مقالات

الكرد بين داعش والإبادة الجماعية

بدأ التدخل التركي في سوريا بعملية درع الفرات عام 2016، عندما اجتاحت تركيا برفقة مقاتلين من المعارضة السورية مدينة جرابلس، وكان هدف تركيا – كما ادعت – هو تطهير الحدود التركية من تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية، وانتهت العملية بنجاح في مارس 2017 حسب ادعاء رئيس الوزراء التركي بن علي يلدم، الذي قال: إن العملية حققت أهدافها وانتهت، وأنه من الممكن فيما بعد شنّ عمليات مشابهة في حال كان هنالك خطرٌ على أمن بلاده. وفي هذه العملية لم يُقتل داعشيٌّ واحد!

ما قاله رئيس الوزراء التركي أسّس لعمليات تركية أخرى، كان احتلال مدينة عفرين الكردستانية هو أحد نتائجه عام 2018. وما يحدث الآن في سريه كانية (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) هو امتداد للعمليات التركية المتواصلة، والتي لن تتوقف حسبما صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة، وقد صرّح وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو قبل أيام أن الولايات المتحدة وروسيا لم تتخذا الإجراءات الضرورية لتسوية التوتر شمال شرق سوريا، مهدداً بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في المنطقة حال عدم إخلائها من “الإرهابيين”، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية، رغم أن العملية لم تتوقف أصلاً؛ وهي مستمرة على مرأى ومسمع الجميع حتى هذه اللحظة.

كل ذلك لا يمكن تسميته إلا بالتشبيح والزعرنة السياسية العالمية، ويبدو أن تركيا عرفت كيف تلعب على حبلي الولايات المتحدة وروسيا، فترمب هو رجل النفط والأبراج والصفقات التجارية، وبرج ترامب في اسطنبول هو أحد شواهد الصداقة التركية الأمريكية، هذا الرجل – ترمب – صرّح أكثر من مرة أنه سيحمي الكرد، وكان كلامه واضحاً للسيدة إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية في مجلس سوريا الديمقراطي عن الحماية التي سيقدمها عندما زارت واشنطن في إحدى المرات، لكنه تراجع عن كلامه في الأشهر الأخيرة، ليتيح للجيش التركي وفصائله المسلحة باجتياح أجزاء أخرى من شرق الفرات. مرتكبين جرائم وانتهاكات عظيمة بحق الكرد بالذات. ومن جوامع الكرد في سري كانيه نادوا بذبح الكرد لأنهم كفار وملاحدة!، مستخدمين نفس اللغة التي كانت داعش تستخدمها، وكل الجهود التي يبذلها الكونغرس الأمريكي ليست سوى ترقيعاً للامنطقية ترمب في التعامل مع الملف السوري أو الشرق أوسطي بتعبير أدق، لأن أمريكا لها مصالح تتجاوز الكرد وحتى سوريا؛ وتذبذباته في التغريدات التي يطلقها بين الحين والآخر، حتى بات الشعب الكردي يعيش التعاسة والسعادة بين كل تغريدة وأخرى. أما بالنسبة لروسيا فرغم العداء التاريخي التركي الروسي، لكن شراء منظومة الصواريخ إس 400، وسوتشي والاستانات المتكررة تعتبر طعنة في خاصرة أمريكا، وابتعاداً عن الناتو كما صرّح المسؤولون الأمريكيون أكثر من مرة. تركيا التي تفصل بين الكتلة الشيوعية والكتلة الرأسمالية تحاول الاستفادة من كل الطرفين لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط.

يمكن وضع كل الإدارة الأمريكية موضع الاتهام؛ حين الحديث عن العملية العسكرية التركية، فالتحشيد التركي كان مستمراً قبل إخلاء القواعد الأمريكية في سري كانيه وكري سبي، تركيا في تحشيداتها تلك كانت واثقة مما تقوم به، وأكثر المحللين السياسيين أبدوا استغرابهم لهذا التحشيد الذي يُنبئ بعملية عسكرية وشيكة رغم الرفض الأمريكي، لكن ما إن اكتمل التحشيد حتى تم إخلاء القواعد الأمريكية، ولن يصدق أحد أن أمريكا لم تعط الضوء الأخضر لتركيا في هذه الحالة، لأن كل ما حصل كان يوحي باتفاق مسبق.

لم تمارس تركيا هذا التشبيح السياسي تجاه أمريكا وروسيا فقط، بل تجاه أوروبا أيضاً، ففي الأيام الأولى للاجتياح التركي لشرق الفرات، هدد أردوغان أوروبا بطريقة استفزازية بأنه سيفتح الباب أمام أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ إلى أوروبا فيما لو لم تدعمه أوروبا في خطته لإنشاء منطقة آمنة، ناسياً أو متناسياً أن عمليته العسكرية في شرق الفرات ستفتح الأبواب أمام موجة نزوح عظمى داخل شرق الفرات، والتي قد تُزيد من عدد اللاجئين إلى أكثر مما يقوله الرئيس التركي، وأوروبا ستكون أمام عدد أكبر من اللاجئين الذي هدد به أردوغان، لأن شعوب شرق الفرات تعلمت من تجربة عفرين أن دخول الجيش التركي وفصائله المسلحة إلى أي منطقة يحولها من منطقة آمنة إلى منطقة نهب وسلب وسرقة وخطف واعتقالات وفساد، لذا لا يُتوقع أن يبقى أحد في بيته إن كان مهدداً بالاحتلال التركي.

وفي ظل كل التطورات الحاصلة، نرى أن أغلب الدول الفاعلة في سوريا بما فيها الاتحاد الأوروبي تتخوّف من إعادة انتعاش تنظيم الدولة الإسلامية؛ أو ما يسمى داعش، وأغلب هذه الدول ترفض استقبال أبنائها المنظّمين في هذه المنظمة الإرهابية، هناك سلسلة لا تنتهي من التصريحات الدولية في الفترة الأخيرة التي قالت بأن العملية التركية ستعيد إحياء داعش، وكأن القضية هي قضية منظمة إرهابية مختصرة في الوجود الداعشي، أما ما يحصل بحق الكرد من إبادات جماعية وقتل على الهوية بشهادات مرئية ومسموعة فهو لا يندرج تحت بند التخّوف الدولي، وما حدث من تطرّق هذه الدول للإبادة الحاصلة بحق الكرد باسم الإرهاب، هو تطرّق خجول لا يرقى إلى مستوى المسؤولية الأممية تجاه قضية شعب يتعرض للإبادة.

القضية الحقيقية أكبر من داعش ومثيلاتها، وإن كان المجتمع الدولي صادقاً، فإن ما تقوم به تركيا وفصائلها المسلحة هو إرهابٌ دوليّ بامتياز ويجب الوقوف في وجهه بكل حزم، ولا تكفي التصريحات والتنديدات، هنا قضية شعب له تاريخ عريق يتعرض للإبادة، أما داعش فهي حالة مؤقتة، وطالما هي صناعة دولية جديدة رافقت الأزمة السورية فحتماً ستهترئ حين التوافق الدولي على إنهاءها. ولا يجب أن ننسى أن الكرد الذين يتعرضون الآن للإبادة على يد الجيش التركي وفصائله كانوا السبب الرئيس في إنهاء داعش، وهم قادرون على إنهاء هذا التنظيم حتى لو تم إحياءه من جديد.

م. إبراهيم حسين أحمد

المصدر: آدار برس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى