أخبار

تغيرات في المزاج العربي تجاه حكومة دمشق.. هل نشهد تطبيعاً كاملاً؟

بعد سنوات من قطع العلاقات بين الأردن وحكومة دمشق، أثارت المحادثات الأخيرة بين الطرفين لاسيما على مستوى الرؤساء، تساؤلات عدة حول ماهية العلاقات وهل تتوقف عند الجانب الاقتصادي أم تسير نحو تطبيع كامل. وفي هذا السياق أكد محلل سياسي أن العلاقات بين البلدين ستشهد تطبيعاً كاملاً ولكن ليس في الوقت القريب. ولم يستبعد انفتاحاً مصرياً على حكومة دمشق.

وشهدت الأشهر الماضية أنباء وتقارير عن احتمال عودة حكومة دمشق إلى الحضن العربي، والإجراءات التي حصلت بين الأردن وحكومة دمشق من أهم ما يؤكد هذه التقارير.

وتطورت العلاقة بين الأردن وحكومة دمشق بشكل سريع، وخاصة عقب الاتصال الهاتفي بين العاهل الأردني مع بشار الأسد بعد عشر سنوات من القطيعة.

وأفادت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا” أن رئيس حكومة دمشق بشار الأسد اتصل بالملك عبد الله الثاني، وهي أول مكالمة هاتفية من نوعها منذ بدء الأزمة مع سوريا في عام 2011.

لقاءات رفيعة المستوى

وقبل الاتصال شهدت الفترة الماضية زيارات رفيعة المستوى بين الطرفين، أبرزها في شهر آذار/ مارس، عندما قام وزير الصناعة والتجارة الأردنية طارق الحموري بزيارة دمشق، ثم تبعه اتصال وزير داخلية حكومة دمشق محمد خالد الرحمون بنظيره الأردني مازن الفراية، في شهر تموز، ثم استقبال رئيس الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي لوزير الدفاع ورئيس الأركان في حكومة دمشق العماد علي أيوب، في 19 أيلول/ سبتمبر.

وإلى جانب لقاء وزيري خارجية الطرفين أيمن الصفدي وفيصل المقداد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأخيراً قبل أيام الزيارة الرسمية لأربعة وزراء حكومة دمشق إلى عمان وإعلان فتح معبر جابر – نصيب الحدودي.

وحرص الأردن منذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011 على الالتزام بموقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع سوريا، إلا أن الأزمة الاقتصادية جرّاء إغلاق المعابر بين البلدين، إلى جانب تردّي الأوضاع الأمنية، دفعت الأردن إلى تغيير واضح في سياستها في التعامل مع حكومة دمشق.

ويرى المراقبون أن الأردن لا تتحرك بمعزل عن تفاهمات غير مُعلنة مع واشنطن، وتنسيق حثيث مع موسكو؛ إذ اجتمع الملك الأردني برئيسي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، في زيارات منفصلة خلال شهري تموز وآب. وفي زيارته لأميركا طالب الملك الأردني الرئيس الأميركي بايدن، حسب مصادر لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية، بإعادة الاستقرار لسوريا واستثناء الأردن من قانون قيصر.

تفعيل خط الغاز العربي

وفي اجتماعه مع الرئيس الروسي، تصدّرت درعا المباحثات آنذاك. وفي هذا السياق، يرى مراقبون بأن التسويات التي تجري في درعا الآن، جاءت بتوافق روسي أردني لكبح الوجود الإيراني في الجنوب السوري، ولإحكام سيطرة حكومة دمشق الكاملة على المنطقة، بالإضافة إلى تفعيل خط الغاز العربي الذي يمر من درعا.

هذا، وتم عقد اجتماع بين وزراء الطاقة في الأردن وسوريا ولبنان ومصر لنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، الذي تعصف به أزمة وقود كبيرة، وتتم عملية النقل عبر سوريا.

ومن المخطط أن يتم ضخ الغاز المصري عبر أنبوب موجود حالياً (خط الغاز العربي) يمتد من العريش إلى طابا في مصر، ومن ثم إلى العقبة، ومنها إلى رحاب في الأردن، ومن رحاب مروراً بجابر إلى حمص بسوريا، فمنطقة دير عمار في لبنان. ويعادل طول الخط 1200 كم وقدرته الاستيعابية تبلغ 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.

توافق روسي أميركي ضمني

وحول تطور العلاقات بين الأردن وحكومة دمشق بشكل متسارع، قال الصحفي والمحلل السياسي السوري مالك الحافظ: “يبدو ثمة تنسيق روسي أميركي أو بتوافق ضمني بينهما. والأردن تريد أن تحمي أمنها من خطر التمدد الإيراني؛ لذا تسعى لأن تكون حاضنة دمشق، كما تريد عمّان أن تمنع من استمرار التوتر الأمني والعسكري بعد سنوات من الحرب في محيطها”.

وأضاف: “أما دمشق فتريد أن تكون الأردن بوابتها للمحيط العربي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. الأسد يريد شرعنة نفسه إقليمياً ودولياً، وقد يستفيد بشكل كبير من هذه التحركات لبعض الدول العربية”.

إلى ذلك، يرى الحافظ أن التحركات الأردنية تجاه حكومة دمشق جاءت بضوء أخضر أميركي، مضيفاً في هذا السياق: “دون الضوء الأخضر الأميركي لا يمكن أن تتحرك الدول الإقليمية لأي توجه يغضب واشنطن أو يشوّش على سياستها الخارجية”.

الأولوية للملف الاقتصادي

وتواجه الأردن وحكومة دمشق تحديات إقليمية جراء ما يحصل من أزمة في سوريا، إلى جانب أزمة اقتصادية ومعيشية، إذ يسيطر الملف الاقتصادي على تطور العلاقات بين الطرفين ويأخذ حيزاً أكبر من السياسي.

وفتح المعابر وإعادة الرحلات الجوية بين مناطق سيطرة حكومة دمشق والأردن، كانا مؤشرين واضحين على محاولة الطرفين لتنمية اقتصادهما.

وبيّن الحافظ في هذا الصدد أن “الأردن إلى جانب حماية حدوده، يريد الاستفادة الاقتصادية من المرحلة الحالية أو الفترة المقبلة المتعلقة بإعادة الإعمار، والتي يمكن للأردن المساهمة بها والاستفادة منها”.

التطبيع الكامل حتمي ولكن ليس في وقت قصير

ويرى مراقبون أن العلاقات بين الأردن وحكومة دمشق شهد في الفترة الأخيرة تحسناً، وتمت ترجمته من خلال الإعلان عن زيارات قام بها مسؤولون في دمشق إلى العاصمة الأردنية عمان، أجروا خلالها مباحثات مع نظرائهم الأردنيين.

إلى جانب الاتصال الهاتفي الذي جرى على مستوى الرؤساء، هذا يؤكد على تنامي العلاقات على المستوى السياسي، ولا يستبعد مراقبون التطبيع الكامل بين البلدين.

وفي هذا السياق أكد الحافظ على تطور العلاقات الأردنية وحكومة دمشق، السياسية والتطبيع الكامل، وقال: “هو أمر حتمي برأيي، ولكنه لن يكون في وقت قصير”.

انفتاح مصري

وبالتزامن مع التقارب الأردني، جاءت تصريحات لمصر تؤكد على ضرورة خروج سوريا من أزمتها وأنها جزء من الأمن القومي العربي.

وفي هذا الصدد، شدد وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريحات له في 4 تشرين الأول الجاري على “إصرار بلاده على خروج سوريا من أزمتها”، مشيراً إلى أن سوريا جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وتاريخياً كانت دائماً العلاقات المصرية السورية لها أهمية خاصة.

وعن انعكاس تطور العلاقات الأردنية مع حكومة دمشق على رغبة بعض الدول العربية لإعادة علاقتها مع الأخيرة، وحول إمكانية تطبيع دول عربية مع دمشق، أوضح الحافظ أن “التطبيع بمعنى تبادل السفراء والزيارات المتبادلة بشكل رسمي وبأرفع مستوى هو أمر من المبكر الجزم به، ولكن يمكن الترجيح بأن الخطوة التي تقدمت بها الأردن ستدفع للكشف عن خطوات لاحقة أكثر توسعاً من دول عربية مثل مصر والإمارات. هذا أمر وارد والمؤشرات السابقة كانت تدلل على ذلك، ولا أستبعد انفتاحاً مصرياً على الأسد”.

الدعم الدولي للأردن سيكون مؤثراً في إحداث نقلات سياسية

ويجمع محللون، على أن حكومة دمشق تدرك تماماً أن الأردن، بوابتها للمجتمع الدولي والعربي. وأي إعادة تأهيل لحكومة دمشق ستكون عبر الأردن.

ولكن الحافظ يرى في هذا الصدد، أن الأردن ليس فقط سيكون بوابة دمشق للانفتاح على المجتمع العربي والدولي، وإنما ستكون هناك دول أخرى. مضيفاً: “حتى قبل الأردن كانت هناك محاولات عربية من بعض الدول سبقت فرض قانون قيصر بأشهر، حينما انفتحت جزئياً الإمارات على الأسد ولاحقاً كانت السودان”.

وأضاف: “لكن بالعموم الأردن هي المحطة الرئيسة خلال هذه المرحلة الجديدة، والدعم الدولي لها سيكون مؤثراً في إحداث نقلات سياسية متقدمة على الصعيد السوري وبعض الملفات المرتبطة بها”.

العودة إلى الجامعة العربية شكلية ولا تعني حصول تسوية سياسية

وتسببت الحرب في سوريا في أكبر أزمة لاجئين في العالم. وتستضيف الدول المجاورة لسوريا نحو 5.6 مليون لاجئ، في حين تستضيف الدول الأوروبية أكثر من مليون آخرين.

وفيما يخص مصير اللاجئين السوريين في حال عادت دمشق إلى الحضن العربي ولا سيما الجامعة العربية، قال الحافظ في هذا الشأن: “العودة إلى الجامعة العربية ليست قريبة ولكنها لن تكون بعيدة، لكن مصير اللاجئين متعلق بمفوضية شؤون اللاجئين التي لن تسمح بإعادة اللاجئين قسراً دون وجود بيئة آمنة ومستقرة، وأن تكون العودة إلى المناطق التي خرج منها السوريون شريطة أن تتوفر إمكانات العيش والاستقرار هناك”.

وتابع: “السوريون في الداخل غرباً وشرقاً يتعلق أمرهم بتفاهمات جرت وستجري بين القوى الفاعلة في الملف السوري، ولا يمكن تسليم مصيرهم إلى حكومة دمشق بمجرد العودة إلى الجامعة. هذه العودة تعدّ خطوة شكلية ومعنوية، ولن تعني حصول تسوية سياسية أو تسهم بشكل مباشر في التوصل إلى حل سياسي في سوريا”.

ومن الجدير ذكره، أن الإجماع العربي لا يزال غير متوفر لعودة دمشق إلى الجامعة العربية بعد تجميد عضويتها في نهاية 2012. وتربط عدة دول عربية تلك الخطوة باتخاذ حكومة دمشق خطوات لتطبيق حل سياسي وفق القرار 2254.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى