أخبار

روسيا تصعّد وتركيا تجمع مرتزقتها وأميركا تتابع.. تحضير لمعركة أم لتسوية

صعّدت روسيا هجماتها ضد مرتزقة الاحتلال التركي في سوريا، فما بين الحديث عن عملية عسكرية مرتقبة في إدلب، واستهداف قادة هذه الجماعات في إحدى أكبر القواعد التركية في ريف حلب الغربي، تتوضح معالم مرحلة جديدة للصراع في سوريا. فما هي دلالات هذا التصعيد وما هو ارتباطه بالحراك الإقليمي؟

استهدف الطيران الحربي الروسي مساء الجمعة، جبل الشيخ بركات بناحية دارة عزة، في ريف حلب الغربي على سلسلة جبل ليلون بناحية شيراوا، والتي تتواجد فيها أكبر القواعد العسكرية للاحتلال التركي في المنطقة، وذلك بستة غارات جوية.

وبحسب المصادر، فإن الاستهداف تزامن مع اجتماع بين قيادات مرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً والمصنفة دولياً على لائحة الإرهاب)، ومرتزقة الاحتلال التركي في مركز أبراج الاتصالات الخليوية والانترنت التركي.

ترجمة عملية للقاء بوتين – الأسد

المحلل السياسي سركيس أبو زيد، أشار إلى أن “القصف الروسي جاء ترجمة عملية للقمة التي حصلت بين الأسد وبوتين، وتم التأكيد على دعم دمشق من قبل روسيا بكل الإمكانيات، خاصة أن روسيا اعتبرت أي وجود عسكري في سوريا خارج موافقة الحكومة، هو وجود غير شرعي”.

وأضاف: “تسعى روسيا عبر هذه الغارات لحسم المعارك في هذه المنطقة، من أجل تأكيد وجهة نظرها وإحراج تركيا وأميركا في هذا المجال. هذه الغارات ترجمة عملية للموقف الروسي العلني الذي أعلنته في الأيام المنصرمة”.

ويأتي هذا التصعيد، بعد زيارة بشار الأسد الأخيرة إلى روسيا ولقائه مع فلاديمير بوتين، الذي وبحسب بيان للكرملين، قال إن قوات حكومة دمشق تسيطر على أكثر من 90 في المئة من أراضي البلاد، ولكنه هاجم وجود قوات أجنبية “غير شرعية”.

وتحتل تركيا ما يزيد عن 10 بالمئة من مساحة سوريا، بينما تدير الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا نحو ثلث البلاد، وهي كلها مناطق لا تخضع لسلطة حكومة دمشق.

وعقب لقاء الأسد وبوتين، قالت صحيفة العرب: “بعد أن نجحت قوات حكومة دمشق، وبدعم مباشر من روسيا، في استعادة السيطرة على درعا جنوب البلاد، لم يعد أمام بوتين لتثبيت نظام الأسد، سوى الضغط لإخراج القوات الأجنبية، وخاصة تركيا، التي تسعى لتكريس احتلالها للشمال السوري وجعله أمراً واقعاً”.

وبحسب الصحيفة، فإن روسيا “لا ترى في الوجود الأميركي في شمال وشرق سوريا، بنفس الدرجة من الخطر الاستراتيجي التركي؛ لأن تركيا تخطط لبقاء دائم، تبرره استراتيجية أردوغان الهادفة إلى استعادة مناطق سيطرة الدولة العثمانية على المدى البعيد، وأن تمركز قواتها في سوريا ليس سوى أحد عناصر تلك الاستراتيجية”.

هل ستكون هناك عملية عسكرية في إدلب؟

وبالتزامن مع ذلك، يتزايد الحديث عن عملية عسكرية واسعة تحضّر لها دمشق وروسيا، تستهدف السيطرة على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.

وفي 16 أيلول الجاري، قالت صحيفة الوطن التابعة لدمشق: “تواصلت وتيرة التسخين الميداني شمالاً، وسط أنباء متواترة حول استكمال الجيش السوري استعداداته لشن عملية عسكرية محتملة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي، لطرد الإرهابيين المدعومين من النظام التركي، في حال اتخذت قيادته العسكرية قرار الحرب لاستعادة المنطقة المحتلة. وذلك توازياً مع لقاءات بين مبعوث الرئيس الأميركي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف”.

وأضافت الصحيفة: “في الوقت الذي دفع النظام التركي بأعداد كبيرة من ميليشياته التي يمولها، إلى جبهات ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي جنوب طريق «M4»، يخشى هؤلاء الإرهابيون أن يزجَّ بهم في معركة غير متكافئة مع الجيش السوري وبدعم جوي روسي، أو أن يرغمون على الرحيل إلى شمال الطريق الدولي، تمهيداً لافتتاحه أمام حركة المرور والترانزيت بتفاهمات روسية – أميركية، سيضع خطوطها العريضة اللقاء المقرر بين مبعوثي الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن في جنيف”.

وفي هذا السياق، قال أبو زيد: “تحاول روسيا وسوريا حسم المعركة في منطقة إدلب، حتى لا تتمكن التنظيمات الإرهابية المتواجدة في هذه المنطقة، من تجميع قواها والتحرك في هذا الموضوع. خاصة بأن هناك اتصالات ومفاوضات ربما ستؤدي لتسوية قريبة، لذلك سوف يحاول كل فريق تحسين شروطه قبل طاولة المفاوضات. وهناك مساعٍ روسية – سورية لحسم المعركة في هذه المنطقة، حتى لا يكون هناك أي دور جدّي أو فعلي في التسوية المقبلة من قبل التنظيمات الإرهابية”.

رسالة روسية لأردوغان وتحسين لشروط التفاوض

وقال مسؤولان تركيان، الجمعة، إنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سيزور روسيا في وقت لاحق من هذا الشهر، لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن الأوضاع في شمال غربي سوريا.

وتحدث مسؤول تركي كبير، طلب عدم نشر اسمه، عن المحادثات المزمع عقدها في منتجع سوتشي الروسي قائلاً: “النقطة الرئيسية على جدول الأعمال هي سورية، وبالتحديد إدلب”، مشيراً إلى أنّ “الشروط المنصوص عليها في اتفاق إدلب لم تنفذ بالكامل”.

ويأتي هذا التصعيد، على الرغم من سريان اتفاق لوقف إطلاق النار منذ الخامس من مارس / آذار، عام 2020، إلا أن القصف المتبادل لم يتوقف.

وكانت تركيا قد توصلت لهذا الاتفاق بعد محادثات مع روسيا في موسكو، وجاءت على خلفية تصعيد دمشق لعملياتها العسكرية، واقتحامها وسيطرتها على أجزاء واسعة من جنوبي إدلب.

ويرى أبو زيد أن “هذا التصعيد يأتي كرسالة لأردوغان بالتحديد، الذي سيقوم بزيارة إلى روسيا. لأن روسيا تريد أن تفرض شروطها وإتاحة أن يكون هناك أمر واقع ميداني غير قابل للتفاوض مع أردوغان، وهي توجه هذه الرسائل لأردوغان بأن هذه المواضيع غير قابلة للمساومة أو التسوية. وتطالبه بتنفيذ الاتفاقيات السابقة التي حصلت بين روسيا وتركيا. لذلك هي تريد أن تحافظ على علاقات جيدة مع تركيا ولكن ضمن الشروط الروسية”.

وحول إمكانية شن عملية على إدلب قال أبو زيد: “هذه مرتبطة بموازين القوى وبالموقف الأميركي والتركي، لأن روسيا تريد أن تحسم المعركة في إدلب دون أن يكون هناك تصعيد أو احتكاك مباشر مع تركيا أو مع الولايات المتحدة الأميركية. ثم إن ظروف هذه الحملة مرتبطة بالاتصالات والتحركات التي تحصل مع تركيا والولايات المتحدة الأميركية”.

وتطمح دمشق وروسيا بعد سيطرتها على الجنوب السوري، لاستعادة حركة الترانزيت من تركيا إلى الأردن والخليج العربي، عبر الطريق الدولي الآتي من شمال غرب سوريا، وهو ما يتطلب السيطرة على كامل إدلب.

وفي هذا الإطار، ستكون دمشق ومن ورائها روسيا، أمام عوائق لإعادة الحركة الاقتصادية، من صادرات وواردات وحركة ترانزيت من تركيا حتى الأردن، عبر الأراضي السورية، وصولًا إلى دول الخليج ومصر.

العائق الأول هو السيطرة على المسافة الأطول من الطريق الدولي، والتي تقع بين مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، ومنطقة الراشدين التي تعتبر إحدى ضواحي مدينة حلب الغربية، حيث تستخدم دمشق الآن الطريق الثانوي، والذي بات يعرف بطريق خناصر. إلا أن هذا الطريق الضيق، والذي يعتبر طريقاً زراعياً، لا يمكن الاعتماد عليه لإعادة الزخم للحركة التجارية.

وسيكون العائق الثاني هو تفعيل الحركة التجارية بين مناطق ريف حلب الشمالي (على الحدود التركية) الواقعة تحت سيطرة المرتزقة ومدينة حلب. كما أن معبر أبو الزندين الواقع جنوب مدينة الباب، يُعدُّ مثالياً في حال تم تفعيله للحركة التجارية، كونه يقع على طريق رئيس يربط مدينة الباب بمدينة حلب.

معالم تسوية قادمة وروسيا وتركيا تتحضّر لها

إنهاء ملف درعا والتصعيد الروسي في إدلب وريف حلب الغربي، وزيارة الأسد إلى روسيا واللقاء الأميركي – الروسي في جنيف، والذي لم يعلن عن نتائجه، وما سبق ذلك من حراك ترأسه الملك الأردني، كلها تطورات تشير إلى مرحلة جديدة من الأزمة السورية.

سركيس أبو زيد، قال حول ذلك: “ملف الجنوب هو على طريق الحل، لكنه لم ينتهِ نهائياً. لذلك هناك مساعٍ روسية – سورية لإنهاء كل هذه الملفات، تحضيراً واستعداداً للتسوية القادمة، التي بدأت معالمها تظهر. لذلك هناك اتصالات ربما خارج الإعلام، تجري بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا، لحل الملف السوري بكل أبعاده ووفق الشروط التي تريد روسيا أن تحققها”.

وتابع: “لذلك هي تسعى من دون استفزاز، ومن دون تورط بعمل عسكري مباشر مع تركيا والولايات المتحدة الأميركية، بأن تحسم الوضع على الأرض لمصلحة دمشق، حتى تأتي المفاوضات والتسوية وفق تصورها للحل”.

التحضيرات للمرحلة المقبلة لم تقتصر فقط على روسيا، وإنما على تركيا أيضاً. حيث أعلنت الخميس، خمس مجموعات مرتزقة منتشرة في المناطق التي تحتلها تركيا؛ اندماجها تحت تكتلٍ عسكريٍ جديد باسم “الجبهة السورية للتحرير”. إلى جانب إعلان “غرفة عمليات عزم” قبل ذلك.

وجاءَ الإعلان عقب يوم من زيارةٍ مفاجئة لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، لأول مرة للمناطق المحتلة شمالي سوريا؛ وتحديداً منطقة إعزاز، مجتمعاً بقيادات المجموعات المرتزقة بحسب مصادر محلية.

وفسّر مراقبون تشكيل الجسم المسمى بـ “الجبهة السورية للتحرير” على أنها “خطوةٌ استباقية في مسار العملية التي تسعى إليها تركيا، لدمج مجموعات الشمال السوري مع هيئة تحرير الشام، وتشكيل جسم عسكري موحد في عموم المناطق التي تحتلها تركيا”.

انسحاب أميركي مشروط ومدروس

وأشار أبو زيد إلى أن “كل التحركات التي تجري الآن في سوريا، مرتبطة بما يحكى عن تفاهمات روسية – أميركية. هناك اتصالات واجتماعات وتفاهمات يتم التوافق عليها بين روسيا والولايات المتحدة، لكنها لم تظهر بعد للعلن. لأن هناك رغبة أميركية بالخروج من سوريا، لكنها تريد ترتيب مجموعة من الأوضاع والمصالح والالتزامات، قبل انسحابها نهائياً. لأن الانسحاب الأميركي من العمل الميداني، هو موقف ثابت في السياسة الأميركية الجديدة، التي لا تريد أن تتورط في حروب صغيرة أو كبيرة في مناطق تعتبرها غير أساسية بالنسبة لها. فهي تريد أن تركّز على الملف الصيني، وأن تنسحب من كل الميادين الأخرى التي ترى بأن لا فائدة من تواجدها فيها”.

وبحسب أبو زيد “هي تعتمد سياسة الفوضى البناءة، وسياسة إثارة المشاكل والاضطرابات بين الأطراف المتواجدة، دون أن يكون لها تدخّل مباشر في هذا الموضوع. لذلك أعتقد بأن هناك اتصالات على أعلى المستويات بين روسيا وأميركا، وربما ستقوم روسيا بضمانة بعض المصالح الأميركية الملحة، أو بعض الاعتبارات الأميركية على الأرض، من أجل إنجاح هذه التفاهمات وإنهاء هذه الأمور”.

ورأى أن “الكل ينتظر، لأن لا أحد يعرف جدياً ونهائياً كيف ستكون هذه التفاهمات، ومن سيدفع الثمن. لأنه دائماً عندما يحصل تفاهم بين الكبار لا بد من أن يدفع الثمن الصغار، الذين راهنوا على التناقض الروسي – الأميركي. ربما سيكونون هم المتضررون، لذلك المنطقة ككل تنتظر نتائج هذه التفاهمات، لتبني على أساسه مواقفها ووضعها. ونتائج هذه التفاهمات ستؤثر ربما على موازين القوى في المنطقة ككل”.

الجميع يحاول أن يحسّن شروطه ميدانياً قبل التسوية

إغلاق ملف درعا، جاء بالتزامن مع الموافقة الأميركية على مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر حدود درعا الإدارية.

وعبر توقيع هذا الاتفاق، كسرت حكومة دمشق ولأول مرة العزلة العربية والدولية المفروضة عليها، حيث ظهر وزير الطاقة لديها إلى جانب وزيري الطاقة الأردني والمصري.

وخلال احتدام التصعيد من قبل قوات حكومة دمشق وقوات موالية لإيران، حطّت طائرة الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين في الولايات المتحدة، حيث التقى الرئيس جو بايدن، وأطلق من هناك تصريحات لافتة للانتباه حول بقاء بشار الأسد في الحكم.

وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أن الملك الأردني عبد الله الثاني، عرض على الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، الانضمام إلى فريق عمل يسعى إلى الاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا.

وعقب ذلك، توجه الملك الأردني إلى موسكو، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتحدثا عن تطبيع الأوضاع في سوريا.

وحاول المحلل السياسي سركيس أبو زيد، استقراء مسار الوضع السوري قائلاً: “واضح أن الوضع السوري يسير إلى تسوية سياسية تعمل روسيا على تنضيجها مع بعض أطراف المعارضة ومع القوى الإقليمية المعنية، لا سيما تركيا والولايات المتحدة الأميركية، لذلك بشكل عام تسير الأمور إلى تسوية سياسية لم تظهر ملامحها بعد، ولكن كل فريق يحاول أن يحسّن شروطه ميدانياً، حتى يكون له حصة ودور في التسوية القادمة”.

وقال مختتماً حديثه: “عندما تتوضح معالم التفاهمات الأميركية – الروسية، يتم الانتقال إلى المرحلة المقبلة التالية، وهي إيجاد المناخ الإقليمي المؤاتي، ومن ثم إنضاج التسوية الداخلية بين الأطراف المتنازعة، من أجل رسم معالم المرحلة المقبلة في سوريا والمنطقة”.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى