“فورين بوليسي”: الديمقراطية ضحية أولى لفيروس “كورونا”
مع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن وباء كورونا طوال فصل الربيع، اتخذت بلدان عديدة تدابير قوية لمكافحة انتشار المرض، وفرضت الحكومات حالات طوارئ وطنية، وحظرًا على السفر، وحظرت التجمعات الكبيرة، وأتاحت هذه الاستجابات، مهما كانت ضرورية من منظور صحي، للسياسيين تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفقًا لمجلة ”فورين بوليسي“ الأمريكية.
ورأت المجلة في تقرير نشرته، الجمعة، أن ”الوباء استُخدم في كثير من الأحيان لتبرير سياسات المراقبة، وتجاوز الضوابط اللازمة للحفاظ على التوازن، وهي سياسات قُوبل بعضها بموافقة الجمهور واحتشاده حول العلم في الكثير من البلاد، ومع ذلك، أثارت هذه الجهود أيضًا مقاومة في: الولايات المتحدة، وإسرائيل، وبولندا، والمجر، والصين، والسؤال هو: إلى متى سيخفف تأثير الاحتشاد حول العلم من حدة الغضب العام؟“.
وذكرت ”فورين بوليسي“ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبر الوباء سببًا لزيادة القيود والحد من طلبات اللجوء.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة أوقفت في، مارس/ آذار الماضي، إعادة توطين اللاجئين مؤقتًا، واستأنفتها في نهاية يوليو / أغسطس، بأعداد أقل، وحتى 18 أيلول/سبتمبر، لم تتم إعادة توطين سوى 10192 لاجئًا في السنة المالية 2020 مقارنة بـ 22500 في السنة المالية 2018.
كما لفتت إلى أن ترامب اقترح، في تموز/يوليو الماضي، منع طالبي اللجوء لأسباب صحية عامة، وعلى الرغم من أنه في 11 أكتوبر/ تشرين أول الجاري ، وافق 40 % فقط من الأمريكيين على تعامل ترامب مع الوباء، إلا أن معظم الجمهوريين (81%)، وأكثر من نصف الديمقراطيين، (49%)، وغالبية المستقلين (62%)، يوافقون على فرض قيود مؤقتة على الهجرة لإبطاء انتشار الوباء.
وقالت ”فورين بوليسي“ إنه“كالمعتاد، لم يقتنع الجمهور الأمريكي بجميع سياسات ترامب التي يفترض أنها مرتبطة بالأوبئة، وخلال فصل الصيف، حاول الرئيس تشويه سمعة وقمع متظاهري حركة (حياة السود مهمة) black lives matter على أساس أن التجمعات ستساهم في انتشار كورونا، إلا أن ذلك لم يوقف المشاركين في المسيرة أو يردعهم عن جهودهم الرامية إلى زيادة الوعي بشأن أعمال الشرطة وعدم المساواة“.
وأضافت المجلة:“وصف ترامب المحتجين بعد ذلك بالإرهابيين، وأدان خطة مدينة نيويورك لرسم شعار (حياة السود مهمة) في الجادة الخامسة على أنه رمز للكراهية“.
وبحسب المجلة،“أرسل ترامب عملاء فيدراليين إلى مدينة بورتلاند بولاية أوريغون ردًا على الاحتجاجات، وهدد بالقيام بالشيء نفسه مع المدن الأخرى، ومع ذلك، كان لاحتجاجات الحركة تأثير كبير، والآن حتى 45 % من الجمهوريين يعترفون بأن السود يُعاملون بشكل مختلف في الولايات المتحدة“.
ورأت أنه مع انخفاض تقدم ترامب في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، يبدو أن الغضب الشعبي قد تجاوز نزعة التضامن والاحتشاد حول العلم.
وتطرقت المجلة إلى ما حدث في إسرائيل، حيث“احتشد المؤيدون حول جهود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لنشر أدوات لجمع المعلومات الاستخباراتية للدولة لتعقب سكانها دون موافقة، وقبل انتشار وباء كورونا كان نتنياهو -على الأرجح- على وشك فقد منصبه، لكنه استغل الأزمة للاستحواذ على سلطات الطوارئ، وسعى فيما بعد من أجل تمرير مشروع قانون جديد لتمديد لوائح الطوارئ، وتم تعليق الكنيست لمنع المعارضة من الاجتماع“.
وعلقت المجلة:“منذ ذلك الحين، قدمت منظمتان للمراقبة التماسًا إلى المحكمة العليا ضد مراقبة هواتف محمول مرضى كورونا، مجادلين أن ذلك ينتهك الحقوق المدنية. ونظم المتظاهرون احتجاجًا على إغلاق الكنيست بالسيارات، وقدم الآلاف شكاوى إلى وزارة العدل ضد ما اعتبروه اعتداء على حقوق الخصوصية، وفي يوليو/ تموز، نزل المتظاهرون إلى الشوارع للمطالبة باستقالة نتنياهو، وكانت الاحتجاجات المستمرة منذ يوليو / تموز تتضمن عشرات الآلاف في نهاية كل أسبوع“.
ونوهت ”فورين بوليسي“ إلى أنه ”ردًا على الاحتجاجات المستمرة، أصدرت حكومة نتنياهو قانونًا يحظر الاحتجاج الجماهيري خلال إغلاق كورونا في البلاد، وتمسك نتنياهو بالسلطة منذ العام 2009، ولكن الاستجابة لسياساته الخاصة بكورونا قد تكون القشة الأخيرة“.
وانتقلت المجلة إلى المجر، وبولندا، حيث“استخدم الرئيسان فيكتور أوربان، وأندريه دودا، قوانين الطوارئ لتعزيز سلطتهما، وبات أوربان يحكم بمرسوم، ما مكنه من سن قوانين دون ضوابط، كما تم تكميم الصحافة، وحُظرت الاحتجاجات بحجة احتواء الوباء، ومن جانبه، استغل دودا هذا الوباء لمنع المعارضة السياسية من تنظيم فعاليات الحملة الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، لكنه استمر في تنظيم حملته الانتخابية الخاصة“.
وقالت إنه“مع ذلك، ومع دعم المجريين للحكومة، حصل أوربان على نسبة تأييد بلغت 74 % في أبريل / نيسان، بعد إعلان قرار الحكم بمرسوم، وظلت النسبة مرتفعة (62%) حتى بعد فرض القيود الصارمة على الصحافة والمجتمع المدني، أما دودا ففاز بحملته الانتخابية“.
واعتبرت ”فورين بوليسي“ أن“محاولات الاستيلاء على السلطة الإضافية في المجر، وبولندا، قد تباطأت بسبب مقاومة المجتمعات المدنية، وبعد انتهاء قرار الحكم بمرسوم في يونيو / حزيران، خرج المجريون إلى الشوارع، وعندما قامت الحكومة بعزل رئيس تحرير (المؤشر)، وهي آخر وسيلة إعلامية مستقلة رئيسة في المجر، اندلعت احتجاجات جديدة“.
وأضافت المجلة الأمريكية ”في بولندا، بعد أن صور دودا المثليين والمتحولين جنسيًا كشياطين خلال حملته الانتخابية، غير الناشطون شكل تماثيل معروفة في وارسو، وطلوها بألوان قوس القزح (رمز التضامن مع المثليين)، وتجمع الآلاف للاحتجاج على اعتقال النشطاء“.
وتطرقت المجلة إلى ما شهدته الصين إذ تم في أوائل العالم الجاري ”إسكات الأطباء، والصحفيين، والناشطين، الذين سعوا إلى لفت الانتباه إلى عدم كفاءة حكومة الرئيس شي جين بينغ الأولية في التصدي لكورونا، والآن، ومع عودة الحياة في الصين إلى طبيعتها تقريبًا، قد يلتف المواطنون حول الحكومة، وتشير استطلاعات الرأي في الصين إلى وجود ثقة قوية في النظام“.
وأضافت:“مع ذلك تبرز أعمال المعارضة في هونغ كونغ، فقد تم حظر الاحتجاجات على أساس مخاوف الصحة العامة، ولكنها أُعيدت في مايو / أيار، عندما قللت التغييرات التي أُدخلت على المجلس التشريعي لهونغ كونغ من الحكم الذاتي، ويواصل سكان هونغ كونغ الاحتجاج ضد الحكومة على الرغم من المخاطر التي تشمل الآن محاكمات سرية في البر الرئيس للصين“.
وبحسب ”فورين بوليسي“، يبدو أن الوباء أتاح فرصًا للقادة السياسيين لتعزيز سيطرتهم على السلطة من خلال اتخاذ تدابير طارئة تهدف إلى مكافحة انتشار الفيروس، وتأتي هذه السلطات مع قيود أقل من المعتاد، ويمكن أن تمتد إلى ما بعد الأزمة التي كان من المقرر أن تديرها.
وقالت:“كان لدى الدول غير الديمقراطية مثل الصين مبرر كافٍ لتكثيف قمعها لحقوق الإنسان والحريات المدنية، وحتى البلدان الديمقراطية مثل إسرائيل، والولايات المتحدة، استخدمت حالات الطوارئ هذه كغطاء للأعمال غير الديمقراطية“.
المصدر: إرم نيوز.