أخبار

تحديات وعقبات.. لماذا تريد أوروبا إنشاء “جيش موحد”؟

رغم عودة أمريكا إلى أوروبا عسكريًا في 2022، لما فرضته “الحرب” الأوكرانية من تداعيات أمنية على المنظومة الأوروبية، إلا أن “إنشاء جيش أوروبي موحد” فكرة لا تموت.

تلك العودة الأمريكية والتي جاءت من بوابة “الناتو”، وما تزامن معها من تناغم ظهر قوياً بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي خلال عام 2022، عكست أهمية التعاون بين الكتلتين في سياق البيئة الأمنية المتغيرة بعد الحرب الأوكرانية، وكشفت عن وحدة الهدف.

ويتعاون حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي في القضايا ذات الاهتمام المشترك ويعملان معًا في إدارة الأزمات وتطوير القدرات والمشاورات السياسية في ضوء تقاسم المصالح الاستراتيجية ومواجهة التحديات نفسها، فضلاً عن تقديم الدعم لشركائهم الراهنين في الشرق والجنوب.

تناغم وشراكة

ويقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن الاتحاد الأوروبي يعتبر شريكاً فريداً وأساسياً لحلف الناتو، مشيرًا إلى أن المنظمتين تشتركان في غالبية الأعضاء، ولديهما قيم مشتركة وتواجهان تهديدات وتحديات مماثلة.

ففي 10 يناير/كانون الثاني 2023 الماضي، وقع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الإعلان المشترك الثالث بشأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والناتو لتعزيز وتوسيع الشراكة الاستراتيجية بين الناتو والاتحاد الأوروبي.

وتعهد الطرفان فيه بتعزيز دعمهما لأوكرانيا لثقل دفاعاتها في وجه العملية العسكرية الروسية، وتكثيف التعاون بين أوروبا والحلف الذي تقوده الولايات المتحدة. كما اتفق الجانبان على أن الناتو المدعوم من القوة العسكرية للولايات المتحدة، يبقى حجر الأساس لأمن أوروبا رغم محاولات الاتحاد الأوروبي تعزيز دوره الدفاعي.

إلا أنه رغم ذلك “التناغم”، كانت هناك أصوات من داخل دول أوروبا والاتحاد الأوروبي تنادي بضرورة إيجاد قوة عسكرية سريعة التدخل، تكون قادرة على التدخل عسكريا في مناطق النزاع الإقليمي والدولي، من شأنها دعم القرار الأوروبي.

وهو ما أشار إليه الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ بعد توقيع الإعلان المشترك، مؤكدًا أهمية تعزيز قوة دفاع أوروبي أكثر قدرة على مواجهة التحديات، يمكنها المساهمة بشكل إيجابي في تحقيق الأمن والاستقرار الأوروبيين، شريطة أن تكون مكملا للناتو وتحافظ على تيسير التعاون المتبادل”.

ورد رئيس المجلس الأوروبي على تصريحات أمين الناتو، مؤكدًا موافقته على بقاء “الأطلسي” أساسيا في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي، لكنه شدد على أنه لن يتم التخلي عن مسعى تقوده فرنسا من أجل تعزيز “الاستقلال الاستراتيجي” الأوروبي، مشيفًا أن “جعل أوروبا أقوى يجعل الناتو أقوى، لأن من شأن حلفاء أقوى أن يقيموا تحالفات أقوى”.

لماذا تسعى أوروبا لتشكيل جيش موحد؟

التفكير نحو تشكيل جيش أوروبي موحد، يأتي ضمن طموحات أوروبا، بتامين أمنها القومي في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد، وفي أعقاب تهديدات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السابقة، برفع الحماية في حالة عدم تكثيف دول أوروبا إنفاقها العسكري.

وفي محاولة أوروبية للتقليل من الاعتماد على الولايات المتحدة على الصعيد العسكري، وقعت أكثر من 20 دولة من الاتحاد الأوروبي بينها ألمانيا وفرنسا يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على ميثاق للدفاع ودمج التخطيط العسكري وتطوير الأسلحة والعمليات العسكرية؛ بهدف خلق عهد جديد من التكامل العسكري على الصعيد الأوروبي لتدعيم وحدة الاتحاد وجعله أكثر تماسكا في التعامل مع الازمات الدولية، في أعقاب قرار بريطانيا الخروج منه.

وتقول صحيفة “أرغومينتي أي فاكتي”، نقلا عن خبراء، إن الاتحاد الأوروبي يريد إنشاء جيش خاص به، كون دول الاتحاد لا تريد زيادة تمويل قواعد الناتو وعديد وحداته.

وفي تقرير سابقة لصحيفة “تايمز” البريطانية، فإن أعضاء الاتحاد قرروا العودة إلى هذا الموضوع بعد قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد.

ويقول رئيس مركز المعلومات السياسية أليكسي موخين، إن بروز فكرة إنشاء جيش ذاتي للاتحاد الأوروبي ترجع إلى ضغط الولايات المتحدة على الاتحاد بهدف نشر قواعد جديدة للناتو في الأراضي الأوروبية، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما طلب قبل ترامب من الاتحاد الأوروبي زيادة تمويل القواعد الموجودة في أوروبا.

وردا على هذا، بدأ الحديث عن إنشاء جيش أوروبي لموازنة قواعد الناتو؛ لأن الأوروبيين يدركون أنه من الأفضل أن تخصص هذه النفقات لجيشهم وليس لجيش غريب، إذ عندما نتحدث عن قواعد الناتو، فإننا نعني القوات الأمريكية، وهذا ما تؤكده قاعدة “رامشتاين” في ألمانيا، بحسب رئيس مركز المعلومات السياسية.

أليكسي موخين، أضاف: عندما أصبح واضحا أن الحضور الأمريكي سيزداد، ما سيتطلب زيادة النفقات المالية، فإن فكرة إنشاء جيش أوروبي ذاتي أصبحت أكثر وضوحا، رغم أن تنفيذها يحتاج إلى ما بين 5 – 10 سنوات، إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يملك هذا الوقت.

وأشار المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى أن أوروبا تحاول من فكرة تشكيل جيش أوروبي سد الثغرات الأمنية، أمام تصاعد تهديدات الجماعات المتطرفة وتنظيم داعش، وكذلك من أجل ضبط الحدود الداخلية والخارجية لدول أوروبا.

وأكد أنه من المحتمل أن يشكل الجيشان الألماني والفرنسي العمود الفقري لدول الاتحاد الأوروبي في أعقاب خروج بريطانيا، مشيرًا إلى أن ما تريده دول أوروبا، أن يكون لها دور في النزاعات الإقليمية والدولية، بعد ان أدركت أن “دورها ضعيف، وأن دورها السياسي، لا يمكن أن يكون قويا بدون وجود قوة عسكرية وأمنية داعمة إلى القرار الأوروبي”.

متى طرحت الفكرة؟

ناقش الاتحاد الأوروبي فكرة إنشاء جيش أوروبي لأول مرة في عام 1950، وقد اقترحتها فرنسا وكانت ستتألف من الدول الست الداخلية: (بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية في ذلك الوقت) ، بالترتيب لتعزيز الدفاع ضد التهديد السوفياتي دون إعادة تسليح ألمانيا مباشرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وفي عام 1952 تم التوقيع على المعاهدة المؤسسة لمجموعة الدفاع الأوروبية، لكن لم تصدق عليها الدول الأعضاء.

ومنذ الحرب الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، تنبه قادة أوروبا إلى أهمية وجود جيش أوروبي موحد لمواجهة التحديات الأمنية القائمة.

وفي مارس/آذار 2022، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه كان يأذن بإنشاء قوة “انتشار سريع” قوامها 5000 فرد، مستقلة عن الناتو (وهي خطوة كانت قيد الإعداد قبل نزاع أوكرانيا بفترة طويلة)، لكن أثناء مناقشة هذا التطور، سارع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى استبعاد أي خطوات أكثر جرأة.

ماذا يعني إنشاء جيش أوروبي موحد؟

يقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إنه إضافة إلى مواجهة التحديات الأمنية التي تفرضها الحرب الأوكرانية، وتعزيز النشاط العسكري لدول القارة الأوروبية في ضوء تفاهمات مشتركة، فإن إنشاء جيش موحد لدول الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يوفر درجة من الاستقلال الأمني عن الولايات المتحدة، وهو أمر هام بالنسبة للدول الأوروبية.

وأشار المركز إلى أن أوروبا كانت قلقة بشأن انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن السريع للقوات الأمريكية من أفغانستان، وتجددت الدعوات لتشكيل قوة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي.

ورغم أن مؤيدي “الحكم الذاتي الاستراتيجي” في أوروبا يرون أن سقوط كابول يجب أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ، إلا أن آخرين لا يرونه تهديدًا وجوديًا ويقتنعون بالبقاء كشركاء صغار للقوة العسكرية الأمريكية.

وتقول “IRIS ” وهي مؤسسة فكرية فرنسية، في دراسة عام 2020، إن الاتحاد الأوروبي غير قادر على حماية مواطنيه أو حماية نفسه كوحدة سياسية، مشيرة إلى أن دول الاتحاد غير قادرة على الدفاع عن نفسها باعتبارها فاعلا جيوسياسيا حيويا.

الأمر نفسه أشارت إليه أنجريت كرامب كارينباور، وزيرة دفاع ألمانيا آنذاك، مؤكدة أنه بدون القدرات النووية والتقليدية لأمريكا، لا تستطيع ألمانيا وأوروبا حماية أنفسهما.

ويقول المركز الأوروبي، إن هذه الحقائق باتت واضحة، فيما هذه التقييمات تبقى صحيحة بعد ذلك بعامين وهو ما يعزز أهمية وجود قوة عسكرية موحدة لأوروبا.

وهناك عدة عوامل تعيق بناء جيش أوروبي، وهي عدم وجود مفاهيم عسكرية موحدة وكذلك عدم وجود قوة عسكرية للتدخل السريع والقيادة المشتركة، بالإضافة إلى ذلك، لا تريد دول البلطيق ودول أوروبا الشرقية الأخرى استبدال مظلة المحيط الأطلسي بالحماية الأوروبية.

المصدر: MSN.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى