بعد أيامٍ قليلةٍ من طرحهِ، أقرّت لجنةُ العلاقاتِ الخارجيّةِ في مجلسِ النوابِ الأمريكيِّ، بأغلبيةٍ ساحقةٍ، مشروع “قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد، وهو إجراءٌ يستغرقُ عادةً بضعةَ أشهرٍ لا بضعةَ أيام، ما يوحي صراحةً إلى استعجالٍ أمريكيٍّ في مراحلَ التصويتِ والتصديقِ عليه ومن ثم تنفيذهِ..
يُفترضُ أن يُنقلَ المشروعُ بعد أن تم إقراره من قبلِ لجنة العلاقاتِ الخارجيّة، إلى مجلسِ النوابِ كاملاً للتصويتِ عليه، وفي حال وافقَ عليه المجلس، سيُطرح على لجنةِ العلاقات الخارجيّة في مجلسِ الشيوخ، ثم يمرّر بعدها للتصويتِ من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، وفي حال حصلَ على الأصواتِ المطلوبة، سيُنقل إلى الرئيس “جو بايدن” للتوقيعِ عليه، ليُصبح نافذاً.
المشروعُ الذي طُرحَ أساساً من قبل نوابٍ أمريكيين وبجهودِ التحالف الأميركيّ لأجل سوريا، يتضمّن بنوداً عدّة، ينصُّ البندُ الأساسيُّ فيه على حظرِ الاعترافِ بالأسد أو تطبيعِ العلاقاتِ مع أيّ حكومةٍ يرأسها، وتطبيق قانون قيصر لردعِ نشاطاتِ إعادة الإعمار في المناطق التي تخضعُ لسيطرةِ النظام.
فماذا نفهمُ من هذا المشروع وما هي دلالاته؟ ..يبدو واضحاً أن هذا الإجراء يشكّلُ تأكيداً جديداً على أن الولايات المتحدة الأميركية لن تتردّدَ باتخاذِ أي خطوةٍ في سبيلِ محاسبة النظام السوري، وأن معاقبةَ هذا النظام أمرٌ محسومٌ لدى واشنطن، والمسألة ليست سوى مسألةَ وقت، كما أنه يعدُّ خطوةً حاسمةً في معالجةِ الاتجاه العربيِّ والإقليميِّ للتطبيعِ مع النظامِ السوري، إذ إن السرعةَ غير المسبوقةِ في طرحِ مشروع القانون، للتصويتِ عليه، جاءت بالتزامنِ مع القمةِ العربية، لإيصال رسالةٍ “للمطبعين” مفادها أن عقوباتٍ أميركيّةٍ تنتظرُ من يريد التطبيعَ مع الأسد.
فضلاً عن ذلك، فإنه في حال دخلَ القانونُ حيّزَ التنفيذ، فإن ذلك قد يدفعُ الدول العربية للضغطِ على الأسد بهدفِ تقديم تنازلاتٍ جديةٍ في مسار الحل السياسي، ما يعني بصورةٍ أو أخرى، أن المرحلةَ القادمة ستكونُ صعبةً على النظامِ السوري، لاسيما وأن هذا القانون يعدُّ الأقوى والأهم من نوعه، إذ يشملُ كلَّ القطاعاتِ التي يمكنُ أن يعملَ فيها نظامُ الأسد أو يستفيدَ منها، من بينها الخطوط الجوية السورية.
لاريبَ أن مشروعَ القانون الأميركي الجديد، سيشكّلُ عمليةَ خنقٍ جديدةٍ للنظام ومسؤوليه، خصوصاً وأنه جاءَ بعد قانونِ مكافحة المخدّرات التي يديرها النظامُ السوري، الذي وقّعَ عليه “جو بايدن” ضمن ميزانيةِ الدفاع الأمريكية عن السنة المالية لعام 2023، والذي يهدفُ بحسبِ بنودهِ إلى تعطيلِ وتفكيكِ شبكات إنتاج المخدّرات المرتبطة بالنظام السوري..
فهذا القانونُ إذا طُبّق بشكلٍ جديٍّ، فإنه قد ينجحُ في تفكيكِ تجارة الكبتاغون التي تدرُ على النظام مليارات الدولارات التي يستخدمها في دعمِ آلة القتل والتعذيب ضدَّ الشعب السوري، فضلاً عن أنه قد يعطي للولايات المتحدة والتحالف الدولي الحقَّ في توسيعِ دائرة عملياتها ومراقبة الحدود، والقيام بمختلف الأعمال الاستخبارية والتجسسية، واستهداف البنى التحتية لصناعة المخدرات في سوريا.
لقد باتَ النظام السوري الآن محاصراً بين ثلاثةِ مخالبَ أميركية، وهي (قانون قيصر- قانون مكافحة الكبتاغون- قانون محاربة التطبيع)، ما يعني أن المرحلةَ المقبلة لن تكون ورديةً للنظام كما يتوقّع البعضُ ممن يبتهجونَ لعودةِ الأسدِ إلى الجامعة العربية، كما أنها لن تكون ورديةً أيضاً للشعب السوري الذي عادةً ما يدفعُ جزءاً كبيراً من ضريبة العقوبات.