عبد الوهاب خليل: نحو شرقٍ جديد
تعتبر منطقة الشرق الأوسط بشكلها العام من أكثر المناطق احتداماً وتصارعاً بين قوى ومحاور تحاول دوماً فرض استراتيجياتها بأذرع الوكلاء الذين تسند لهم مهام التحرك التكتيكي، والتي تؤثر بدورها على كافة مناطق تواجد وكلاء القوى المتصارعة..
نعم، إنه صراع المحاور الثلاثة، القديم المتجدد، محور الهلال الشيعي الممتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن مؤخراً، ومشروع الميثاق الملي المتمثل بمجمل الأطماع العثمانية الحديثة، وبالمقابل يبقى مشروع الشرق الأوسط الجديد يبرز ملامحه بوضوح أكثر وبشكل خاص بعدما بدأ الصراع الإسرائيلي مع حماس، ليمتد فيما بعد إلى لبنان، لتنذر بحروب ستكون طويلة الأمد تزداد حدتها في بعض الأماكن..
ستعمل إسرائيل والولايات المتحدة على فرض سياسة جديدة في المنطقة، ولربما نقيضة لسياساتها سابقاً، فبعد أن كانت تركيا وإيران أدوات لها، وعملت من خلالهما على خلق التناقضات التي كانت تحفظ الوجود الأمريكي والإسرائيلي، ستعمل على تقليص دورهما في الشرق الأوسط، من خلال قص وتقليم الأذرع التابعة لإيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان..
تجلى ذلك بوضوح بعد أن تطور الصراع الإسرائيلي ودخل في مراحل ومنعطفات أخرى تمثلت في استهداف قادة حماس وحزب الله والعمل على تقليم أظافر الحزب وجعله يعمل سياسياً وفق الإملاءات التي يتم فرضها وضمن مساحة ضيقة.. وبالنظر وإلقاء الضوء على الملف السوري الذي يعاني من تداخلات وأزمات موجودة، فإن هذا الصراع سيعطي للصراع الموجود أبعاداً أخرى، كنتيجة حتمية لتداخل القوى أصحاب المحاور والتي تتصارع بأذرع تقودها حسب أجنداتها الخاصة..
نجح النظام السوري، إلى حد ما، في إبعاد كرة النار التي كانت مخططة له من قبل إسرائيل، واستطاع تجنب الحرب المباشرة بفضل الروس الذين كانت لهم اليد في جعل هذا النظام ينأى بنفسه عن هذا الصراع، وبالتالي كان حزب الله هو الهدف الثاني بعد حماس، لكن بالرغم ذلك، تبقى المواقع المخصصة لتواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا من أكثر المناطق خطورة وتعيش على صفيحٍ ساخن وباتت بدون شك ضمن الأهداف المرسومة لإسرائيل.
وإذا ما حاولنا التعمق في مناطق شمال شرق سوريا، فإننا سنستخلص عدة تحديات تعصف بها، كالخطورة المحتملة نتيجة لتواجد مواقع للميليشيات الإيرانية في بعض المناطق من دير الزور واحتمال قيامها بهجمات على مواقع أمريكية مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية، وأيضاً خطر تركيا ومحاولتها الدائمة استغلال الظروف والوقائع خدمة لأغراضها وأهدافها التوسعية، كاحتمالية قيامها بهجمات على مناطق شمال شرق سوريا مستغلةً انشغال الجميع، فضلاً عن خطر إعادة إحياء تنظيم “داعش” في المنطقة واستغلاله للفوضى الأمنية، يُضاف إلى ذلك أن موجة النزوح الجديدة للاجئين إلى هذه المناطق ستزيد الأوضاع الخدمية والاقتصادية سوءاً.
إن جملة هذه التحديات تتطلب من الجميع فهم معادلة التغيير والأبعاد التي ستنتج عنها، وبالتالي فإن القدرة على التطوير والخروج من النطاق المحدد، سيكون لها الاثر الإيجابي في تقبل الرياح المرافقة للخرائط الجديدة.