مقالات

محمد سيد رصاص: سوريا ما بعد آل الأسد.. أحلاف ومشاريع وإسلام!

(السلام- المركز الكردي للدراسات) .. فوجئ غالبية  السوريين بأهمية بلدهم الجغرا-سياسية حين أدى سقوط حكم بشار الأسد إلى موت محور إيران الإقليمي بينما لم يحصل هذا مع هزيمة ذراعي طهران في غزة ولبنان. كما أن هذا السقوط أعاد روسيا إلى وضعية القوة الإقليمية بعد أن اكتسبت وضعية القوة العالمية إثر تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، فيما كانت روسيا المنبثقة عن تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991 دولة مهلهلة الأركان بخاصرات رخوة في منطقة القفقاس (الشيشان، داغستان، جورجيا) وفي الغرب منها (أوكرانيا، جمهوريات البلطيق الثلاث، فنلندا).

يمكن هنا استعادة عبارة باتريك سيل في كتابه «الصراع على سوريا» وهي «إن من يقود الشرق الأوسط لابد له من السيطرة على سورية» (ص14، دار الأنوار، بيروت 1968). وهذا ما يقوله التاريخ فعلاً، إذ أن سيطرة الإسكندر المقدوني على سوريا قادت لسقوط مصر، وكذلك الرومان، ومعركة اليرموك تبعتها القادسية ثم سقوط مصر وبلاد فارس بيدي المسلمين. ثم قادت معركة مرج دابق عام 1516 إلى سقوط مصر والحجاز بالعام التالي ثم العراق بيدي العثمانيين.

وحتى إن مشاريع دولية-إقليمية، مثل حلف بغداد عام 1955، فشلت بسبب عدم انضمام دمشق لها. كما أن مشروع جمال عبد الناصر العروبي تضعضع مع الانفصال السوري عن دولة الوحدة عام 1961. وإذا توخينا الدقة، فإن من أصاب عبد الناصر في مقتل كان حزب البعث السوري حينما نافسه منذ عام 1963 على زعامة التيار العروبي ثم شقِّ الحركة العروبية إلى مركزين يتنازعان ويتنافسان. وإذا فكّر الهاشميون بالعودة إلى دمشق من بغداد 1921-1958 بعد ميسلون ثم صدام حسين الذي سعى لإسقاط حكم حافظ الأسد بأساليب متنوعة منها دعم الإسلاميين في فترة 1979-1982، فلأن حاكم بغداد يدرك أن العراق مثل الزجاجة الكبيرة لها فتحة صغيرة على البحر، وأن مرفأ العراق ليس البصرة بل اللاذقية. وكان فشل الهاشميين وصدام في المسألة السورية أحد أسباب سقوطهما الرئيسية.

والآن بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 السوري، يمكن تعداد مشاريع دولية– إقليمية ستموت، منها مشروع سكة حديد تمتد من شنغهاي إلى اللاذقية اقترحه المواطن الفرنسي جاك سعادة، ابن اللاذقية وصاحب شركة «CMI-CGM» ثالث أكبر شركة شحن ونقل حاويات في العالم، حينما أخذ بواسطة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تعهد رصيف التفريغ والتحميل في مرفأ اللاذقية عام 2008، وهو بالتأكيد كان إرهاصاً لمشروع 2013 الصيني المسمى «الحزام والطريق». ورأينا منذ سنتين مع التقارب الصيني- الروسي- الإيراني كيف تم الربط السككي بين العراق وإيران وقبله بين إيران وباكستان وقبل ذلك بين الأخيرة والصين. وكان مقرراً الربط لدى الإيرانيين بين القائم وديرالزور سككياً، بمعونة وموافقة بغداد ودمشق. ويمكن الآن الحديث عن موت مشروع أنبوب الغاز الإيراني حتى الساحل السوري عبر العراق الموقّع في الشهر الأول من عام 2011 وكان مقرراً تحميله عبر البحر إلى أوروبا.

كما يمكن تعداد مشاريع يرجح أنها ستعود للحياة، منها مشروع رفضه بشار الأسد عام 2009 لنقل الغاز القطري عبر السعودية- الأردن- سوريا- تركيا إلى أوروبا. والأرجح، أنه سيضاف إليه الغاز السعودي الآن الذي يعد باحتياطات توازي روسيا، بحسب ما يسرّب، لجعل القارة العجوز تستغني عن «محطة بوتين» للغاز وللنفط. وربما ينتعش مشروع عرضه رجال أعمال كويتيون وخليجيون على الأسد (ولم يلتفت له فيما بعد) أثناء زيارته للكويت في يونيو/حزيران 2008 لإقامة طريق للشاحنات وسكة حديد من دول مجلس التعاون الخليجي إلى الحميدية جنوب طرطوس مع أنبوبي نفط وغاز، على أن يتولى الخليجيون تكاليف التشييد والانشاء بما فيه لمرفأ الحميدية، وذلك لتفادي مضيقي هرمز وباب المندب وبسبب التكلفة الاقتصادية الأقل للنقل ولكونه أسرع برياً من الإبحار عبر الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر.

ويمكن ذكر مشاريع ستكون قابلة للتعديل مثل الممر الهندي المطروح عام 2023 لنقل أنابيب نفط وغاز وهيدروجين من الخليج مع طرق وسكك حديد لنقل بضائع من الهند وآسيا عبر ساحل عمان أو الامارات أو منهما معاً حتى ميناء حيفا، ومن هناك بالبحر حتى الساحل الإيطالي أو اليوناني وصولاً إلى أوروبا وبالعكس، حيث ستكون التكاليف الاقتصادية  أقل  إن كان البر السوري معبراً للكوريدور بكل محتوياته حتى تركيا ومنها لأوروبا  أو بتشارك اللاذقية وبيروت مع حيفا، وهذا بعد ما جرى لحزب الله وبشار الأسد أصبح ممكناً إن قاد ما حصل  في سوريا 8 كانون الأول 2024 ولبنان 9 كانون الثاني 2025 إلى اتفاقيات سلام سورية ولبنانية على غرار ما جرى للمصريين عبر (كامب دافيد) وللأردنيين في (وادي عربة) ويضاف لهما “حل الدولتين” بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ومن الممكن فيما يتعلق بمشروع نقل الغاز الاسرائيلي، الذي تم التوقيع  لنقله  تحت البحر نحو أوروبا عبر قبرص واليونان عام 2020 ثم تعرقل مع انسحاب الشركات الأميركية، أن يتم  تعديل مساره الجغرافي ليصير عبر سوريا وتركيا لأنه أقل تكلفة من الناحية الاقتصادية وأكثر أماناً، ويمكن أن يربط بخط الغاز العربي الآتي من العريش إلى العقبة عبر طابا ثم يذهب إلى سوريا حتى حمص ومنها بخطين إلى طرابلس وبانياس وكان مقرراً مده إلى تركيا وصولاً منها إلى أوروبا ثم توقف ذلك  قبل قليل من بدء “الربيع العربي”.

ولكن كل ما سبق مشروط ببناء ناتو شرق أوسطي تحدث عنه الملك الأردني قبل سنتين والرئيس الإسرائيلي قبل أشهر يكون امتداداً إقليمياً لحلف الناتو الذي بعد انتصاره على السوفييت وحلف وارسو في خريف 1989 أريد له أن يتجاوز النطاق الأوروبي، كما قالت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في ربيع 1990. والأرجح أن هذا كان التفكير في لندن ومعها واشنطن في عام 1955 حينما تم إنشاء حلف بغداد، ولكن استدارة دمشق بعيداً عن  رئيسي الوزراء العراقي والتركي نوري السعيد وعدنان مندريس باتجاه الرئيس المصري جمال عبد الناصر ومعه الأمين الأول للحزب الشيوعي السوفياتي نيكيتا خروتشوف أفشل ذلك. واليوم، فإن سوريا انتقلت إلى المدار الأميركي بعيداً عن خامنئي وبوتين، ما أضعفهما بشدة، وهو ما يمكن أن يمهد الطريق نحو نشوء ناتو شرق أوسطي، ولكن زعامته لن تكون في أنقرة بل في الرياض وتل أبيب، ولكن سوريا إسلامية لن تكون مقبولة أميركياً وإسرائيلياً وسعودياً في هذا الحلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى