دمشق تستغل قطاع الدواء لتأمين “الدولار” والالتفاف على العقوبات
تشهد معظم الأسواق المحلية السورية ضعف تامين العديد من الأصناف الدوائية، وقلة الطرح، بدءاً من المضادات الحيوية وأدوية الضغط والسكري والزكام، بالرغم من وجود 87 معملاً مختصاً بالصناعات الدوائية في البلاد.
وأفادت عدد من المصادر المطلعة لوكالتنا بأن السبب يعود إلى تصديرها من قبل حكومة دمشق إلى كل من العراق ولبنان.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تعاني منه الأسواق الداخلية افتقار العديد من الأصناف الدوائية، وخاصة أدوية مرضى العضال الذين يعملون على تأمينها من الأسواق الخارجية بأسعار “خيالية”.
طريقة لتأمين “الدولار” والالتفاف حول العقوبات
المصادر نوهت إلى أن الحكومة تهدف من هذه الخطوة، توفير العملة الصعبة (الدولار) لحكومة دمشق لرفدها إلى الخزينة العامة، التي ترزح تحت نير العقوبات الغربية، وكان من أبرزها “قانون قيصر” الذي سنته الولايات المتحدة وبُدئ العمل به في 2020، و”قانون مكافحة الكبتاغون” 1 و2.
وتتكون شبكة تصدير الأدوية غير الرسمية بحسب المصادر، من تجار تابعين لحكومة دمشق ويتم تصدير الأدوية عبر المنافذ البرية الحدودية الواقعة تحت سيطرتها، من أبرزها معبر البوكمال الحدودي مع العراق ومعبر المصنع الحدودي مع لبنان.
كما ويجري توفير كل متطلبات السوقين من الأدوية حتى لو كان على حساب السوق المحلية كون بيع الأدوية في الدولتين المذكورتين يكون بأسعار مضاعفة وبعملة الدولار الأميركي المفقودة في البنوك السورية، مما يمكن عدّه أحد الطرق التي تنتهجها الحكومة للالتفاف حول العقوبات المفروضة من قبل المجتمع الدولي.
وفي (آب) 2023، قال بشار الأسد في حوار تلفزيوني إن “قانون قيصر هو عقبة، لكننا تمكّنّا من تجاوزه بطرق عدة، العقبة الكبرى هي تدمير البنية التحتية من قبل الإرهابيين”.
“قيصر” بريء.. في ملف تأمين المواد الأولية للصناعات الدوائية
وعلى الرغم من أن حكومة دمشق تعمل على ربط معظم المشكلات القائمة في مختلف القطاعات بالعقوبات الغربية، إلا أنه بعد بحث مستفيض في قانون “قيصر” الأشد وطأة على الواقع السوري تبين أنه لا يشمل حظراً على الدواء أو المواد الغذائية.
وتأتي المشكلة بحسب مراقبين في إطار تخوف الشركات الأجنبية من توريد المواد الأولية الدوائية إلى سوريا خشية تبعات قانونية صارمة، نتيجة استخدام بعض المواد الأولية في “غير غايتها” كصناعات الكبتاغون، فيصير لزاماً على تلك الشركات أن تقدم طلباً مسبقاً إلى وزارة الخزانة الأميركية لتثبت أنها ستورد مواد غير ممنوعة أو مستثناة من العقوبات، الأمر الذي يزيد من صعوبة تأمين شركات الأدوية السورية للمواد الأولية الداخلة في صناعاتها.
وتعدّ كل من إيران والهند والصين أبرز الموردين الدوائيين للمواد الأولية لحكومة دمشق، بعد الأزمة التي بدأت قبل نحو 14 عاماً، لتطفو مرة أخرى مشكلة القطع الأجنبي وفروق سعر الصرف وتمويل المستوردات.
إجراءات حكومية غير فعالة للتخفيف من وطأة هجرة “العقول”
يشير الصيدلاني (ج، ب) الموجود في مدينة حلب لمراسل وكالتنا، إلى أنه يفكر في إغلاق صيدليته والهجرة إلى الخارج، كون مبيعاته في انخفاض مستمر؛ نظراً لانخفاض قوة القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم توفر جميع الأصناف المطلوبة في السوق.
كما أن مشكلة الطلب الضعيف تلحق المزيد من الخسائر بالصيدليات التي تجبر سنوياً على إتلاف كميات من المنتجات غير المباعة نتيجة انتهاء مدة صلاحياتها.
في حين يلجأ العديد من المواطنين السوريين إلى استخدام الأعشاب الطبيعية من محلات العطارة من أزهار البانونج وغيرها في التعافي من أمراض البرد والزكام لانخفاض أسعارها بالمقارنة مع أسعار الأدوية بحسب (ج، ب).
ورفعت الحكومة السورية في كانون الأول من عام 2023 سعر الدواء %100، وكانت هذه الزيادة الثالثة خلال عام واحد على الأصناف الدوائية، مما جعل أقلها ثمناً مرهقاً لجيب المواطن، والذي تعادل ثمن وصفة منه راتبه ربما وتزيد حتى أضعاف وأضعاف.
كما عملت الحكومة على تخفيف شروط منح التراخيص لافتتاح الصيدليات في البلاد، إذ عدلت المسافة الواجب توافرها بين كل صيدلية وأخرى، لتصبح 50 متر بدلاً من 75 متراً، خاصةً مع تهافت الصيادلة للافتتاح بالقرب من المشافي والمراكز الطبية.
خسائر قطاع الأدوية السوري
بحسب الإحصائيات الرسمية، فإن صادرات المعامل الدوائية تراجعت بفعل العقوبات الخارجية لتسجل ما نسبته 10 بالمئة فقط من إجمالي صادراتها المسجلة في العام 2010، حيث تراجع عدد الدول المستوردة للدواء السوري من نحو 44 دولة قبل 2011 الى حوالي 10 دول حالياً فقط، بخسارة تقدر سنوياً بنحو 200 مليون دولار.
كما وأسهمت العقوبات الدولية المفروضة على سوريا في انقلاب الحال الدوائية داخل البلاد، لا سيما مع سحب الشركات الأجنبية لأكثر من 58 امتياز إنتاج دوائياً من معامل دوائية سورية.
فيما ظهرت العديد من الشبكة التي امتهنت طوال أعوام تزوير عقاقير طبية حساسة، غالبيتها جرعات تعطى لمرضى السرطان، لتقوم ببيعها للصيادلة والمرضى على أنها جرعات أجنبية المنشأ، لكن حقيقة الأمر أن تلك الجرعات لم تكن إلا عقاقير معبأة بمياه عادية، لتغامر تلك العصابات بحياة آلاف الأشخاص الذين حكماً كانت المسؤولة عن مقتل عدد كبير منهم.
وبحسب تصريحات لوزير الصحة السوري السابق حسن الغباش، فإن 65 في المئة من الأدوية المزمنة متوافرة في سوريا بينما 35 في المئة مقطوعة، في بلد كان يعد من المكتفين ذاتياً في تأمين بين 90 إلى 92 في المئة من حاجاتها الدوائية حتى عام 2011.
يذكر أن مستودعات الأدوية في إقليم شمال وشرق سوريا، كانت قد فقدت 30% من مخزونها، بعد 4 أشهر من حصار واحتكار فرضته حكومة دمشق، مع فقدان لأصناف أدوية مرضى السكري والضغط الذين باتوا يعانون من صعوبة في إيجادها.
المصدر: ANHA.