بقاء شنكال مرتبط بقوة وعزيمة وتنظيم المجتمع الإيزيدي
في مسعى إلى القضاء على المجتمع الإيزيدي، وبدعم مباشر من دولة الاحتلال التركي، ووسط تواطؤ الحزب الديمقراطي الكردستاني وتخاذل الحكومة العراقية، شن مرتزقة داعش، في 3 آب 2014، هجوماً على قضاء شنكال بهدف القضاء على الشعب الإيزيدي الذي يعد من أقدم الشعوب في العالم.
الهجوم على شنكال كان مخطط له مسبقاً، وشاركت فيه عدة قوى، وفي مقدمتها دولة الاحتلال التركي، التي كانت توجّه داعش وتدعمه مادياً ولوجستياً واستخباراتياً، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي فرّت قواته من شنكال عقب الهجوم، والحكومة العراقية التي لم تبدِ أي موقف حيال الهجوم وسحبت قواتها.
عقب هجوم مرتزقة داعش على شنكال، تدخلت وحدات حماية الشعب YPG والمرأة YPJ تلبية لنداء أبناء شنكال، كما تدخلت قوات الدفاع الشعبي HPG ووحدات المرأة الحرة- ستار YJA- STAR، وتم فتح ممر آمن بين روج آفا وشنكال من أجل إجلاء الأطفال والنساء والشيوخ.
بعد الهجوم الذي تعرض له شنكال أدرك المجتمع الإيزيدي حجم المؤامرة المحاكة ضده، وهي القضاء على المجتمع الإيزيدي والإيزيديين بشكلٍ كامل، لذلك باشر الإيزيديون تنظيم أنفسهم بدءاً من الدفاع وتشكيل قوى حماية خاصة بهم متمثلة بوحدات مقاومة شنكال YBŞ ووحدات المرأة الشنكالية YJŞ، وصولاً إلى تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال، وتنظيم أنفسهم عبر المؤسسات المدنية والإدارية والتنظيمية؛ وسياسياً تم الإعلان عن حزب الحرية الديمقراطي الإيزيدي PADÊ، وبهذا الشكل أصبح المجتمع الإيزيدي ذا إرادة حرة، ويدير أموره بنفسه لأول مرة.
تحرير شنكال
خاض المجتمع الإيزيدي عقب هجمات مرتزقة داعش نضالاً متسارعاً على مختلف الصعد، وتمكن مقاتلو وحدات مقاومة شنكال YBŞ ووحدات المرأة الشنكالية YJŞ وقوات الدفاع الشعبي وستار HPG/YJA STAR، من تحرير شنكال من مرتزقة داعش، في 13 تشرين الثاني 2015، وواصلوا تحرير باقي المناطق التي احتلها داعش.
عقب تحرير شنكال من داعش، حاول الحزب الديمقراطي الكردستاني العودة إلى شنكال، ليس من أجل حماية الإيزيديين بل من أجل استكمال مخطط الإبادة بتوجيهات من دولة الاحتلال التركي، وهذا ما أكده عضو اللجنة القيادية لحزب العمال الكردستاني PKK، مراد قره يلان، في تصريح لصحيفة يني أوزكور بوليتكا (Yenî Ozgur Polîtîkayê)، حيث قال: “بعد أن حررت قواتنا شنكال، وأرسل الشعب إلى روج آفا، سألَنا السيد مسعود البرزاني والسيد مسرور البرزاني عن طريق مبعوث (هل لديكم بالفعل قوات في شنكال..؟) قلنا: “نعم لنا قواتنا في شنكال، نحن الآن ننقل أهل المنطقة إلى روج آفا، ومرةً أخرى أرسلوا مبعوثهم وطلبوا منا المساعدة في انضمام قواتهم إلى قواتنا والعودة إلى شنكال، قلنا نعم ممكن، بالطبع لم يكن هدفنا الذهاب إلى شنكال وحدنا والقتال ضد داعش، حقيقة حينما قررنا التدخل في شنكال، أردنا أن نقيم علاقات مباشرة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، كانت لنا حلقة اتصال، ولكن حينها قالوا إنهم يقومون بمهمة أخرى وإذا تركوا هذه المهمة، سوف يفهم هذا الشيء بشكل خاطئ”.
استكمال مخطط داعش عبر محاولات خبيثة
بعد إفشال أهداف هجوم داعش على شنكال، وتنظيم المجتمع الإيزيدي لنفسه، واصل المتآمرون على المجتمع الإيزيدي ألاعيبهم واستكمال ما عجز داعش عن تحقيقه. حيث تعرضت منطقة خانصور الفاصلة بين روج آفا وشنكال لهجوم، في 3 آذار 2017، الهجوم جاء بعد زيارة أجراها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني آنذاك إلى تركيا، وأكد حينها مسؤولو دولة الاحتلال التركي، على هامش اللقاء، أن من ضمن المسائل التي بحثوها مع البارزاني كانت أوضاع الموصل وشنكال.
خلال الهجوم الذي تعرضت له ناحية خانصور تم استخدام اسم مرتزقة روج، إلا أنه كان غطاء، الهدف الرئيس منه كان اختلاق فتنة بين أبناء ورج آفا وإحداث حالات احتقان بين أبناء الشعب الكردي في روج آفا. إلا أنه وفي حقيقة الأمر؛ الذين هاجموا خانصور، وبحسب المعلومات التي وردت من شنكال والوثائق التي حصلت عليها وحدات مقاومة شنكال ووحدت مقاومة المرأة – شنكال، هم: (تنظيم الذئاب الرمادية، وقوات الزيرفاني، ومسلحو الحزب الديمقراطي الكردستاني وسربست، والحشد الوطني السني، والاستخبارات التركية وبيشمركة روج) فمن هؤلاء:
– الذئاب الرمادية: هي منظمة تركية من اليمين المتطرف، تعتبر الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية المتطرف، تعارض أي تسوية سياسية مع الشعب الكردي. وقسم من تلك المجموعة موجودة في معسكر بعشيقة، وتوجهوا إلى شنكال، بعد ارتدائهم الزي الخاص بمسلحي الديمقراطي الكردستاني.
– قوات الزيرفاني: هي قوات تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني ويترأسها عزيز ويسي.
– مسلحو الحزب الديمقراطي الكردستاني وسربست: هي قوات تبلغ قوامها قرابة الـ 10 آلاف عنصر، وكانوا يتمركزون في قضاء شنكال قبل هجمات مرتزقة داعش على القضاء منتصف عام 2014.
– الحشد الوطني السني: هم مجموعات من العشائر السنية العربية في الموصل وأطرافها، قامت قوات الاحتلال التركي بتنظيمهم وتجنيدهم وتدريبهم في معسكر بعشيقة، تحت اسم الحشد الوطني السني.
– مجموعات تركمانية: هي مجموعات مشكلة من تركمان تلعفر القريبة من شنكال، تم تجنيدهم بالمال من قبل الاستخبارات التركية.
– بيشمركة روج: هو فصيل مرتزق عسكري مسلح، تشكّل عام 2012 برعاية حزب البارزاني من أبناء روج آفا، بعد اندلاع الأزمة السورية، وتلقى تدريبات عسكرية على يد الاستخبارات التركية في معسكرات بجنوب كردستان، وتم تسميته باسم بيشمركة روج آفا أو لشكري روج، يتبناه ما يعرف بالمجلس الوطني الكردي في سوريا ENKS، لكن وزارة البيشمركة في إقليم جنوب كردستان تؤكد أنّ هذه المجموعات المسلحة ليست تابعة لها.
– الاستخبارات التركية المنتشرة في مقار بمناطق متفرقة من جنوب كردستان.
وأحد الأهداف الأخرى للهجوم الذي استهدف ناحية خانصور هو عرقلة معارك وحدات مقاومة شنكال، ووحدات مقاومة شنكال – المرأة، وقوات الدفاع الشعبي ضد مرتزقة داعش، حيث تمكنت الوحدات والقوات وقتها من تحرير مساحة كبيرة من جغرافية شنكال من مرتزقة داعش، بالإضافة إلى تأمين ملاذ آمن لأكثر من 200 آلاف نازح من شنكال.
واستشهد إثر الهجوم الذي تعرضت له ناحية خانصور التابعة لقضاء شنكال في 3 آذار 2017، ثمانية مقاتلين، بالإضافة إلى إصابة العشرات، كما استشهدت الصحفية نوجيان أرهان التي كانت تغطي ذلك الهجوم.
وانتشر مقطع فيديو يوثق كيفية اعتراض مقاتلين من قوات الدفاع الشعبي وهما جكدار وأورهان لمصفحة عسكرية تابعة للمسلحين المهاجمين بهدف منع تقدمها، وحينها قامت تلك القوة المهاجمة بقتل المقاتلين الاثنين دون تردد.
وفي 1 نيسان 2018، أعلن حزب العمال الكردستاني بعد إتمام مهمته والقيام بواجبه، الانسحاب من شنكال. إلا أن دولة الاحتلال التركي والحزب الديمقراطي الكردستاني لم يوقفا ألاعيبهما، وبدأت سلسلة هجمات عبر الطائرات الحربية والمسيّرة بموجب المعلومات التي كان يدلي بها الديمقراطي للاستخبارات التركية، تم استهداف قياديين بارزين في وحدات مقاومة شنكال بادئ الأمر.
المؤامرة مستمرة بطريقة أخرى
لم يرُق تقوية المجتمع الإيزيدي منظومته التنظيمية والعسكرية والإدارية للقوى المتآمرة، (تركيا والديمقراطي الكردستاني)، اللذين سعيا جاهدين للقضاء على المجتمع الإيزيدي، ولم يكن ذهاب قوات الديمقراطي الكردستاني إلى شنكال إلا لهذا الغرض، حيث وسّع الديمقراطي شبكة استخباراته بتوجيه من الاستخبارات التركية التي باشرت استهداف قياديي وإداريي المجتمع الإيزيدي عبر المعلومات التي زودها الديمقراطي الكردستاني بها؛ ففي 15 آب 2018 استهدف طيران الاحتلال التركي سيارة عضو منسقية المجتمع الإيزيدي وعضو الهيئة التنفيذية لمنظومة المجتمع الكردستاني مام زكي شنكالي، أثناء عودته من مراسم استذكار شهداء مجزرة قرية كوجو في شنكال، واستشهد على إثرها.
إبادة بتغطية قانونية
بعد فشل الدولة التركية والديمقراطي الكردستاني في فرض إملاءاتهم على المجتمع الايزيدي، أبرمت الحكومة العراقية التي يترأسها الكاظمي والحزب الديمقراطي الكردستاني اتفاقية حول شنكال، في 9 تشرين الأول 2020، بدعم وتوجيه مباشر من دولة الاحتلال التركي، والهدف الرئيس هو إبقاء المجتمع الايزيدي دون أي حماية أو إدارة أو إرادة، لذلك انتفض الشعب الإيزيدي، واعتبر أن الاتفاق نوع آخر من أنواع الإبادة الجماعية، بتغطية قانونية، وأكد أنه لن يفسح الطريق للذين تركوه بين براثن مرتزقة داعش وتسببوا في الإبادة الجماعية للشعب الإيزيدي للعودة إلى شنكال.
عقب اتفاقية 9 تشرين الأول، تدخل الجيش العراقي على الخط، ففي 20 نيسان 2021، حاولت مجموعات من الجيش العراقي الدخول إلى قرية تل زرك غرب شنكال، وقف أهالي المنطقة في طريق الجيش العراقي ولم يسمحوا لهم بدخول منطقتهم. وتكررت محاولات الجيش العراقي، فيما لم يبق المجتمع الإيزيدي مكتوف اليد وانتفض في كل مرة وأوقف تحركات الجيش العراقي وما زال مستمراً في نضاله.
استهداف قادة المجتمع الإيزيدي
مخطط دولة الاحتلال التركي والديمقراطي الكردستاني استمر بطريقة قذرة أخرى، ألا وهي استهداف قادة المجتمع الإيزيدي، ففي يوم 16 آب 2021، استشهد القائد في وحدات مقاومة شنكال سعيد حسين، إثر استهداف سيارته من قبل مسيّرة تابعة لدولة الاحتلال التركي. وسعيد كان مناضلاً فذاً بين المجتمع الإيزيدي ووهب حياته منذ أعوام ليتمكن الشعب الإيزيدي من نيل حريته وتنظيم وإدارة نفسه وحماية نفسه، وحمل على عاتقه مهمة القيادة.
وفي 7 كانون الأول 2021، استشهد الرئيس المشترك للإدارة الذاتية في قضاء خانصور مروان بدل خديدا، إثر تعرض سيارته لهجوم شنته مسيّرة تركية. وفي 11 كانون الأول 2021 شنت الطائرات التركية هجوماً على مجلس الشعب في خانصور، وألحقت أضراراً مادية كبيرة بالمبنى. وسارع إعلام الديمقراطي الكردستاني إلى ترويج ادعاءات مفادها أن القصف استهدف “قاعدة لحزب العمال الكردستاني”.
الخلاصة:
إن المؤامرة بحق المجتمع الإيزيدي ما زالت مستمرة من قبل دولة الاحتلال التركي والديمقراطي الكردستاني، إلا أنها تتغير بموجب المتغيرات المرحلية، وشعب شنكال يعي جيداً حجم المؤامرة المحاكة ضده، لذا وفي كل مرة يبدي ردة فعل قوية نابعة من قوة تنظيمه الإدارية والمجتمعية والعسكرية. وما لا شك فيه أنّ بقاء المجتمع الإيزيدي على قدمه حتى الآن دليل دامغ على عزيمة وإرادة شعب شنكال، والأهم كلما قاوم شنكال كلما استطاع العيش بحرية وسلام.
المصدر: ANHA.