مقالات

طلال محمد: فشل اللقاء التركي-الإسرائيلي في أذربيجان: تصدّعٌ في مسار التطبيع أم احتكاك في ساحات النفوذ؟

في خطوة تعكس التوتر الكامن في العلاقات الثنائية، فشلت الجولة الأولى من المحادثات “الفنية” بين وفدي تركيا وإسرائيل، والتي عُقدت مؤخراً في العاصمة الأذربيجانية باكو، في التوصل إلى تفاهم بشأن آلية لتفادي التصادم العسكري بين الطرفين في الساحة السورية. وعلى الرغم من وصف اللقاء بأنه تقني بحت، إلا أن تفاصيله وظروفه تشير إلى ما هو أبعد من نقاشات فنية، وتكشف عن تصدعات أعمق في مسار التطبيع الذي شهد بعض الحيوية خلال السنوات الأخيرة.

أحد أبرز مؤشرات التوتر تمثّل في رفض أنقرة عبور الطائرة العسكرية الإسرائيلية لأجوائها خلال توجه الوفد إلى باكو، ما أجبر الطائرة على اتخاذ مسار بديل عبر البحر الأسود. ورغم أن هذا الإجراء قد يُفسّر فنياً أو لوجستياً، فإنه يحمل دلالة سياسية لا يمكن تجاهلها، خاصة في ظل حساسية المرحلة وتعقيد الملفات بين الجانبين.

الملف السوري شكّل المحور الرئيس للمباحثات، إذ تسعى إسرائيل إلى تنسيق أمني يمنع حدوث اشتباك مباشر مع القوات التركية، أو أي تأثير على عملياتها الجوية التي تستهدف مواقع مرتبطة بإيران وحزب الله. في المقابل، شددت أنقرة على موقفها المبدئي الرافض لأي انتهاك لوحدة الأراضي السورية، مشيرة بوضوح إلى أن “الاعتداءات الإسرائيلية يجب أن تتوقف فوراً”، في موقف يعكس التقاءً نادراً مع الخطاب الإيراني والروسي في هذا الشأن.

اختيار أذربيجان لاستضافة اللقاء لم يكن مجرد صدفة. فباكو تحتفظ بعلاقات استراتيجية قوية مع كل من أنقرة وتل أبيب، ما يجعلها مؤهلة للعب دور الوسيط في ملفات معقدة. إلا أن فشل اللقاء قد يدفعها لإعادة النظر في دورها، في ظل ما قد يسببه هذا الفشل من حرج سياسي أو تداعيات غير مرغوبة في سياستها الخارجية المتوازنة.

من غير المرجّح أن يؤدي هذا الإخفاق إلى قطيعة دبلوماسية أو تراجع جذري في العلاقات، لكن من الواضح أن مسار التطبيع بين تركيا وإسرائيل يواجه عوائق حقيقية تتجاوز الخلافات التقنية، وتمس عمق السياسات الإقليمية والمواقف المبدئية من قضايا محورية. وبحسب مصادر إعلامية، من المرتقب أن تُستأنف جولات التفاوض بعد انتهاء عطلة عيد الفصح اليهودي، لكن فرص تحقيق تقدم ملموس ستظل مرهونة بحلحلة العُقد الأعمق.

يؤكد فشل لقاء باكو أن المنطقة لا تزال رهينة لتحالفات قلقة ومعادلات متحركة. فالعلاقة بين أنقرة وتل أبيب محكومة بحقول ألغام سياسية وأمنية، لا يمكن تفكيكها بسهولة، خصوصاً في ظل تزايد التقاطع في الملفات الإقليمية، من سوريا إلى العراق، ومن البحر المتوسط إلى القوقاز. وبينما تسعى القوى الإقليمية إلى إعادة التموضع، ستظل ساحات النزاع، وعلى رأسها سوريا، ميداناً مفتوحاً لصراع النفوذ وتوازنات الردع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى