. لا يعني ذلك أن تركيا مستعجلة على حل هذا الملف، لأنها لا تزال تستغله وتبتزّ سوريا والدول الأوروبية به”.
وأضاف: “ما عدا ذلك، هناك العلاقات الثنائية، وهي علاقات اقتصادية، وهذا أمر طبيعي أن تبحث في حال التقى الطرفان. هناك مسألة المياه، والتي تشكل عنصراً ضاغطاً على العلاقات بين تركيا وسوريا وبين تركيا والعراق أيضاً. فضلًا عن الملفات الإقليمية المتعددة التي تهم البلدين وتهم أطراف أخرى، ومن ذلك التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، حيث لكلا البلدين تركيا وسوريا، مناطق بحرية خالصة للتنقيب واستخراج النفط، ومتداخلة. فهما متحاذيان حدوديان على الصعيد البري والبحري. أما الأمور الأخرى، فهي تأتي في مرحلة لاحقة، مثل السلام في المنطقة والاستقرار وطبيعة العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وما إلى ذلك”.
حظوظ ضئيلة
وحول نجاح مثل هذه اللقاءات، قال الدكتور محمد نور الدين: “من المبكر الحديث عن مثل هذه اللقاءات. أولاً بسبب أن تركيا لا تريد أن تنعقد هذه اللقاءات بظل استمرار وجود بشار الأسد في سدة الرئاسة، ذلك أن رجب طيب أردوغان، يعتبر المسألة شخصية بعدم الاعتراف بالنظام السوري. وهو يرفض التحادث والتواصل معه مباشرة. ويرى أن الحديث والتواصل مع روسيا كافٍ في مثل هذه الحالة. وطبعاً هذا أحد العوامل التي تعقّد التواصل بين البلدين”.
وأردف: “لكن في السياسة، وإن كان الموقف من سوريا أصعب، إلا أنه ليس مستحيلاً. فكما سعى الأتراك لكي يستأنفوا العلاقات مع مصر والتطبيع معها، والتخلي عن احتضانهم للإخوان المسلمين في تركيا، وإن كنت أرى أن ذلك هو مجرد مواقف لفظية أكثر منها عملية”.
وأضاف نور الدين: “أعتقد بأن السؤال الرئيسي، هل ينعقد هذا الاجتماع؟ أنا استبعد حدوث مثل هذه الاجتماعات في الوقت القريب، لأن ذلك يتطلب تحولات إقليمية معينة، وليس فقط على الصعيد التركي – السوري، بل كذلك على الصعيد الدولي. ومن ذلك الموقف الروسي من المنطقة والعلاقات الروسية – الأميركية في سوريا والمنطقة”.
وحول اختيار بغداد لهذا الاجتماع المزمع، قال نور الدين: “هذا ليس بالأمر الغريب، فبغداد على علاقة جيدة مع أنقرة، رغم أن أنقرة تتدخل وتنتهك السيادة العراقية كل يوم. وكذلك بغداد على علاقة جيدة مع سوريا، رغم أن بغداد تتحفظ كثيراً على أن تظهر بمظهر المؤيد لدمشق، مراعاةً للجانب الأميركي. حيث أن السلطة المركزية في بغداد تحاول أن تظهر على أنها محايدة، أو على مسافة من إيران وأميركا، أو الخليج أو تركيا. في حين أن الحكومة الموجودة الآن في بغداد هي حكومة تأتمر إلى حد كبير بالأوامر الأميركية”.
الكرد في صدارة النقاشات المزمعة
وفيما إذا كان الاجتماع المفترض سيناقش الملف الكردي لو انعقد، قال نور الدين: “لا شك أنه في حال حدوث تقارب بين دمشق وتركيا من دون أن يكون الكرد في سوريا طرف بشكل أو بأخر، مباشرة أو غير مباشرة، في مثل هذه المحادثات فهم سيكونون ضحية لأي اتفاق ينعقد بين الطرفين. وقد يكونون هدفاً للقوات التركية كما للقوات السورية. وإن كان بشكل أقل”.
وأضاف: “في ظل استمرار التباعد بين المواقف الكردية في سوريا، وكل من دمشق وأنقرة، أعتقد بأن أي اتفاق بين دمشق وأنقرة لن يكون لصالح الكرد بأي شكل من الأشكال. لذلك أعتقد أن على الكرد أن يختاروا الانحياز إلى جانب الدولة السورية، ليس على قاعدة القبول بما تفرضه دمشق عليهم، بل على قاعدة التوصل إلى تفاهمات مشتركة بينهم”.
على الكرد ودمشق أن يتلاقوا ولو في منتصف الطريق
وأكد نور الدين أنه “يجب أن تكون وحدة سوريا هي هدف استراتيجي ثابت للجميع. وأن تكون الدولة السورية حاضنة وتسوس سياسة عادلة على قاعدة العدل تجاه جميع الأطراف. وتأخذ بعين الاعتبار الحقوق الثقافية واللغوية والتعليمية والخصوصية المناطقية بشكل أو بآخر”.
وتابع نور الدين حديثه قائلاً: “هذا أمر ملحّ، كما من جانب الكرد في سوريا، وكذلك من جانب دمشق. لأنه لا يمكن في أي تحالف أو صراع بين تركيا وسوريا، أن يكون الكرد على حياد بين هذين الطرفين، لأن الكرد هم ضمن سوريا الواحدة الموحدة. مع الأخذ بعين الاعتبار الهواجس التي يطرحونها ويطلبون من الدولة السورية أن تلاقيهم ولو في منتصف الطريق”.
روسيا تنسج العلاقات بين تركيا ودمشق على حساب الوطن السوري
وبدوره قال الكاتب والباحث السياسي الكردي حسين عمر: “أعتقد بأن الاجتماع التمهيدي قد سبق الإعلان بعقد الاجتماع المعلن بفترة، وهذا ليس بجديد. لقد كانت العلاقات الاستخباراتية بين النظامين التركي والسوري على أعلى المستويات دائماً. وما الانتكاسة التي حصلت بعد 2011 إلا فترة جمود قصيرة، كان الاعتقاد التركي بسقوط النظام بسرعة، لهذا كانت التحضيرات التركية تجري على أساس توليفة علاقة من نوع جديد”.
وأوضح أن “علاقة تابعية إذا وصل الائتلاف إلى الحكم أو المجاميع المسلحة أيا منها كانت، ولكن ذلك لم يحصل. لهذا استدارت تركيا وحاولت إعادة التعاون الاستخباراتي بين الجانبين. لكن النظام لم يُبدِ استعداده بعد عدة جولات تمهيدية حينها بعد عام 2015 لأن النظام لم يكن يحصل على شيء. بالمقابل كانت تركيا تطلب مساعدة النظام في ضرب وحدات حماية الشعب والمرأة دون مقابل. وهذا ما لم يتقبله النظام حتى تدخلت روسيا على الخط، ونسجت شبكة علاقات مختلفة مع النظام التركي على حساب الوطن السوري وشعبه، ليقوم بالنيابة عن نظام دمشق في عقد الاتفاقيات وتشكيل لجان مشتركة. وهذا لم يعد كافياً بالنسبة للمحتل التركي. لهذا أراد إعادة العلاقات الاستخباراتية من جديد. والهدف هو الشعب الكردي كما هو معروف”.
وأشار عمر إلى أن “الترويج التركي للاجتماع، ونفي دمشق له، ما هو إلا بداية جديدة في العلاقة المتوترة والمفصولة بين الطرفين. وباعتقادي، فإن تركيا بحاجة أكثر إلى تجديد العلاقة، وحتى العودة إلى إقامة علاقات طبيعية مع النظام. ولا يُستبعد أن تحاول تقليص دور المرتزقة السوريين والائتلاف المرتهن لأجنداتها، في سبيل إرضاء النظام للقيام بخطوات مشتركة ضد الإدارة الذاتية والشعب الكردي بشكل خاص، وليس بخافٍ على أحد بأن العدو الوحيد للنظام التركي كما يبرزه، هي الإدارة الذاتية والشعب الكردي بشكل خاص”.
تركيا ستقدم على تنازلات كثيرة
وحول النتائج المتوقعة، قال الباحث الكردي حسين عمر: “أعتقد بأن الاجتماع لن يحقق لتركيا ما تريد، إلا اذا قدّمت تنازلات واضحة للنظام، وخاصة في موضوع إدلب. لأن المناطق المحتلة الأخرى من عفرين وحتى رأس العين، لا تهم النظام كثيراً، بل الهم الأول له هو إزالة التهديد على نقاط تمركز قواته ومناطق سيطرته. وبذلك أمام تركيا التضحية بمعظم المناطق التي تسيطر عليها ما تسمى حكومة الإنقاذ النصراوية، حتى يرضى النظام بالتعاون الاستخباراتي على أعلى المستويات معه، لضرب الإدارة الذاتية، على الرغم من أن أحد أهم أهداف النظام هو أيضاً القضاء على الإدارة، لكنه لا يريد أن يكون لتركيا يد فيها دون مقابل. وهو ما يظهر بعد عدة جولات من المفاوضات الاستخباراتية والدبلوماسية بين النظامين”.
ويعتقد عمر أن “أردوغان سيقدم بالنتيجة على تقديم التنازلات التي ترضي جزئياً النظام، لأن الهدف المشترك للطرفين، وهو القضاء على الإدارة الذاتية، سيجمعهما. إلا إذا تدخلت الدول ذات النفوذ الأقوى – أمريكا وروسيا – في التوصل إلى اتفاق يؤدي بسوريا إلى حل سلمي. حينها ستلتزم تركيا وسيلتزم النظام بالاتفاق”.
وفي ختام حديثه قال الباحث الكردي حسين عمر: “بكل الأحوال، الأنظمة التركية السورية الإيرانية والعراقية السابقة، كانت لديها خلية عمل مشتركة استخباراتية ضد الشعب الكردي”.
المصدر: ANHA.