من دون شك فإن دول الرأسمالية الصناعية مسؤولة عن أنين الطبيعة الحالي والماضي. عن وجعها بعد كل هذا الهجوم الوحشي عليها بهدف الربح، ولا شيء دون الربح ومهما بلغ حجم الاستنزاف بمقدراتها. والجائحة كورونا كشفت هذه الدول مرة أخرى متلبِّسة في حكم الجناية. رغم ذلك فإن الطبيعة بما تمتاز من صبر قالت لكل هؤلاء: كفى، مؤكدة بأنها وحدها السيدة، وبأن البشر خدم هذه الطبيعة وجزء منها حتى يضمنوا بقائهم ودوام استمرارهم. ويجب أن يتقنوا بأن أفضل تصنيف لهم في حضرة وجودة السيدة الطبيعة: أنهم ليسو سادة للطبيعة بالرغم من التغول البشري في تخريبها. وهذا يحيلنا إلى أن أفضل مراحل البشرية في المجتمع الطبيعي، وبأن عودة الإنسان مرغماً أو مقتنعاً إلى الصيغة المتطورة العصرانية للمجتمع الطبيعي مسألة حتمية؛ رغم أنها قد تطول. أما الدرس الأبرز فيكمن في مفصلية الربط المحكم لمصير البشرية بالوعي الإنساني ووحدة خياراته. فإن أحداً مهما يكن ومهما امتلك من أسلحة وقوة تدمير لا يملك الحق في التحرك المنفرد بمعزل عن النوع البشري؛ فالبشرية جمعاء تتحمل أفعال بشر بعينه ووحده. بخاصة إذا أدركنا بأن الحق في معركة البشر هو ديمومة البحث في الديمقراطية. الديمقراطية هي الحل، وحل كل الأزمات مكمن في الديمقراطية وحدها. وأفضل الديمقراطيات التي لم نعرفها بعد؛ لعلها ديمقراطية القبول: الكل يقبل الكل كما هو؛ كما يريد أن يعيش كجزء في الكل وينال القسط الكافي من خصلة الخصوصية. حال تحقق ذلك؛ فإن قضية الانتماء تتحقق بكليتها.
لعل الثلث الأخير من 2020 أو ربعه المنقضية قد أماط اللثام عن تّلّبُّكِ الغالبية العظمى للأنظمة في مشرقنا الأوسط؛ فكان عنوان سياساتها نحو استبداد شعوبها وفي الوقت نفسه بإعلان سياسة الحرب على الأنظمة الأخرى من دول خرائط سايكس- بيكو- سازانوف، واتجاهها. وهذا مردّه لسببين: بأنها طرفية في نظام الهيمنة العالمي، وحينما يعاني مركز النظام فإن الأطراف تهتز أيضاً، أما القوى الحاكمة في نظام الهيمنة المتداعي وبسبب طبيعته الشعبوية المتوحشة فقد تعرض لاستعصاءات بسبب العولمة التي تقدمت بسرعة أكبر والاضطرابات الكبيرة التي حدثت في النظام نفسه: في الاقتصاد، المال، السياسة، والدفاع. أما الجائحة كورونا كمرض فتاك اقتحم ما يزال يقتحم كل البيوت في القارات الخمس؛ فإن له الدور الوظيفي أيضاً الذي ينبأ بانتقال في نظام الهيمنة من مرحلة القطب الواحد إلى متعدد الأقطاب. وبسبب قوة التدمير الكلي لهذا الفيروس غير المرئي؛ وأكثر المتضررين هو مفصلية الاجتماع البشري حين اقرار الجميع بمسألة شديدة الدوغما (التباعد الاجتماعي)؛ فإن اعلان أننا نعيش في أتون الحرب العالمية الثالثة مركزها المشرق الأوسط يعد بمثابة اعتراف بالحقيقة. لا أكثر ولا أقل. لعلها حرب كونية من نوع خاص سوى أن النتائج المتحصلة باتت أكثر من عينها بالمقارنة مع مثيلاتها من الحربين العالميين الأولى والثانية. لأجل ذلك يجب التفكير بجدية كبيرة أو التحضير على الأقل بالإجابة عن السؤال: أيَّها التغييرات التي تطرأ؟ وما هو التغيير الذي نحتاجه كبشر أولاً ومواطنين ثانياً؟ شريطة أن تكون الدول هي دول المواطنة الديمقراطية؛ فغيرها مجرد سجن تتألف من آمر السجن: رؤساء الدول الاستبدادية، وحراس السجن: زمرة الاستبداد بمختلف انتماءات مكوِّنيها، وسجناء: مواطنين في دول/ خرائط سايكس بيكو. إننا في حرب عالمية ثالثة ليس وحده السبب في اللا دور/ العجز الكلي لمؤسسات الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية، والاتحاد الأوربي، وجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان، وهذا يذكرنا بشلل عصبة الأمم وضرورة تأسيس الأمم المتحدة؛ إنما أيضاً في ظهور خطاب شديد الكراهية لأشخاص يأملون بعودة إلى الوراء من خلال استدعاء مشاريع ظلماء أكل عليها الدهر وشرب؛ مثاله: العثمانية الجديدة سليلة مرحلة التخلف والاستعباد والإبادات من مرحلة السلطنة العثمانية.
وبناء على مفاعيل المرحلة/ المراحل الماضية فإن سنة 2021 لا تبدو بأنها ستختلف كثيراً عن الآفلة 2020 غير مأسوف عليها. حال ذلك حال كل مرحلة انتقالية تتعرض للتبدلات والتغييرات وتغيير في السياسات؛ بالرغم من أن السنة الجديدة ستتحمل الكثير من الوضوح: عالمياً، إقليمياً؛ وسورياً. أما سوريا وعلى الرغم من حالة التداعي المريبة التي نعيشها كسوريين؛ ليس بسبب وجود خمس جيوش معلنة على ترابها؛ إنما بسبب حالة الحجزين المجتمعي والسياسي لشعب سوريا والأفرقاء السوريين التي تبدو بعمومها حالة مفروضة؛ فإنه يجب من تنمية ثقافة الحوار بهدف إنجاز تفاهمات حقيقية تتحلى بالواقعية بين أطرافها الوطنية الديمقراطية ، ومهيأة للانطلاق الفاعل نحو استعادة ما تم فرضه علينا، وما تم إضاعته.
مطلوب منا جميعاً أقصى درجات الحذر والواقعية، والتحلي الكامل بالمسؤولية، وإظهار التعاون البنّاء، حتى نُقلل حجم التصدع وحالة الانقسام المفروض على سوريا، وأن نتذكر بأن معادلة الحل السوري على طول خط الأزمة السورية أثبتت بأنها تتألف من شقين: محاربة الإرهاب الذي لم يظهر من عدم وصدفة وإنما نما من خلال شقوق وتصدعات، وإحداث التغيير الديمقراطي الجذري الشامل في بنية النظام شديد المركزية. فإن قضية سوريا هي قضية كل المنطقة ومنعكس مهم لها بالمتمثِّلة في القضية الديمقراطية؛ وأهم وأوسع أبوابها نحو شرق ومشرق أوسط آمن ومستقر: حل القضية الكردية. وأن الانتماء السوري يتلمَّسُ بحق تقرير مصير مكوناتها الاثنية القومية والدينية الطائفية بالانتماء إلى سوريا العصرية تقريراً وتفسيراً ديمقراطياً، وبأن سلطة الشعب لنفسه بنفسه لم يعد بالمسألة العابرة إنما هي كل المسألة.
رغم كل المآسي التي مرت في سنة 2020؛ ما يزال عبارة الراحل ونوّس تتردد: محكومون بالأمل.