الإعلامُ يبني، والإعلامُ يهدم.. أداةٌ في غايةِ الأهميّةِ والفعاليةِ إن أُحسنَ استثمارهُ واستخدامهُ في الغرضِ المراد. يمكنهُ أن يبني أوطاناً؛ مجتمعاتٍ؛ أفراداً؛ أنظمةً؛ ثوراتٍ، ويمكنهُ أيضاً تدميرها، والأمرُ متوقّفٌ على شروطٍ لابدَّ من توافرها في الفعلِ الإعلاميِّ حتى يؤدي دورهُ بالصورةِ المرجوّة. وما يهمنا من بين هذه الشروط هو المثلث الذي يتمثّل في: الدعم. الكفاءة. الرسالة.
أولاً: الدعم: لا يُتوقّع من إعلامٍ ما نجاحاً باهراً وقدرةً كبيرةً على التأثير والإقناع، ما لم يتلقّ دعماً مادياً مساوياً للنتيجةِ المنتَظرة، فحجمُ الدعمِ الماديِّ للعملِ الإعلاميِّ يحدّدُ درجةَ فاعلية هذا العمل وقوته وقدرته على التأثير وتشكيل الرأي. إن ضآلةَ الدعم المادي تُنتج إعلاماً رديئاً نائماً يراوحُ في مكانه. الدعمُ هنا يعني التنشيط، الاستيقاظ، الحركة.
ثانياً: الكفاءة: لا يُتوقّع من إعلامٍ ما نجاحاً باهراً وقدرةً كبيرةً على التأثير والإقناع، ما لم يكن العاملينَ فيه من ذوي الكفاءة والمهنية والخبرة والمعرفة الأكاديمية، وهي أمورٌ إن وُجدت استقامَ العملُ الإعلامي وإن غابت انحرفَ وضلَّ طريقهُ، فالمهنيّةُ وعيُّ ثاقبٌ قادرٌ على رؤيةِ الهدفِ بوضوح والعمل لأجلهِ بذكاءٍ وحنكة. إن غياب الكفاءة/ المهنية في العملِ الإعلاميِّ يعني مثالاً تسليم قيادةِ السيّارة إلى شخصٍ يعاني من ضعفٍ في النظر، والنتيجةُ: قد نصل سالمينَ وقد لا نصل.
ثالثاً: الرسالة: لا يُتوقّع من إعلامٍ ما نجاحاً باهراً وقدرةً كبيرةً على التأثير والإقناع، ما لم يتمكّن من إيصالِ الرسالة المرادة بصورةٍ حرفيّةٍ، منطقيّةٍ، مرنةٍ، بعيدةٍ عن التشنّج والانفعال والفوضويّة.. الرسالةُ لا تصل بمجردِ وضعها ككمٍ من البيانات أو المعلومات في قالبٍ إخباريٍّ ما لعرضها على الشاشة، وإنما من خلال الكيفية التي تشمل الطريقة والأسلوب واللغة المستخدمة في الطرح.. الرسالةُ لا تحتاجُ إلى من ينشرها كيفما اتفق، وإنما إلى من يحملها ويعرضها بدرجةٍ عاليّةٍ من المسؤوليّةِ والمهنيّةِ والمصداقيّة واليقظةِ والحذر.. الرسالةُ لها رُسلها، ومن دونِ هؤلاء الرُسل، فإنها لن تصلَ بأمانٍ إلى الوجهة المطلوبة.
إن الإعلام باتَ من الأهميّةِ والخطورةِ ما يجعلهُ شريكاً فعّالاً في نجاحِ أو فشلِ أيِّ مشروع كان، وبدونِ هذا الشريك أو بدونِ إعطاءه الاهتمام اللازم، يفقدُ المشروعُ أحدَ أهم أركان نجاحه، وليست المسألة مسألة طرحٍ وترويجٍ للمشروع فحسب، وإنما المسألة تكمن في آليةِ الطرح وكيفية إقناع المتلقي أو المستهدف بالمشروع المطروح، وهذا الإقناع كما أسلفنا يتطلّب دعماً جاداً ومهنيّةً متمرّسةً لها أصحابها من ذوي الكفاءةِ والخبرةِ والمعرفة الأكاديمية.
لا ينبغي أن يغيبَ عن البالِ أن المتابعَ/ المتلقّي لم يعد ذلكَ الفرد الذي يستقي معلوماته وأخباره من مصدرٍ إعلاميٍّ واحد، فأمامه آلاف المصادر والوسائل التي تتنافس فيما بينها بذكاءٍ حادٍ لاجتذاب المتابعين، الأمر الذي يدفعُ هذه الوسائل إلى تخصيص ميزانيات ضخمة وتوظيف كفاءات رفيعةٍ في سبيل البروز واللمعان، فالقاعدة البسيطة في هذا الشأن تقول: «مَن يقدّم أكثر يجتذب كفاءات أكثر وتالياً يمتلك القدرة على التأثير أكثر».. يُضاف إلى ذلك، أن كثرة الوسائل الإعلاميّة الناطقة باسم الهدف ذاته، لا تعدّ مقياساً للنجاح، إلا إذا كانت على درجة عالية من الدعم والكفاءة، فوسيلةٌ إعلاميّةٌ واحدةٌ “يقظة” قد تكون خيراً من ألف وسيلةٍ “نائمة”.