“لقد مسحوا بكرامتنا الأرض”.. سجين سابق يروي سيرة العذاب في سجن صيدنايا
قصص وروايات عديدة ومريرة يرويها مواطنون خرجوا من سجن صيدنايا بمرسوم العفو الذي أصدره بشار الأسد، هذا السجن الذي يعتبر أحد أكثر الأماكن خطورة وسيئ الصيت إلى جانب سجن تدمر وفرع فلسطين في سوريا.
ومن بين تلك القصص، قصة المواطن أنس رمضان الذي خرج من السجن بعد أن قضى فيه 3 سنوات و3 أشهر و16 يوماً، بتهمة قدح وذم رئيس الدولة السورية بشار الأسد، والنيل من هيبة الدولة.
المسلخ البشري
يعد سجن صيدنايا العسكري من أخطر السجون في سوريا وأشدها تحصيناً على الإطلاق، حيث ترتكب فيه أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات بحق السجناء من تعذيب، وسوء معاملة، وإعدام جماعي، وخاصة بعد بدء الأزمة السورية، لدرجة أطلق عليه اسم المسلخ البشري. وهو الوجهة الأخيرة للمعتقلين الذين يصبحون فيه في عداد المفقودين أو مجهولي المصير. وبخاصة معارضي حكومة دمشق.
بنت حكومة دمشق ـ بقيادة حزب البعث ـ هذا السجن عام 1987 لتثبيت دعائم حكمها في البلاد، عبر استخدام أساليب الخوف والتهديد وترهيب المعارضين والمناوئين للحكم.
تصميم ضد التمرد
يقع سجن صيدنايا بالقرب من دير صيدنايا التاريخي، على بُعد نحو 30 كم شمال العاصمة السورية دمشق، ويتبع لوزارة الدفاع السورية وتديره الشرطة العسكرية.
وأكثر ما يلفت الانتباه في هذا السجن هو تصميمه الذي قصد به زيادة تحصينه منعاً لحدوث أي تمرد داخله، إذ يتألف من مبنيين؛ الأول وهو الأقدم ويطلق عليه “السجن الأحمر”، وهو الأسوأ والأكثر قسوة، وأغلب المعتقلين فيه من السياسيين والمدنيين المتهمين بدعم الإرهاب، ويتكون من ثلاثة طوابق على شكل ماركة “مرسيدس”، والثاني بني لاحقاً وأطلق عليه “السجن الأبيض” مؤلف من أربعة طوابق، ويشبه حرف L باللغة الإنكليزية، وهو مخصص للعسكريين المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية.
يروي أنس بعض ما رآه في هذا السجن قائلاً “جرى تعديل التصميم الداخلي للسجن، حسب السجناء القدامى، بعد حدوث تمرد للسجناء الإسلاميين عام 2008، حيث عملت السلطات على تصفيح الجدران بالحديد وفي كل الزنزانات والمهاجع موصلة بقواطع تتصل بمبنى الإدارة لصعق السجناء بالكهرباء في حال حدوث أي تمرد. فيما أكد أنه كان شاهداً على وجود أقبية تحت الأرض ملحقة بالسجن على عمق 3 طوابق، يتم وضع السجناء الخطرين فيها.
القطار
تحفّظ المواطن أنس رمضان (اسم مستعار) على ذكر اسمه الحقيقي أو عمره أو أي معلومات تدل عليه، لأنه يعيش بعد الإفراج عنه في مناطق سيطرة حكومة دمشق، قائلاً إنه لا يريد تكرار الكابوس الذي عاشه في ذلك السجن.
وأشار إلى أنه سُجن دون عرضه على القضاء، نتيجة كتابة تقرير عنه، وتوجيه تهمة له بقدح وذم رئيس حكومة دمشق بشار الأسد والنيل من هيبة الدولة والإرهاب.
أما عن الاستقبال الذي كان بانتظاره وانتظار أغلب السجناء في هذا السجن، فقال “تنتابني مشاعر الخوف بمجرد تذكر الأمر، لقد استقبلونا “بالقطار” وهي طريقة إذلال وتعذيب، حيث تُربط أيدي السجناء ببعضها البعض عبر السلاسل ويُقتادون عبر ممر طويل، على جانبيه عناصر يحملون السياط ويجلدونهم بها.
سواليل
ونوه أنس إلى أنه تعرّف في هذا السجن على مختلف أشكال وأنواع التعذيب، مؤكداً أن ما لا يفارق ذاكرته هي “السواليل” وهي طريقة تعذيب تعتمد على إيداع السجين في زنزانات انفرادية، مساحتها 1 متر مربع، لمدة 40 يوماً، لا تحوي على إضاءة أو منفذ للاستنشاق، ويكون طعام السجين فيها فتات الخبز العفن فقط.
وأردف أنس “هذه الطريقة في التعذيب كانت تستخدم مع كل من يتحدث بلغة غير العربية (الكردية والتركمانية والسريانية) ومع كل من يعترض بشكل أو بآخر على تعذيبه من قبل العناصر والضباط. وهي إحدى طرق التعذيب الهادفة إلى طمس الهويات غير العربية في سوريا، ونوع من الجرائم المبنية على أساس التمييز بحسب العرق واللغة التي ارتكبتها حكومة دمشق بحق الشعوب التي تشكل لوحة الفسيفساء السورية”.
المهجع 16
ونوه أنس خلال حديثه، إلى أنه كان شاهداً على مقتل عدد من الأطفال في المهجع رقم 16، المخصص للأحداث في السجن. مشيراً إلى أن أغلب هؤلاء الأطفال تم جلبهم إلى السجن مع بدايات الأزمة السورية، مثل أطفال درعا الذين اعتقلوا بسبب كتاباتهم على الجدران.
وفي تفاصيل الحادثة، قال أنس “أصبحت أصوات التعذيب شيئاً عادياً، نسمعها في زنزاناتنا بشكل يومي ومتواصل، كنوع من الحرب النفسية التي تمارس ضدنا، إلا أن ذلك اليوم كان مختلفاً! فبعد الصرخات؛ سمعنا صوت الرصاص، ثم ساد صمت مرعب. علمنا بعدها أنها عملية إعدام ميدانية بحق الأطفال. وهذه لم تكن المرة الأولى التي تنفذ فيها مثل هذه العمليات، إلا أنها كانت الأبشع بحق نزلاء المهجع 16 الذين كان جلهم من الأطفال”.
أساليب تعذيب مسحت الأرض بالكرامة الإنسانية
وعن الخوف الذي عاشه في السجن قال أنس “لقد مسحوا بكرامتنا الأرض”. أما عن أساليب التعذيب، فذكر أنس “كانت أساليب التعذيب ألعاباً لتسلية السجانين، فمثلاً؛ بساط الريح أسلوب للتعذيب يطلق على ربط اليدين إلى لوح مسطح، بحيث لا يمكن للشخص المربوط حماية نفسه، ويكون رأسه معلقاً في الهواء أو يتم بسط الأطراف أو جذبها على امتدادها. كما يمكن أن يُطوى اللوح الخشبي إلى نصفين. بحيث تلامس الأقدام وجه الضحية، ما يؤدي إلى المزيد من الألم وعدم القدرة على التحرك.
فيما يجبر السجانون المعتقلين على ثني أجسامهم وإدخال رؤوسهم وأعناقهم وسيقانهم داخل إطار سيارة في طريقة تعذيب تسمى بالدولاب، بحيث تُشل حركتهم تماماً ويفقدون القدرة على التحرك وحماية أنفسهم ليبدأ الضرب بالهراوات والسياط وأدوات التعذيب الأخرى على الظهر والساقين والرأس، وفق ما ذكره أنس.
وعن أكثر أساليب التعذيب قبحاً، والتي تعرض لها أنس في المعتقل، فهي الصعق بالكهرباء فقال “يربط السجين على كرسي حديدي ثم يصعق بالكهرباء، أو بتشبيك كلابات الكهرباء في مناطق حساسة من الجسد، منها منطقة العضو التناسلي، وداخل الفم، وعلى الرقبة والصدر واليدين والساقين.
من باحة إلى مقبرة
أشار أنس إلى أنه مُنع هو ومن معه من الخروج إلى باحة السجن لاستنشاق الهواء، طوال فترة مكوثه في سجن صيدنايا؛ للتكتم على المجازر المروعة التي خلّفها التعذيب الوحشي بحق السجناء الذي يتم تسجيلهم على أنهم مفقودون.
مبيناً أنه يومياً كان يُدفن عدد من الجثث في باحة السجن، إما بشكل جماعي أو فردي؛ لتتحول باحة السجن من مكان لاستنشاق الهواء إلى مكان تفوح منه رائحة الموت.
30 ألف دولار.. فدية لم تُدفع
قال أنس خلال حديثه، إن أسرته حاولت إخراجه من هذا السجن، عبر دفع الرشاوى، إلا أن المبلغ الذي طلبه أحد قضاة محكمة الإرهاب تجاوز مقدرة الأسرة بكثير، وهو مبلغ 30 ألف دولار أميركي مقابل منح أنس الحرية وإسقاط التهم عنه.
وأكد أنس أن ما عاشه في سجن صيدنايا طول فترة اعتقاله، أدى إلى إصابته بأمراض نفسية وجسدية، وعلى الرغم من أن الاعتقال انتهى بالإفراج عنه، إلا أنه ما زال يعاني من تبعاته وآثاره، والتي لا يمكن وصفها بالكلمات، فمن سمع ليس كمن رأى.
وتبقى إفادات الناجين، وما علق في ذاكرتهم من أصوات وصور، الدليلَ الوحيد على أساليب التعذيب الوحشية المتبعة في هذا السجن.
المصدر: ANHA.