أخبارمقالات

خورشيد دلي – حسابات موسكو من المصالحة بين دمشق والإدارة الذاتية

مع بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، بدا غزل روسي يتدفق باتجاه كرد سوريا خاصةً بعد أن أصبحوا رقماً صعباً ومهماً في شمال سوريا وشرقها، ولا سيما بعد معركة كوباني والتي نجح الكرد فيها بإلحاق أول هزيمة عسكرية بتنظيم داعش وصولاً إلى معركة تحرير الرقة من التنظيم، فبدت روسيا مدركةً لأهمية دور الكرد لا على صعيد محاربة داعش فحسب بل في مجمل الأزمة السورية، إذ أرادت استمالتهم كي تتمكن من امتلاك كافة أوراق حل الأزمة السورية من جهة، ومن جهة ثانية لاستخدامهم في البُعد الدولي وتحديداً في التنافس مع الولايات المتحدة في سوريا، وهنا بالذات تكمن مشكلة روسيا بعد أن استبقتها واشنطن إلى نسج تحالف أمني-عسكري قوي مع الكرد ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فالمعارك التي خاضتها وتخوضها “قسد” في شرق الفرات تجري في ظل غطاء جوي أميركي ودعم عسكري كبير بالمعدات والأسلحة، وهو ما صعَّب من مهمة موسكو ولا سيما أن الأخيرة بدت متفهمة ومتعاونة مع السياسة التركية في شمال سوريا، خاصةً بعد الاحتلال التركي لعفرين. وعليه، بدا مشهد التنافس الأميركي-الروسي على كرد سوريا وكأنه سباق على كسب ولاءهم، الأمر الذي صعَّب من مسؤولية الإدارة الذاتية في كيفية إدارة معركة التنافس الأميركي-الروسي على كسبهم في الصراع الجاري على شرق الفرات، مع التأكيد على أن الكرد يعطون حتى الآن الأولوية لتحالفهم مع واشنطن، لأسباب لها علاقة بطبيعة العلاقات التي نشأت بين روسيا وتركيا على خلفية الأزمة السورية في مرحلة ما بعد اتفاق آستانا، ولا سيما بعد استبعاد الإدارة الذاتية من اللجنة الدستورية.

موسكو على خط دمشق-الإدارة الذاتية

وضعت عملية “نبع السلام” التركية في شمال شرقي سوريا والتي انتهت باحتلال المنطقة الممتدة من سري كانيه (رأس العين) إلى تل أبيض.. وضعت الأمريكيين والروس وجهاً لوجه في شرقي الفرات، كما وضعت قوات “قسد” والجيش السوري في العديد من المناطق في تماسٍ مباشر، ولا سيما أن الجانب الروسي نجح في عقد تفاهم أمني-عسكري بينهما، أفضى إلى انتشار القوات السورية النظامية في مناطق حدودية مع تركيا، كما حلّت القوات الروسية تدريجياً محلَّ القوات الأميركية في عدد من القواعد والمناطق التي انسحبت منها الأخيرة مقابل تركيز وجودها في المناطق النفطية، ولعلَّ هذه التطورات جعلت من روسيا لاعباً أساسياً إن لم نقل وحيداً في رعاية التواصل بين الحكومة السورية والإدارة  الذاتية، حيث عقدت سلسلة لقاءات معلنة وأخرى سرية دون أن تسفر عن التوصل إلى اتفاق بين الجانبين. ومن وحي هذا المسار، ثمة أسئلة كثيرة طرحت وتُطرح، لعلَّ أهمها، هل فعلا يمكن أن تعترف دمشق بالوجود القومي للكرد؟ وهل يمكن أن تقبل بالإدارة الذاتية الذاتية في شرق الفرات؟ في المقابل، إلى أي درجة تستطيع أن توفِّق الإدارة الذاتية بين مطالبها المحلية ومحددات العلاقة مع المركز؟ وإلى أي درجة تستطيع الذهاب بعيداً عن الحليف الأمريكي؟

مع الاعتراف المُسبَق باختلاف وتناقض الرؤى بين دمشق والإدارة الذاتية، وبالتالي صعوبة إن لم نقل استحالة التوصل إلى اتفاق بينهما في ظل هذه الرؤى المتناقضة، ثمة محددات ربما تساعد على حوار بينهما في المستقبل ولا سيما إذا كثفت روسيا جهودها في هذا المجال، ولعلَّ من أهم هذه المحددات:

  1. الاحتلال التركي لمناطق واسعة من شمالي سوريا وشرقها، وهو ما يتطلّب من الجانبين التوصل إلى توافقات وتفاهمات من أجل تحرير هذه المناطق قبل أن ترسّخ تركيا احتلالها النهائي لها، كما حصل في شمال قبرص، ولعلَّ ما يدفع تركيا إلى هذه الخطوة ليست أطماعها التاريخية والتوسعية فحسب بل طبيعة الفصائل السورية المسلّحة التابعة لها، والتي باتت تعمل كمرتزقة لتركيا دون أي هدف سياسي، وبسبب ذلك نجحت تركيا في إقامة بنية تحتية أمنية وعسكرية وخدمية واجتماعية في الشمال السوري مرتبطة بها، ويجب أن لا نستغرب إذا ما لجأت تركيا في يوم ما  إلى محاولة تكرار تجربة لواء اسكندورن، من خلال الدعوة إلى إجراء استفتاء على مصير هذه المناطق بغية إلحاقها بتركيا. وعليه، كلُّ من يطالب بوحدة الأراضي السورية ينبغي عليه معرفة هذه الحقيقة، وعمل كل ما هو ممكن من أجل عدم تحوّلها إلى أمر واقع.
  2. روسيا التي تقوم بتقديم نفسها كضامن أو راعي للحوار بين دمشق والإدارة الذاتية، ومع أن حدود الدور الروسي بهذا الخصوص لم يتضح بشكل جلي إلا أن ثمة مؤشرات توحي بأن روسيا تريد القيام بدور مهم في هذا السياق، ولعلَّ استضافتها مؤخراً لحدث توقيع وثيقة تفاهم بين “مَسَد” وحزب الإرادة الشعبية برئاسة قدري جميل، رئيس منصة موسكو، ومن ثم دفاع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لاوفرف، عن الوثيقة خلال زيارته الأخيرة لدمشق بعد أن أبدى وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، اعتراضاً مبطناً على الوثيقة بالقول إن دمشق لا تدعم أي وثيقة لا تتوافق والدستور، وكذلك الدور الذي تقوم به روسيا للحدِّ من الانتهاكات التركية ضد مناطق شرق الفرات في إطار التفاهمات التي جرت عقب عدوان “نبع السلام”… كلُّ ذلك يوحي بأن الروس بصدد انتهاج سياسة جديدة تتفق مع مرحلة التوجه للحل السياسي للأزمة السورية، والسؤال هنا: هل التحرك الروسي الجديد هذا يجري بالتفاهم مع الجانب الأمريكي أم من دونه؟ وهل ما نشهده من تحرك روسي حالياً هو عبارة عن محاولة لاستغلال فترة التحضير للانتخابات الأمريكية من أجل دفع “قسد” للانفكاك عن التحالف مع واشنطن وترتيب المشهد في شرق الفرات في ضوء رؤيتها؟في الحديث عن الجهد الروسي هذا، لا يمكن تجاهل جملة من الأهداف الروسية تجاه شرق الفرات، وفي مقدمة هذه الأهداف محاولة الوصول إلى المعابر الحدودية مع العراق وإقليم كردستان، كي تتحكم بحركة الإمدادات الأمريكية إلى المنطقة، ومن ثم وضع “قسد” أمام خيار الانضمام إلى الجيش السوري بأقلّ الشروط، وهو ما سيزيد من قوة الموقف الروسي تجاه التمسك التركي بالبقاء في المناطق التي تحتلها، ومواصلة دعمها للجماعات المسلّحة والإرهابية، فضلاً عن إضعاف الموقف الإيراني في سوريا. وفي ظل الرؤية الروسية هذه، يمكن القول إن ثمة رهان من موسكو على أن الظروف الصعبة الجارية في سوريا ولا سيما الأزمة الاقتصادية والمعيشية حيث سلسلة العقوبات الأمريكية المتواصلة في ظل قانون قيصر، والحديث عن انتهاء مرحلة المواجهة العسكرية، والسعي لتفعيل الجهود السياسية سواء في إطار اللجنة الدستورية أو خارجها.. كل ذلك يدفع بموسكو إلى الدفع بدمشق والإدارة الذاتية إلى حوار يستند إلى قاعدة الحل الوطني للأزمة؛ حل يضمن وحدة الأراضي السورية وتحقيق الهوية القومية للكرد من خلال شكل من أشكال الحكم اللامركزي انطلاقاً من معطيات الواقع. مع الإقرار مسبقاً بصعوبة ذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها موقف الحكومة السورية الرافض لمثل هذا التوجه إلا أنه يمكن القول إن اللاعب الروسي يبقى الأقدر على ممارسة الضغط على دمشق والإدارة الذاتية معاً من أجل الدفع نحو حل منشود. 

المصدر: نورث برس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى