دير الزور من جديد بين المخططات والحسابات والاصطدام بالقوة المجتمعية
في ذكرى المجزرة التي ارتكبتها مرتزقة داعش بحق أبناء مقاطعة دير الزور، عام 2014، وبالتحديد في الريف الشرقي لقرى وبلدات عشيرة الشعيطات، التي راح ضحيتها 1700 شخص قتيل وأكثر من 1000 مختطف، استيقظ أهالي المنطقة في 7 آب على أصوات القذائف والصواريخ التي أطلقتها قبل قوات حكومة دمشق وما يسمى بـ “الدفاع الوطني” هذه المرة.
الهجمات الأخيرة التي استهدفت مدن وبلدات وقرى الريف الشرقي لمقاطعة دير الزور على ضفاف نهر الفرات، جعلت من دماء الأطفال والنساء والرجال تسيل من جديد، حيث قتلوا 15 مدنياً، وإصابة 24 آخرين.
هذه الحالة أعادت منطقة دير الزور إلى الواجهة من جديد، بعد عام من مخططات وهجمات مشابهة استهدفت كل مناطق المقاطعة عام 2023، واستمرارها وتكررها بأسماء ومسميات مختلفة على مقاطعة دير الزور، يوحي أن هناك حسابات عدة على المنطقة، فما هي تلك الجغرافية المُستهدفة وأهميتها، ومن هي الأطراف المُستهدِفة، وما الغاية، وما يقابلها؟
الجغرافية والتركيبة المجتمعية لدير الزور
مقاطعة دير الزور المُستهدفة على الضفة الشرقية لنهر الفرات تتربع على مساحة 17 ألف كم مربع وتديرها الإدارة الذاتية الديمقراطية. ولها أهمية جغرافية استراتيجية كبيرة لا سيما ريفها الشرقي، والشمال الشرقي، حيث تربط سوريا بالعراق.
وهي من المناطق الأغنى في سوريا بالموارد الطبيعية وعلى وجه الخصوص النفط والغاز؛ إلى جانب ذلك، تتمتع بأهمية قد تكون الأكبر، إذ كانت آخر معاقل مرتزقة داعش التي دحرتها قوات سوريا الديمقراطية.
وتتألف مقاطعة دير الزور من الوحدات الإدارية الآتية: “8 مدن وهي (الكسرة، الجزرات، الصور، البصيرة، هجين، مدينة الفرات، مدينة الشحيل، مدينة السوسة، و23 بلدة”، إلى جانب العشرات من القرى كأرياف المدن والبلدات.
وتعد من المناطق القبلية في سوريا، وكبرى قبائلها هي البكارة في الريف الغربي والشمال الغربي، والعكيدات (العقيدات)، المنتشرة في الريف الشرقي والشمال الشرقي.
المنطقة الأكثر استهدافاً في مقاطعة دير الزور، هي الريف الشرقي والتي تنتشر فيها قبيلة العقيدات المؤلفة من ثلاثة بطون وهي البو جامل (كامل) والبو جمال (كمال)، وزامل، متفرع عنها “عشائر جامل وهي (البكير، والشويط، والبورحمة، والبو حسن، والظواهر، الصالح والطلاع الحمد في الشحيل، البو عز الدين والبو خلف)؛ أما عشائر البو كمال (البو جمال) هي (الحسون، والمراشدة، والبو مريح، والدميم، والإذار)، وبالنسبة لعشائر زامل فهي (الشعيطات)، إلى جانب عشائر مشاهدة، والبو خابور التي تضم ثلاثة أفرع وهي (البو عمر، والبوحليحل، والبو معيط، والبو سرايا، والمطاردة، والمراسمة، والبو خاطر، والجغايفة، والبوليل والقرعان”.
دير الزور خلال الأزمة السورية
بعد اندلاع الحراك الشعبي في سورية في الـ 15 من آذار عام 2011، شهدت دير الزور في الفترة الممتدة من تموز 2011 إلى نيسان 2012 حالة من التشتت والفوضى بعد اتساع رقعة الاحتجاجات وسيطرة المجموعات المسلحة على مناطق عدة، نتيجة الصراع بينها على آبار النفط ومناطق النفوذ، وبدء تغلغل مرتزقة جبهة النصرة ومن بعدها داعش والسيطرة على دير الزور.
في الريف الشرقي لدير الزور، حاولت عشيرة الشعيطات الحد من سيطرة داعش والنيل من إرادة سكان المنطقة، ألا أن مرتزقة داعش ارتكبت مجزرة في آب عام 2014، راح ضحيتها 1700 شخص قتيل، و1000 مختطف.
التحرر من مرتزقة داعش
بعد سيطرة دامت قرابة 5 أعوام تم تحرير مقاطعة دير الزور من مرتزقة داعش في آذار عام 2019، وكانت نقطة تحول في تاريخ المقاطعة، مع دحر قوات سوريا الديمقراطية لداعش في آخر معاقله، والقضاء على آخر وجوده الجغرافي في الباغوز أقصى شرق ريف دير الزور، ليعود معها إدارة أهالي المنطقة لشؤونهم عبر مجلس دير الزور المدني، وتحولت المناطق المحررة من داعش ضمن جغرافية دير الزور إلى مقاطعة في أواخر عام 2023 تدار من قبل أبنائها في كنف الإدارة الذاتية الديمقراطية.
الفترة الزمنية التي تلت التحرير امتازت بتشكيل الكومينات والمجالس والمؤسسات الخدمية والصحية والتعليمية، وترميم البنى التحتية وإعادة الخدمات لجميع المناطق، إلا أن التنظيم وعملية إعادة الأعمار لم تمر دون صعوبات أو تحديات، فخلايا مرتزقة داعش النائمة لم تهدأ، وكذلك مساعي قوات حكومة دمشق وما يسمى بـ “الدفاع الوطني” وتركيا لم تتوقف عن استهداف النظام القائم، وفق ما يؤكده إداريو المقاطعة، والمؤشرات وحقائق شهدتها المقاطعة.
آخر الأمثلة الحية لما شهدته المقاطعة من استهداف
في آب العام الماضي 2023 استغلت قوات حكومة دمشق وأخرى مرتبطة بها، وتركيا، عمليات قوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية لمكافحة الفساد، وملاحقة الخلايا في المقاطعة، لتدعم موجة التخريب والعصابات وخلايا داعش، بأشكال مختلفة.
رد عليها مجلس دير الزور العسكري المنضوي ضمن قوات سوريا الديمقراطية، بإطلاق عملية أمنية وعسكرية “تعزيز الأمن”، استهدف من خلالها بالدرجة الأساسية خلايا داعش، بالإضافة إلى ملاحقة تجار المخدرات وعناصر إجرامية مطلوبة للعدالة لارتكابها جرائم بحق الأهالي والمؤسسات العامة.
قوات سوريا الديمقراطية أوضحت حينها: “أنّ بعض الأطراف وعلى رأسها بعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وجدت أن نجاح هذه العملية سيقضي على مشاريعهم ومخططاتهم ضمن المنطقة، لذا سارعوا في توجيه الأحداث في منحى آخر، وشرعوا بإدخال العناصر المسلحة إلى قرى دير الزور عن طريق التوغل من الضفة الغربية لنهر الفرات”.
وفي اعتراف واضح وصريح لأحد عناصر ما يسمى بـ “الدفاع الوطني” المدعو غياث جمعة سحور، ممن عبروا نهر الفرات إلى مدينة البصيرة، وشارك في مهاجمة قوات عملية “تعزيز الأمن”، بتلقيهم أوامر من أجهزة أمنية لحكومة دمشق للقتال ضد قوات سوريا الديمقراطية تحت اسم (العشائر)، نشرته وكالتنا بتاريخ الـ 9 من أيلول عام 2023.
وتزامن مع الهجمات، صعدت دولة الاحتلال التركي قصفها الجوي والمدفعي ضد إقليم شمال وشرق سوريا، رافقه هجوم بري وتسلل لمرتزقتها إلى أرياف مقاطعة منبج، لم تغب عن خطابات المتحدثين في تلك الهجمات هدف هجماتها الداعم للمهاجمين على ريف دير الزور الشرقي.
من التدخل بشكل خفي وتحت مسميات مختلفة إلى تدخّل مباشر
الهجمات التي شنت على الريف الشرقي لمقاطعة دير الزور عام 2023، كان عن طريق مجموعات دعمتها وحرضتها قوات حكومة دمشق، إلا أن هجمات 7 آب شنتها قوات حكومة دمشق وما يسمى بـ “الدفاع الوطني” التابعين لها.
حيث هاجم قوات حكومة دمشق وما يسمى بـ “الدفاع الوطني”، في 7 آب من نقاطها غرب الفرات، الريف الشرقي لمقاطعة دير الزور، تحت تغطية مدفعية كثيفة، ارتكبوا فيها على مدار مجازر راح ضحيتها، 15 مدنياً، وإصابة 24 أخرين.
بالتزامن مع هجمات قوات حكومة دمشق على دير الزور استهدفت دولة الاحتلال التركي عبر مسيراتها نقاطاً لقوات سوريا الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة، وقصفت بالمدافع قرى مقاطعتي منبج وعفرين والشهباء.
الغاية
وصف القيادي في مجلس هجين العسكري حمزة علي العشارة، هذه الهجمات بالمؤامرة، ويرى أنها لحسابات وأجندات سياسية واقتصادية وعسكرية دولية، هدفها الرئيس “دفع وجعل المنطقة ساحة حرب غير آمنة ومستقرة، بدعم إقليمي من قبل أطراف متصارعة ضمن الحرب القائمة في الشرق الأوسط، وكذلك مسعى لضرب مشروع الإدارة الذاتية من خلال إرباك الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في إقليم شمال وشرق سوريا”.
أوضح أبو علي عشارة أن: “الهجوم على دير الزور هو جزء من الهجمات المستمرة على إقليم شمال وشرق سوريا. دول كثيرة منها تركيا والنظام وأخرى داعمة للنظام تبرم مؤامرات ضد شعوب المنطقة”.
لا خيار لدينا سوى الدفاع عن المنطقة
ويؤكد القيادي في مجلس هجين العسكري، حمزة علي العشارة، أن القوة في ردع ما واجه أهالي مقاطعة دير الزور، تكمن في تنظيم المجتمع لنفسه، على عكس ما كانت عليه الأمور منذ بدء الأزمة السورية، ونوه لامتلاك ولوجود قوات عسكرية متمرسة ومتمكنة مشكّلة من أهالي المنطقة كفيلة بالتصدي لأي هجوم.
وأكد أبو علي عشارة: “لا خيار لدينا سوى الدفاع عن المنطقة، جوابنا المقاومة قولاً واحداً، سنقاوم حتى الرمق الأخير ولن نتخلى عن ذرة واحدة من أرضنا، واستراتيجيتنا واضحة، وهي الدفاع والتصدي لأي هجوم على مناطق شمال وشرق سوريا، كما ونعد المرتزقة بالرد الحازم في أي مكان وزمان”.
وتتفق رؤية العشائر والمجتمع في مقاطعة دير الزور، وعموم إقليم شمال وشرق سوريا، مع رؤية القيادي أبو علي عشارة، في أن الهجمات هي ضد إرادة مجتمع دير الزور المتمثل في الإدارة الذاتية الديمقراطية.
ويؤكد المتحدث باسم عشائر البوكمال، صلاح السلمان، أن إرادة وموقف أهالي المنطقة الذي برز عبر تصدي قوات مجلس دير الزور العسكري ومجلس هجين العسكري، والالتفاف حول نظامهم القائم الإدارة الذاتية الديمقراطية، أفشل محاولات قوات حكومة دمشق، ومرتزقة داعش لاحتلال المنطقة من جديد.
وقال صلاح السلمان إن: “موقف أهالي المنطقة وعشائرنا كان مشرفاً لقبائلنا، التي عاهدت الوقوف في خندق واحد مع أبنائهم في قوات سوريا الديمقراطية، ولا يزال وسيبقى ويستمر”.
المصدر: ANHA.