درس 2016.. «قلب العالم» جاهز لامتصاص «صدمة ترامب»
تدفع استطلاعات الرأي وتخبط معسكر الرئيس الأمريكي جو بايدن، المرشح الجمهوري دونالد ترامب نحو بوابة البيت الأبيض، لكن الصدمة ستكون أقل هذه المرة.
ما يختلف هذه المرة عن الانتخابات التي انتهت بفوز الملياردير بولاية رئاسية أولى في عام 2016، هو أن العالم يستعد جيدا للتعامل مع ولاية ترامب الثانية، وفقا لمجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
ففي بروكسل، وضع مسؤولو حلف شمال الأطلسي (الناتو) خطة لتأمين الدعم العسكري طويل الأمد لأوكرانيا، حتى لا تتمكن إدارة ترامب المقبلة من قطع الطريق وتهديد دفاع كييف عن نفسها في مواجهة روسيا.
وفي أنقرة، استعرض المسؤولون الأتراك خريطة الطريق السياسية لمشروع 2025 الذي أطلقته مؤسسة التراث بالتعاون مع أكثر من 100 منظمة محافظة بحثا عن أدلة على مخططات ترامب بشأن سوريا.
وفي أتلانتا وأوستن ولينكولن بولاية نبراسكا، التقى وزراء كبار من ألمانيا وكندا مع حكام جمهوريين لتعزيز العلاقات مع اليمين الأمريكي، تحسبا لاحتمال فوز ترامب.
وفي واشنطن، تشكل عودة ترامب الموضوع المهيمن على اجتماعات الإفطار الشهرية لسفراء الدول الأوروبية.
عالم “ينحني” لترامب
قبل أكثر من ستة أشهر من تولي الرئيس الأمريكي المقبل منصبه، هناك بالفعل جهد متقدم بشكل غير عادي في جميع أنحاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وخارجه، لإدارة انتقال محتمل للسلطة في أمريكا.
ومع تراجع أداء بايدن في حملة إعادة انتخابه، يتوقع العديد من الحلفاء أنهم سيتعاملون مع إدارة جديدة لترامب العام المقبل.
وتتسم إدارة ترامب المحتملة، بالتشكك تجاه أوروبا، والانعزالية اليمينية، وعزم صارم على وضع مواجهة الصين فوق الأولويات العالمية الأخرى.
ووفق ما رصدته بوليتيكو في مقابلات مع عشرات المسؤولين دوليين، فإن العالم ينحني بالفعل لإرادة ترامب المحتملة ويحاول جاهدا تحصين نفسه ضد الاضطرابات والأزمات التي قد يثيرها.
وفي كثير من النواحي، تشعر الدول الأعضاء في “الناتو” بقدر أكبر من الثقة في قدرتها على التعامل مع ترامب مقارنة بما كانت عليه عندما تولى الملياردير السلطة لأول مرة قبل سبع سنوات ونصف.
3 خطوات
وتضع هذه الدول في الوقت الراهن خطة التعاطي مع عودة ترامب المحتملة، وتنقسم استعداداتها إلى 3 فئات:
- تواصل شخصي واسع النطاق مع ترامب ومستشاريه، على أمل بناء علاقات من شأنها أن تساعد في تقليل الصراع.
- تحولات في السياسات تهدف إلى إرضاء ترامب وائتلافه السياسي، وخاصة من خلال تهدئة شكاوى الملياردير بشأن عدم كفاية الإنفاق الدفاعي الأوروبي.
- تدابير دبلوماسية وقانونية إبداعية قيد التنفيذ لحماية أولويات حلف شمال الأطلسي من التلاعب بها من قبل إدارة ترامب.
وفي المجمل، تبدو هذه الاستراتيجية معقولة لإدارة الاضطرابات في عالم يقوده ترامب، وفق ما نقلته “بوليتيكو” عن مسؤولين دوليين كبار.
ومع ذلك، فإن حتى زعماء حلف الناتو الذين يقودون هذا النهج يعترفون بأن الكثير من هذا المشروع قد يكون في نهاية المطاف تحت رحمة نزوات ترامب الفردية.
وقال أحد الدبلوماسيين من إحدى دول الناتو: “بالطبع، التحدي الأكبر هو أننا لا نعرف – وأعتقد أن لا أحد يعرف على وجه التحديد – ماذا سيفعل (ترامب)”.
مخاوف الناتو
تفكير الحلفاء مختلف هذه المرة عن 2016، بعد أن أصبح من الواضح أن ظاهرة “الترامبية” ليست نزوة عابرة، وأن الناتو يواجه تهديدات أكثر إلحاحا للأمن الأوروبي.
والمدهش هو عدم انتشار الذعر هذه المرة بشأن انسحاب محتمل لترامب من الحلف، كما هدد الملياردير في رئاسته الأولى، وفق بوليتيكو.
وقال كاميل غراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف الناتو والمسؤول الدفاعي الفرنسي، إن التحالف يتعامل مع ترامب بشكل مختلف تمامًا الآن عما كان عليه في عام 2017.
وأضاف غراند: “في المرة الماضية، كان الأمر أسهل بكثير لأنه لم تكن هناك حرب. والآن نحن في بيئة مختلفة تماما للمحادثات مع الرئيس الأمريكي”.
سياسة ترامب “شخصية”
وقبل أسبوعين فقط من توجه زعماء حلف شمال الأطلسي إلى واشنطن لحضور قمة الحلف المقرر أن تبدأ غدا الثلاثاء، انتشرت شائعة في الأوساط الدبلوماسية مفادها أن ترامب لديه خطة لإحلال السلام في أوكرانيا.
وتستند هذه الخطة المزعومة إلى تهديد مزدوج: إذا رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التفاوض لإنهاء الحرب، فسوف تغمر الولايات المتحدة أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، وإذا رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا، فسوف تسحب الولايات المتحدة دعمها العسكري الوفير.
ولكن لم يكن ترامب نفسه هو الذي طرح الخطة، بل كان عدد من حلفائه ومن يصفون أنفسهم بأنهم وكلاء له في الدوائر السياسية والدبلوماسية؛ كل منهم يزعم أنه يتحدث باسم الرئيس السابق، وفقا لـ”بوليتيكو”.
وبعد التدقيق المكثف، أصبح من الواضح أنه لا يوجد خطة سرية وافق عليها ترامب لإنهاء الحرب، وفق بوليتيكو، ما يثير كثير من الشكوك حول هوية المتحدثين باسم ترامب.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، أصبح من المهام الأساسية لحلفاء الولايات المتحدة التمييز بين من هو المبعوث الحقيقي لترامب ومن هو المزيف.
وقال أحد المسؤولين الدفاعيين الأوروبيين: “إنه سباق من أجل أن تكون آخر شخص يتحدث معه قبل أن يتخذ قراراً”.
وعليه، فإن أحد الدروس التي تعلمها حلفاء أمريكا من إدارة ترامب الأولى هو أن العلاقات الشخصية لها أهمية قصوى مع الرئيس السابق والأشخاص المقربين منه.
وفي ولايته الأولى، أقام ترامب علاقات حميمة كرئيس مع مجموعة منتقاة من الزعماء، من شينزو آبي وجايير بولسونارو إلى بوريس جونسون وكيم جونغ أون، والذين استخدموا جميعا تلك الصلات الشخصية المباشرة لمصلحتهم الخاصة.
ومنذ فوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، قام الرئيس البولندي أندريه دودا ورئيس الوزراء الياباني السابق تارو آسو، بإظهار الاحترام له شخصيا.
كما فعل ديفيد كاميرون، وزير الخارجية ورئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي استغل زيارته إلى مار إيه لاغو لإثبات دعم ترامب للمجهود الحربي في أوكرانيا.
وإلى جانب محاولات دول عدة مد جسور التواصل مع ترامب وحاشيته، تجري في الوقت الحالي، مبادرات للتواصل مع قطاعات أخرى من الحزب الجمهوري.
والتقى فرانسوا فيليب شامبين، الوزير الكندي الذي يساعد في قيادة التحضيرات للانتخابات الأمريكية، بحكام جمهوريين، بما في ذلك هنري ماكماستر من ساوث كارولاينا وجيم بيلين من نبراسكا.
وأكد شامبين، وفقا لشخص مطلع على الاجتماعات لم تكشف بوليتيكو عن هويته، على الاستقرار الدولي باعتباره مصدر قلق مشترك.
وفي الخريف الماضي، زارت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ولاية تكساس للقاء الحاكم جريج أبوت، وهو مؤيد قوي لترامب، حيث قدمت مبادرة ودية، ولكنها عبرت أيضاً عن خلافها الصارخ مع أبوت بشأن حقوق الإجهاض.
المال “رقم 1”
وإذا كان الكثير من بنود أجندة ترامب العابرة الأطلسي تبدو متغيرة وتتحرك وفقا للدوافع، فإن الملياردير الجمهوري كان متسقا تماما في نقطة واحدة هي أنه يريد من الدول الأوروبية أن تنفق أكثر بكثير على دفاعها.
وبشكل متزايد، أصبح ترامب يحقق أهدافه في الوقت الحالي، حتى وهو خارج السلطة، إذ تنفق الدول الأوروبية بشكل متزايد على دفاعها.
لكن أوروبا لديها أسباب وجيهة لزيادة الإنفاق الدفاعي، وهي أسباب لا علاقة لها بترامب، وتتعلق بالمخاوف المتزايدة بعد اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا.
وانتقد الرئيس السابق علنا الدول التي تتخلف عن سداد نفقات الدفاع في أوروبا وأماكن أخرى، معبرا عن إحباطه من اعتماد الكثير من دول العالم على دافعي الضرائب الأمريكيين لتغطية تكاليف جالف الناتو.
المصدر: العين.