ربع قرن على اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا
بعد مضي ربع قرن على توقيع اتفاقية أضنة بين سوريا ودولة الاحتلال التركي، لا تزال المنطقة تعاني من الآثار المدمرة لهذه الاتفاقية التي شكّلت إحدى المحطات المفصلية في تاريخ سوريا والشرق الأوسط، ووصفها القائد عبد الله أوجلان بالمؤامرة الدولية.
جرى توقيع اتفاقية بين دولة الاحتلال التركي والدولة السورية في مدينة أضنة التركية، في الـ 20 من تشرين الأول عام 1998، بعد أيام فقط على مغادرة القائد عبد الله أوجلان لسوريا في الـ 9 من الشهر ذاته.
ساهمت مصر بقيادة حسني مبارك والولايات المتحدة في عهد بيل كلينتون وكذلك إيران في توقيع اتفاقية أضنة. وذكرت السلطات التركية حينها “لولا وساطة مبارك وخرازي (كمال خرازي وزير الخارجية الإيرانية في ذلك الوقت) لكانت تركيا ستخوض حرباً مع سوريا”، ووصف القائد عبد الله أوجلان تلك المرحلة بالمؤامرة الدولية.
وأثبتت المستجدات التي تبعت اتفاقية أضنة تقييم القائد عبد الله أوجلان.
هذه الاتفاقية التي تضم 4 ملحقات أسست لمرحلة جديدة من التآمر بين الدولة المحتلة لكردستان وقوى الهيمنة العالمية ضد الكرد وشعوب الشرق الأوسط، وخلقت واقعاً مدمراً للشعب السوري على وجه الخصوص.
في اتفاقية أضنة رضخت الدولة السورية لتهديدات تركيا مدعومة بحلف الشمال الأطلسي وسمحت لتركيا بالتوغل ضمن أراضيها لملاحقة من أسمتهم بالإرهابيين إلا أنها بالأساس كانت موجهة ضد نضال الشعب الكردي.
كما ينص أحد بنود الاتفاقية على تخلي سوريا عن لواء اسكندرون التي سلختها تركيا عن سوريا عام 1939. ويبدو أن السلطات السورية لم تكن تمانع في التخلي عن أجزاء من سوريا لتجنب الدخول في صراع مع الدولة التركية الفاشية.
حين هددت تركيا باجتياح الأراضي السورية إذا لم تخرج دمشق القائد عبد الله أوجلان بعث الرئيس العراقي الراحل صدام حسين برسالة شفوية إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، يؤكد استعداد العراق لوضع كل وحدات الحرس الجمهوري في تصرفه لمقاتلة القوات التركية إذا غزت سوريا. وحمل محمد منصورة المسؤول في المخابرات السورية، رداً جاء فيه: “الرئيس حافظ الأسد يشكر القيادة العراقية على موقفها، لكن سوريا غير مستعدة لخوض حرب مع تركيا حتى ولو احتلت أجزاء من أراضينا، ولو حصل ذلك فإن سوريا ستتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة”، بحسب ما ذكره سالم الجميلي مدير شعبة أميركا سابقاً في مخابرات نظام حزب البعث العراقي لصحيفة الشرق الأوسط في حوار نُشر في 11 أيار الماضي.
الغزو الثقافي والاقتصادي لسوريا
بعد توقيع اتفاقية أضنة زار الرئيس التركي حينها أحمد نجدت سيزر سوريا عام 2000، وفي 2004 زار بشار الأسد تركيا، وفي عام 2009 تم توقيع عشرات الاتفاقيات والبروتكولات بين الدولتين السورية والتركية تمكنت الأخيرة من خلالها من غزو سوريا اقتصادياً.
وامتلأت الأسواق السورية بالبضائع التركية على حساب المنتجات المحلية وهو ما خلق انزعاجاً داخلياً ناهيك عن استياء كبير لإيران التي سعت هي الأخرى لترسيخ توغلها في سوريا من الباب المذهبي والاقتصادي والثقافي.
لم يقتصر الأمر على الغزو الاقتصادي لسوريا بل امتد إلى المجال الثقافي، حيث أُدرجت اللغة التركية ضمن المناهج الجامعية في جامعتي حلب ودمشق.
إلى جانب اللغة التركية احتلت الدراما التركية الشاشات العربية والسورية على وجه الخصوص وروجت لمفاهيم غريبة عن المجتمع السوري وبالأخص قبل الأزمة السورية.
بعد انطلاق ربيع الشعوب في بلدان الشرق الأوسط ومع مرور فترة على الأزمة السورية، بدأت الدولة التركية بتغيير طابع مسلسلاتها المدبلجة إلى العربية (اللهجة السورية) وأصبحت تروّج للحقبة العثمانية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو مسلسل “قيامة أرطغرل” الذي بدأ عرضه عام 2014.
بعد الأزمة السورية
بُعيد الأزمة السورية في منتصف آذار عام 2011، أظهرت الدولة التركية نواياها الاستعمارية ودعمت المجموعات المرتزقة التي استباحت الأراضي السورية.
وعندما فشلت المجموعات المرتزقة في تنفيذ المخططات التركية، بدأت دولة الاحتلال التركي احتلالها المباشر للأراضي السورية عبر بوابة جرابلس، في الـ 24 من آب عام 2016، بعد أيام على هزيمة داعش في منبج. واصلت تركيا احتلالها للأراضي السورية واحتلت عفرين، في عام 2018، وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، عام 2019، إلى جانب احتلال أعزاز والباب وأجزاء من محافظة إدلب الشمالية.
أضنة معدّلة
في عام 2019، بدأت روسيا بالحديث عن اتفاقية أضنة كبوابة للتطبيع بين حكومة دمشق والدولة التركية المحتلة، وجرى الحديث عن تعديل لاتفاقية أضنة يخوّل دولة الاحتلال التركي غزو المناطق السورية الحدودية بعمق 30 كم.
لم تفض الضغوط الروسية على حكومة دمشق للتوصل إلى تطبيع كامل مع دولة الاحتلال التركي، لكن دولة الاحتلال التركي بدأت باستهداف مناطق بعمق 70 كم ضمن شمال وشرق سوريا دون أن يصدر أي صوت من حكومة دمشق، وهو أمر لا يزال مستمراً حتى الوقت الراهن.
أحداث مهمة بعد اتفاقية أضنة
على صعيد الشرق الأوسط كانت اتفاقية أضنة تمهيداً للكثير من التحولات. في عام 2001 غزت الولايات المتحدة أفغانستان وفي عام 2003 غزت العراق.
في عام 2005 قُتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وفي العام ذاته أصدر مجلس الأمن قراراً ألزم سوريا بسحب قواتها من لبنان، التي انسحبت في نيسان 2005.
في عام 2011 تدخل حلف الشمال الأطلسي في ليبيا وأسقط نظام معمر القذافي في تاريخ مثير، وهو 20 تشرين الأول من ذات العام، أي في نفس التاريخ الذي وُقعت فيه اتفاقية أضنة عام 1998.
كما أسقط نظام حسني مبارك في مصر، في الـ 11 من شباط عام 2011، وزين العابدين بن علي في تونس في العام ذاته.
المصدر: ANHA.