حايد حايد: كابوس الأسد وتداعيات اتفاق تركي-كردي محتمل
(DeFacto – السلام) .. لا يزال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، يعرب في تصريحاته ومقابلاته الصحفية عن استعداده للتفاوض مع تركيا، فرغم التحدّيات أمام الاتفاق المحتمل الذي قد يضمن استقراراً طويل الأمد شمالي البلاد، إلا أنه لا شيء في سوريا بعيد الممكن.
وقد يبدو أن توفير أرضية مشتركة بين الكرد وتركيا أمراً بالغ الصعوبة، لكن العائق الرئيسي الآخر الذي يهدد بإفشال أي اتفاق من هذا النوع هو النظام السوري الذي لم يفقد الأمل بعد في استعادة السيطرة الكاملة على البلاد واستعادة الوصول إلى كافة مواردها بدعم من حلفائه وداعميه الإقليميين والدوليين.
ولزيادة فرص نجاح أي تفاهم محتمل، ينبغي عدم إغفال الخيارات التي قد يلجأ لها النظام الحاكم في دمشق، والتي قد تصل حدّ إعلانه إحياء العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
ومن شأن الاتفاق بين تركيا والإدارة الذاتية أن يؤدي إلى تحول كبير في موازين القوى في البلاد، ودفع تركيا إلى تخفيف موقفها العدائي تجاه الإدارة الذاتية، ما يضعف موقف النظام التفاوضي، خصوصاً إذا ما انسحبت تركيا من أجزاء من شمالي سوريا، ما سيمنح قسد موقفاً أقوى للدفاع عن فاعلية دورها في الحلول.
علاوة على ذلك، يمكن أن يفتح مثل هذا الاتفاق الباب لترتيبات مماثلة بين قسد والجماعات المعارضة في شمال غرب سوريا، حيث ستكون لدى تركيا أسباب أقل للتمسك بتحفظاتها القوية ضد هذا التعاون الذي سيفضي لتحالف أكثر تنسيقاً ومرونة ضد النظام، وتقديم بديل موحّد لحكم الأسد، ما قد يجذب دعماً دولياً متزايداً.
ومن جانب آخر، يمكن أن يعزز أي اتفاق تركي كردي الاستقرار الاقتصادي في منطقة الإدارة الذاتية، وهو تهديد مباشر لبقاء النظام الذي أنهكت اقتصادَه سنوات الحرب والعقوبات والفساد، مع عدم وصوله لنفط وقمح شمال وشرق سوريا.
كما يمكن للتفاهمات أن تسفر عن علاقات اقتصادية وثيقة، قد تؤدي لاحقاً إلى تطوير طرق إمداد بديلة وشراكات تتجاوز دمشق بالكامل، كتصدير النفط والقمح مباشرة إلى أسواق خارجية، ما يقلل من قدرة النظام على انتزاع هذه الموارد من خلال الإكراه أو التفاوض.
علاوة على ذلك، قد يؤدي هذا الاتفاق إلى تقليل اعتماد شمال شرق سوريا على استيراد السلع والأدوية والمواد الأساسية الأخرى من المناطق التي يسيطر عليها النظام، ما سيحرمه من موارد التجارة بين منطقتي النفوذ، بما في ذلك الضرائب والرسوم على المعاملات التي ما تزال تابعة للحكومة المركزية.
ولا شك أن فقدان موارد أخرى سيكون مؤلماً للنظام في وقت يعاني فيه تدهوراً اقتصادياً مستمراً ومتسارعاً، مع تضخم مفرط، وفقر واسع النطاق، وعملة متداعية، إلى جانب تأثير ذلك على إضعاف موقف النظام التفاوضي داخلياً وخارجياً.
ومن جانب آخر، يحمل نجاح اتفاق تركي-كردي تداعيات كبيرة على العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، فمنذ أكثر من عامين، لم تعقد اللجنة الدستورية السورية اجتماعاً، دون وجود بوادر واضحة لاستئناف العملية أو طرح بديل لها.
لكن أياً من الفاعلين الدوليين لا يرغب في الاعتراف بالواقع المتعثّر لهذا المسار، فهل يكون التعاون المحتمل بين قسد من جهة وتركيا ثم جماعات المعارضة من جهة أخرى القشة التي تكسر ظهر هذا المسار أو طرح بديل فاعل له.
البديل قد يظهر بمجرد تحسن العلاقات بين قسد وتركيا التي كانت تصرّ دوماً على موقفها الرافض لمشاركة الإدارة الذاتية، وقد يخلق تغيير موقفها زخماً جديداً يعيد إحياء العملية السياسية بمشاركة أوسع تعكس بشكل أكثر دقة الواقع على الأرض في سوريا.
ومن شأن تجديد العملية السياسية جعلها أكثر فعالية في تحديد معالم واضحة لتحقيق تسوية سياسية، والأهم من ذلك، يمكن أن تقدم آليات شفافة بشكل أكبر لتحديد ومحاسبة الجهات المعطلة، عبر محاسبة وزيادة الضغط الدولي على الأطراف التي تعرقل العملية، وخصوصاً وفد الحكومة السورية.
بهذه الطريقة، قد لا يغير الاتفاق التركي-الكردي ميزان القوى على الأرض فحسب، بل يمكن أن يعيد تشكيل المشهد السياسي الأوسع، ما يمهد الطريق نحو نهج أكثر شمولية وفعالية لحل الصراع السوري.
لكن سبل الحل نفسها هي مخاوف ستدفع النظام بلا شك إلى معارضة أي اتفاق تركي-كردي، ومحاولة إفشاله بأي وسيلة ممكنة.