عفرين … تهجير قسري وتتريك وبناء مستوطنات بغطاء جمعيات تدّعي الإنسانية
لم تتوقف جرائم المحتل التركي بالاعتداء على أراضي عفرين وثقافتها وتهجير أبنائها قسراً وارتكاب أبشع الفظائع بحقهم من قتل وخطف واعتقالات وسطو على المنازل ومصادرة الممتلكات، بل وصل بها الحال إلى انتهاك خصوصية المدينة وطمس هويتها باتباع سياسة تغيير ديمغرافي وذلك بغطاء ودعم بعض الجمعيات والمنظمات التي تدّعي الإنسانية.
ومنذ احتلال عفرين، بدأت تركيا بعملية تتريك واسعة فيها عبر إنشاء مؤسسات تركية وفرض اللغة التركية ورفع العلم التركي، وصولاً إلى الأخطر بينها ألا وهو بناء المستوطنات على أراضي عفرين بغية تغيير التركيبة السكانية للمنطقة ذات الغالبية الكردية.
انتهاك للقوانين الدولية
وكان الكرد يشكلون أكثر من 95% من مجموع سكان مدينة عفرين، ولكن هذه النسبة بدأت تقل تدريجياً إلى أن وصلت لأقل من 25% بعد هجوم الاحتلال التركي على المدينة في 20 كانون الثاني عام 2018، نتيجة تعمدها ارتكاب أبشع الجرائم بحقهم عبر مرتزقتها لإجبارهم على الهجرة، وسط صمت دولي على الرغم من وجود قوانين دولية رادعة تنص على أن هذا النهج يعد جريمة حرب ضد الإنسانية.
وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لعام 1998 في المواد (8,7,6) على أن إبعاد السكان أو النقل القسري لهم، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي يشكل جريمة بشعة ضد الإنسانية، كما تؤكد المنظمات الإنسانية أن أي تهجير للأهالي في غياب أي سبب مقنع أو قاهر هو عمل معاد لكل القوانين الدولية يرتقي إلى مرتبة جرائم الحرب التي وجب التصدي لها ومحاسبة مرتكبيها، ولكن في الحالة التي تعيشها عفرين المتميزة بخصوصيتها الكردية تاريخياً، لم تطبق تلك المعاهدات لردع المحتل وإيقاف جرائمه.
ووثقت منظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا خلال أربعة أعوام من الاحتلال، اختطاف أكثر من 8063 مدني، وفقدان أكثر من 655 مدنياً لحياتهم، 90 منهم فقدوا حياتهم تحت العذيب، وجرح أكثر من 696 نتيجة القصف التركي، فضلاً عن تدمير أكثر من 60 موقعاً أثرياً ومزاراً ودور عبادة من قبل مرتزقة الاحتلال التركي، في مسعى لإنهاء كل المعالم التي تشير إلى الكردياتية وربط عفرين بتركيا.
أجندات سياسية إخوانية بغطاء إنساني
وفي إطار تغيير ديمغرافية مدينة عفرين، تعمل جمعيات تشكلت في تركيا وتنشط في المناطق التي تحتلها بالتعاون مع منظمات إخوانية على بناء مستوطنات لتوطين سكان غير أصليين من المكونين التركماني والعربي بالإضافة إلى أسر المرتزقة، فما هي هذه الجمعيات والمنظمات وما دوافعها من تمويل هكذا مشاريع استيطانية في عفرين، في الوقت الذي يعاني فيه المهجرون السوريون داخل المخيمات من ظروف إنسانية مأساوية وبشكل خاص مهجري مخيمات إدلب – الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته – المجاورة لعفرين؟
وتعد الجمعيات الإخوانية القطرية والكويتية والفلسطينية الذراع الأساسي للاحتلال التركي في تمويل وتسهيل عملية بناء المستوطنات على أراضي عفرين، وأبرزها جمعية العيش بكرامة وجمعيتي الأيادي البيضاء والخوذ البيضاء بالإضافة إلى الجمعية التعاونية، وجمعيتي البيان القطرية – التركية، وعطاء بلا حدود القطرية.
وتشكلت جمعية الأيادي البيضاء ذات التوجه الإخواني، من قبل تركيا وأدخل إلى إدارتها بعض السوريين للتغطية على أهداف الاحتلال، فهذه الجمعية حصلت على الترخيص للعمل في تركيا وأنشئ لها مكتب في مدينة اسطنبـول بتاريخ 27/02/2013، تحت اسم BEYAZ ELLER YARDIMLAŞMA DERNEĞ، وفي 24/09/2014 حصلت على ترخيص لمكتب أنطاكيا، المعني بتنفيذ السياسات التركية في مناطق الشمال السوري المحتل من قبل تركيا ومرتزقتها.
وتعمل هذه الجمعية حالياً على بناء مساجد في عفرين وخصوصاً في القرى الإيزيدية في عفرين، وذلك بهدف تهجير الإيزيديين ونقل مستوطنين إلى قراهم، ويتم العمل على هذا المخطط تحت اسم “مشروع نور الهدى لبناء المساجد”.
وتنفذ هذه الجمعية السياسات التركية عبر الدعم الذي تحصل عليه من جمعيات كويتية، وافتتحت مدرسة في قرية شوربة في ناحية موباتا بالتعاون مع جمعية ما تسمى القلوب البيضاء حول العالم من دولة مصر العربية، وكذلك افتتحت مدرسة شرعية في منطقة جندريسه بريف عفرين، إلى جانب قرية بسمة الاستيطانية في قرية شاديريه بريف عفرين.
وحالياً، تعمل ما تسمى جمعية “الأيادي البيضاء” لفتح مدرسة باسم “الإمام الخطيب” في ناحية جندريسه.
وتسمى مدارس الإمام الخطيب أيضاً باسم “ثانوية إمام خطيب”، وهي مؤسسة رسمية للتعليم الثانوي في تركيا (والتعليم الإعدادي) تعمل على تخريج أئمة وموظفين حكوميين للعمل في المساجد والإدارات الدينية، وهي امتداد للتعليم الديني في دولة الخلافة العثمانية.
وتعمل مدارس إمام خطيب تحت “الإدارة العامة للتربية الدينية” (بالتركية: Din Eğitimi Genel Müdürlüğü) التابعة “لوزارة التربية الوطنية” (بالتركية: Milli Eğitim Bakanlığı) في تركيا، وتُعتبر مدارس إمام خطيب من الناحية الرسمية “مدارس مهنية”، ولكن نتائج بعض البحوث كشفت أن النظرة السائدة في المجتمع التركي لها هي “أنها مؤسسات تعليمية مُدعمة بالثقافة الدينية” وليست “مدارس مهنية”.
أما جمعية الدفاع المدني السوري أو ما يعرف بـ “الخوذ البيضاء”، فهي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي، وتأسست في عام 2013 أيضاً.
وبالنسبة لجمعية “العيش بكرامة” لأهالي فلسطين 48، فهذه الجمعية أيضاً تأسست عام 2013 في تركيا بدعم من جهات كويتية وفلسطينية، هدفها توطين أكثر من 600 أسرة فلسطينية في مجمعات سكنية تعمل على بنائها في قرى تابعة لمدينة عفرين.
كما قدمت هذه الجمعية الدعم لمنظمات مؤسسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية لبناء 7 قرى استيطانية بغية توطين أسر المرتزقة الموالين لأنقرة في مستوطنات تتوزع على جبل الشيخ محمد شمالي بلدة كفر صفرة، جنديرس، جبل شوتي، طريق جبل قازقلي شمالي بلدة كفر صفرة، شيه، قرية حج حسنا وشيروا.
وأيضاً هناك منظمة ما تسمى “وطن”، وهي تأسست رسمياً في تركيا عام 2012 ويتولى إدارتها سوريون وأتراك، ولكن يعود عملها إلى ما قبل ذلك وتحديداً عام 2006، وهي الأخرى تعمل على مشاريع الاستيطان وبناء الجوامع والمدارس، وإدخال السوريين لإدارتها ما هي إلا سياسة تركية لإضفاء الطابع السوري عليها وإضفاء الشرعية لعمليات التتريك الحاصلة في عفرين.
وأيضاً، هناك منظمات تم إنشاؤها في الداخل السوري، ويتم استغلالها من قبل تركيا لتنفيذ سياساتها، ومنها ما تسمى “منظمة الأمين”، التي افتتحت في تشرين الثاني المنصرم، مدرسة باسم “الشهيد محمد أمين” في ناحية راجو.
وتقول المنظمة أنها سمت نفسها على اسم الشاب “أمين حرصوني” الذي قتل برصاص قوات حكومة دمشق في مدينة أريحا جنوبي إدلب، ولكن هذه المنظمة تنشط في عفرين وليس في المدينة التي ينحدر منها الشاب وقتل فيها عام 2012 والخاضعة حالياً لسيطرة تركيا والمجموعات الموالية لها.
أما عن الجهود القطرية، فكانت قد اتخذت موقفاً داعماً منذ البداية لأنقرة خلال شن هجومها على مدينة عفرين عام 2018، واستمرت في دعم خطط الاستيطان عبر نشاط الجمعيات الإخوانيّة “البيان، وعطاء بلا حدود” الممولتان للمشاريع الاستيطانية.
المستوطنات ومناطق توزعها
وبدأ المحتل أولى مشاريعه الاستيطانية في منتصف تشرين الثاني لعام 2018، بعد الإعلان عن تشكيل جمعيةٍ تعاونيّة من مستوطني الغوطة، إذ أنشئت مستوطنة باسم “القرية الشامية” نسبة لمرتزقة الجبهة الشامية، وذلك شرق مدينة عفرين المحتلة، على السفوح الجبلية غرب بلدة مريمين غرب مدينة عفرين، وموّل المشروع من قبل جمعيات إخوانية خليجية.
وتكفلت جمعية “البيان” القطرية – التركية، بإنشاء مستوطنة في قرية آفرازة بناحية موباتا بريف عفرين، في الساحة التي كانت تقام عليها احتفاليات عيد نوروز، أما بالنسبة للقاطنين فتم تحويل سكان المخيمات العشوائية في منطقة سهل كتخ إليها.
وفي 24 أيلول 2020، أقدمت سلطات الاحتلال التركي بدعم منظمة “الخوذ البيضاء” للاستيلاء على محاضر السكان الأصليين في حي الأشرفية العائدة ملكيتها إلى كل من محمود كلش وحنان ناصر ومحمد علي من أهالي قرية قيبار، وذلك لإنشاء مخيم لأسر المرتزقة فيها.
فيما لم تسلم القرى الإيزيدية أيضاً من مشروع الاحتلال التركي، إذ بدأ في الـ 12 من تشرين الثاني لعام 2020 بالعمل على إنشاء مستوطنة تضم 70 وحدة سكنية باسم “مخيم التعاون”، وأشرفت على بنائه سلطات الاحتلال التركي ومولته جمعيات قطرية وكويتية إخوانية، وتقديم مبلغ مالي قدره 200 ألف دولار أميركي للمستوطنين في تلك الوحدات السكنية.
وفي 27 كانون الثاني لعام 2021، قام الاحتلال في ناحية شيه وراجو، بدعم وتمويل مرتزقة “السلطان سليمان شاه” والمعروف بالعمشات، وذلك لإنشاء ثلاث مجمعات استيطانية على طول الشريط الحدودي الممتد من قرية جقلا وسهل قرية شاديا في ناحية راجو، لتوطين 300 أسرة من أسر المرتزقة الذين قاتلوا في ليبيا.
بالإضافة إلى إنشاء شقق سكنية على ضفاف نهر عفرين في مركز المدينة في الـ 4 من كانون الثاني لعام 2021 بدعم وتمويل من قبل منظمات إغاثية.
وفي 2 نيسان لعام 2021، أعلن ما يعرف بـ “المنتدى السوري” الذي يرأسه غسان هيتو الرئيس الأسبق لما يسمى حكومة الائتلاف المؤقتة أن مؤسسة تسمى “الإحسان للإغاثة والتنمية” التي يرأسها براء الصمودي، قد بدأت بتنفيذ مشروع بناء 247 وحدة سكنية استيطانية في منطقة جبلية تعرف باسم “جايي شاوتي” قرب جبل قازقلي بمحيط قرية كفرصفرة في ناحية جندريسه لإقامة المشروع، ويهدف المشروع لبناء نموذج قرية استيطانية في موقع جبلي بقرب قرية “حج حسنا”، بعد قطع الأشجار فيه.
ويذكر أن “المنتدى السوري، ومؤسسة الإحسان للإغاثة والتنمية” منظمتان متعاونتان وعلى علاقة وثيقة بالاحتلال التركي ولهما مكاتب في تركيا.
ومن أغرب حالات الاستيطان توطين فلسطينيين في عفرين، حيث أقدمت جمعية “العيش بكرامة لأهالي فلسطين 48″، على إنشاء مستوطنة تضم 99 وحدة سكنية تحت اسم “بسمة” في قرية شاديريه الإيزيدية في ناحية شيراوا لتوطين الأسر الفلسطينية الذين جلبتهم تركيا من مخيمات الفلسطينيين في سوريا منها مخيم اليرموك.
وبين بلدتي قيبار والخالدية بناحية شيراوا، أنشأت جمعية ما تسمى “شام الخيرية” وهي جمعية كويتية – فلسطينية، بمشاركة بعض المنظمات التركية العاملة في الشمال السوري على بناء قرية استيطانية تحت مسمى “كويت الرحمة”.
كما عمد الاحتلال التركي على توطين الأسر التركمانية على طول الشريط الحدودي الممتد من ناحية شرا وحتى بلبله، ومن ناحية جندريسه وحتى ناحية راجو، وإنشاء عشرات المستوطنات.
حيث تم بناء مستوطنات في (قرية محمدية ودير بلوط في ناحية جندريسه، بالإضافة إلى إنشاء وحدات استيطانية فوق تل ناحية جندريسه الأثري وقرب قرية يلانقوز وقرية جلمة وديوان تحتاني وقولكه وإيسكا) وتشرف عليها جمعية “آفاد” التركية حيث تقدم جميع الدعم المالي للمستوطنين.
وفي 29 آذار الماضي من العام الجاري، افتتحت ما تسمى جمعية “الأيادي البيضاء” مستوطنة قرية “بسمة” استكمالاً للمرحلة الثانية من بناء المستوطنات، علماً بأن المستوطنة تم بناؤها على أرض زراعية مستولى عليها وتعود ملكيتها إلى المواطن (ز. خ) من أهالي شاديرة، وتقدر مساحتها بـ 10000 م٢.
أما بالنسبة لجمعية عطاء بلا حدود القطرية فهي تسعى إلى تشجيع العوائل على التوطن ضمن المستوطنات التي أنشأها الاحتلال التركي بدعم الجمعيات الإخوانية من خلال تقديم مبالغ مالية لهم.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد تم توطين أكثر من 270 ألف نسمة من أسر مرتزقة الاحتلال التركي، والمهجرين والنازحين من أرياف دمشق وحماة وحمص وإدلب وغرب حلب في إطار صفقات بين تركيا وروسيا، ضمن منازل وممتلكات أهالي منطقة عفرين، وفي مخيمات أنشئت قرب مدينة عفرين، (قرية محمدية – جنديرس، قرية آفراز- موباتا، راجو، بلبله، قرية كفرجنة، قرية ديرصوان، ومناطق أخرى في المدينة).
المصدر: ANHA.