أخبار

​​​​​​​التحرك العسكري الروسي صوب أوكرانيا وتأثيراته على الشرق الأوسط

يشير مجتمع الخبراء والمراقبون إلى أن التحرك العسكري الروسي صوب أوكرانيا ما هو إلا علامة على بدء تغيير خارطة القوى العالمية والتي بدورها ستؤثر على الملفات الشائكة وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وكذلك الأمن الغذائي.

بدأ التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا بعد تحشيدات وتوتر بين موسكو والغرب استمر لأشهر، وتختلف الآراء حيال النهج الذي ستتخذه موسكو بعد التحرك، فالرئيس فلاديمير بوتين يواصل ويُصعّد من سياسة الضغط الشديد على أوكرانيا، ليفرض الاستسلام على كييف كي تغيّر سياساتها وتعود للدوران في الفلك الروسي، الأمر الذي سيترك أثره من كل بد على العالم والشرق الاوسط، ولاسيما أن غالبية المحللين يرون أنه في حال السيطرة الروسية الكاملة على أوكرانيا، سيغير هذا الأمر من موازين القوى العالمية ومن النظام العالمي الحالي الذي تسيطر عليه واشنطن، وحينها على العالم والدول الغربية والعربية أن تغير سياساتها وفق هذا التغيير.

سوريا

وفي البداية سنتحدث عن بلدنا، حيث خرجت سوريا كدولة إقليمية مؤثرة على الساحة الدولية، وتحولت إلى دولة متأثرة بالتغيرات العالمية، فالتحرك العسكري الروسي في سوريا على مدى العقد الماضي غيّر من الجيش الروسي، وخاصة أن الأخير اعتبر الساحة السورية ساحة اختبار لكافة الأسلحة الفتاكة، والذي يعتبرها البعض بأنها كانت حملة تمهيدية للانطلاق صوب أوروبا، والفضاء السوفييتي السابق.

أظهرت روسيا بأن لها دبلوماسية ذكية في سوريا، وخلقت ترتيبات مع الغرب أجبرت الأخير على قبول تحركها في هذا البلد. وشكلت دوريات مشتركة مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي التي دعمت المرتزقة السوريين لفرض الهدنة في بعض المناطق، وكذلك أبرمت تفاهمات مع إسرائيل سمحت للأخيرة بتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، وأنشأت ما يسمى بخط عدم التصادم مع الولايات المتحدة لمنع الاحتكاك بين الطائرات الأميركية والروسية التي تحلق في سماء سوريا.

ومع ذلك تعد موسكو الكثير من الخيارات لتحدي الغرب وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في البحر المتوسط ​​والشرق الأوسط كوسيلة عبر فتح نقطة ساخنة عالمية جديدة، وذلك عبر المناورة البحرية والجوية الواسعة النطاق التي أجراها الجيش الروسي في شرق البحر المتوسط ​​في الأيام القليلة الماضية، حيث شهدت المناورات إطلاق قاذفات بعيدة المدى ذات قدرة نووية وطائرات مقاتلة تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت من قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا.

واعتبر المراقبون هذه المناورات، عبارة عن تحدي روسي صارخ لجنوب الناتو عبر التمليح إلى قدرة روسيا في خلق المشاكل عبر فتح جبهة جديدة ضد الغرب في الشرق الأوسط، انطلاقاً من سوريا.

وعملت روسيا منذ تحركها في سوريا بطلب من حكومة دمشق، على بسط سيطرة الأخيرة على الأراضي السورية التي خسرتها، ونشر نظام وقف إطلاق النار على كافة الجبهات، نظراً لأن مصلحة موسكو تكمن في ذلك، وذلك للتفرغ لمحيطها السوفييتي السابق، في ظل التراجع الأميركي العام على الساحة العالمية.

ويبدو أن التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا سيكون له تأثير عميق على سوريا. بداية، ربما تكون العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة قد تعرضت الآن لضربة قاتلة. لأشهر في عام 2021، كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن يمهد الطريق لإطلاق جهد دبلوماسي متعدد الأطراف “خطوة بخطوة” وفي عام 2022. كانت احتمالات نجاحها ضئيلة دائمًا، لكنها تبدو وكأنها حلم بعيد المنال الآن.

وفي حال فازت روسيا عبر تحركها في أوكرانيا، ستعتبر حكومة دمشق نفسها فائزة، ويمكن أن يساعد هذا الأمر، جنبًا إلى جنب مع شريكه الإيراني، حكومة دمشق في استعادة المناطق التي تسيطر عليها مرتزقة جبهة تحرير الشام الموالية لتركيا، وبالتالي حدوث حركة نزوح جديدة لا تستطيع أنقرة تحمل تبعاتها، وهذا بطبيعة الحال سيقوي ما يسمى “محور المقاومة” المعادي لإسرائيل.

إسرائيل

تعتبر إسرائيل في مقدمة الدول المتحالفة مع واشنطن، ولكن في الوقت عينه تعتبر العلاقة الروسية الإسرائيلية علاقة جيدة، وخاصة عبر وجودة صيغة تعاون بين تل أبيب وموسكو في سوريا، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، ولذلك سترى تل أبيب نفسها تمشي على حبل مشدود، ويجب عليها عدم اتخاذ أي مواقف استباقية تضر بها، وتضر بعملياتها في سوريا التي تستهدف التواجد العسكري الايراني، وخاصة بعد الحديث المتكرر عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي بين القوى العالمية وإيران، فأي إدانة إسرائيلية للتحرك الروسي من شأنه أن يقيد وصول تل أبيب إلى الأهداف الإيرانية.

تل أبيب باتت في موقف صعب، وخاصة مع تزايد قدرة حزب الله من الشمال وحماس من الجنوب، ولذلك فهي أمام تحد صعب للغاية فيما يتعلق بخيارات المناورة الإسرائيلية في مواجهة التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا، فتل أبيب باتت أمام تحد صعب للغاية، فهي من جهة شريك للغرب والولايات المتحدة، وهي تتماهى مع الاعتراضات الغربية على ما يحدث في أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، باتت إسرائيل عملياً جارة لروسيا (في سوريا).

وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الأسبوع المنصرم، عند حديثه عن وجود روسيا لمدة سبع سنوات في سوريا، أنه قال للأميركيين إن إسرائيل تشبه دولة البلطيق أكثر من كونها دولة شرق أوسطية، لأنها، أيضًا، لديها روسيا كجار.

إيران

تزامن انزلاق الأوضاع في أوكرانيا، مع اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، والتي يعتبرها المراقبون إنجازاً كبيراً لموسكو (حليفة طهران).

قد لا تفصلنا سوى أيام قليلة عن توقيع استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ولكن ما زال من غير الواضح ما إذا كان التحرك الروسي صوب أوكرانيا سيؤثر على قرار إيران بطريقة أو بأخرى.

وليس من المستغرب أن وزارة الخارجية الإيرانية ألقت باللوم فيما يجري في أوكرانيا على “التحركات الاستفزازية لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة”.

ولكن يعتبر الخبراء أن أي سيناريو غير مرض لموسكو، يمكن أن تتحرك الأخيرة لإقناع الإيرانيين بعدم التوقيع على أي اتفاق نووي جديد مع الغرب، ووعدهم بتقديم مساعدات روسية، ربما من خلال مساعدة طهران في بناء بنية تحتية نووية مدنية ضخمة يمكن أن تكون للاستخدام المدني/ العسكري المزدوج.

هذه خطوة من شأنها أن تخلق حالة من الذعر في الغرب والشرق الأوسط، وستسبب ألمًا واضحًا لإدارة بايدن من خلال إلحاقها بهزيمة سياسية هائلة. تجديد الاتفاق النووي مع إيران هو أمر وضعته إدارة بايدن على رأس قائمة أولويات سياستها الخارجية.

ومن ناحية أخرى، إذ طال أمد التحرك الروسي في أوكرانيا، فإن إيران ستكون المستفيد الأول في سوريا، إذ أن موسكو ستركز حينها على فنائها الخلفي وستترك الساحة نسبياً لإيران مما يتيح لها هامشاً من الحركة، ولعل الزيارة الأخيرة التي قام بها مدير مكتب الأمن الوطني لدى دمشق علي مملوك إلى إيران، تأتي لتنسيق الخطوات.

تركيا

وليس بعيداً عن طهران، فأن تأثير التحرك الروسي في أوكرانيا سيؤثر على أنقرة أيضاً، إذ كشفت التطورات المتسارعة على الساحة الأوكرانية، عن وجود إرباك كبير في السياسة الخارجية التركية، فهي أصبحت كالشخص “البالع الموس على الحدين”، فهي من جهة جزء من حلف الناتو وحليفة لأوكرانيا، ومن جهة أخرى لديها علاقة جيدة مع موسكو، ولذلك فقد تواجه أنقرة تحديات بشأن الحفاظ على “معادلة التوازن الصعبة” التي تسير بها بين روسيا وأوكرانيا، والتي قد تعكس على سياسة أنقرة في سوريا (احتلال أجزاء من شمال وشرق سوريا بالاستفادة من التناقضات بين روسيا وأميركا” والقوقاز (عبر شن أذربيجان هجمات على أرمينيا وقره باغ) وكذلك ليبيا.

كانت تأمل أنقرة بأن لا تتحرك روسيا عسكرياً صوب أوكرانيا، وذلك ظناً منها بأنها ستقوم بلعب الدور الوسيط بين الطرفين، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن أردوغان، والتحرك الروسي عقد كثيراً من الموقف التركي، والذي يصفه الناتو بغير المقنع، حيث يدرك الأخير بأن التحرك الروسي سيعيد رسم الخارطة الأمنية والسياسية في العالم، والتي بدروها ستؤثر على طبيعة العلاقة ما بين دول الخليج العربية (بقيادة الرياض وأبو ظبي).

والآن تبدو تركيا مجبرة على تحديد موقفها وإلى جانب من تقف، وفي الحالين تركيا في وضع صعب، فإن وقفت إلى جانب روسيا، سيغضب الناتو وأميركا، وإن وقفت إلى جانب أوكرانيا ستغضب روسيا، وتركيا التي يعيش نظامها وضعاً صعباً على المستوى الداخلي نتيجة الانهيار الاقتصادي وخارجياً نتيجة سياساتها التدميرية، لا تتحمل صفعة جديدة من أي طرف كان والذي سيكون له تداعيات على الانتخابات التي ستجرى في عام 2023.

دول الخليج

تحاول كل من الإمارات والسعودية، الحفاظ على نوع من التوازن في علاقتها مع موسكو وواشنطن، عبر إنشاء علاقات اقتصادية مع روسيا، على الرغم من أنها من أكبر المتحالفين مع الولايات المتحدة.

ومنذ نشوء تلك القوتين الخليجيتين، وقفتا إلى جانب أميركا، لكن هذا الأمر بدأ يتغير وبدأتا تنتهجان سياسات خارجية أكثر استقلالية وعقد علاقات مع خصوم واشنطن في موسكو وبكين.

وتعتقد كل من الإمارات والسعودية أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تنفصل عن الشرق الأوسط. لقد كانوا يعربون بشكل خاص عن استيائهم من السياسات الأميركية التي فسرتها دول الخليج على أنها تخلي أميركي عن حلفائها التقليديين في المنطقة عبر توقيع اتفاق نووي مع إيران و”الخذلان” الخليجي من ردة فعل واشنطن على الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو والانسحاب من أفغانستان.

أدى اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى وضع دول مجلس التعاون الخليجي في موقف محرج بحيث عليهم الاختيار بين شراكتهم التاريخية مع الولايات المتحدة وعلاقاتهم الاقتصادية والسياسية المتنامية مع روسيا. حتى الآن، حافظوا على عدم لفت الأنظار، والتزموا الصمت وأعربوا عن أملهم في حل دبلوماسي للأزمة.

من بين حكومات دول مجلس التعاون الخليجي التي لن تكون قادرة على البقاء حيادية هي دولة الإمارات العربية المتحدة التي بدأت فترة ولايتها التي تبلغ عامين كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الأول من كانون الثاني.

وامتنع الإماراتيون عن التصويت على التصويتين اللذين عرضا على المجلس بشأن الوضع في أوكرانيا، الأول يطالب بوقف التحرك الروسي والثاني اقتراح إجرائي لإحالة الموضوع إلى الجمعية العامة.

وعلى الرغم من أن الأصوات الإماراتية ما كان لها أن تؤثر على نتيجة مناقشة المجلس في كلتا الحالتين، إلا أن إحجام أبوظبي عن اتخاذ موقف واضح من التحرك الروسي من المرجح أن يصبح أكثر وضوحًا وأكثر حرجًا مع استمرار الأزمة.

الإماراتيون مكشوفون أيضًا لأن دبي تعد مركزًا ماليًا وتجاريًا رئيسيًا للشركات الروسية، وبالتالي، من المتوقع أن تتبع أنظمة العقوبات الأميركية والأوروبية التي يتم وضعها. أي شيء أقل من الالتزام الكامل بدعم الجهود الدولية لمعاقبة الروس يكاد يكون من المؤكد أنه سيتم ملاحظته في العواصم الغربية.

الغذاء

يشكل القمح المصدر من روسيا وأوكرانيا ما يقرب من نصف واردات القمح في الشرق الأوسط، حيث سينعكس التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها، وستؤدي إلى إلحاق الضرر بغالبية العائلات في جميع أنحاء المنطقة، والتي بدورها قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات سياسية، حيث أتت هذه الحرب في أوكرانيا في وقت سيء جداً بالنسبة لشعوب المنطقة، حيث يكافح الناس بالأساس ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع المحاصيل المحلية وذلك نتيجة التغير المناخي وقلة الأمطار.

تساهم كل من روسيا وأوكرانيا بجزء ضخم في تزويد المنطقة بالقمح، إذا تسببت الحرب في تعطيل هذه الإمدادات، فقد يؤثر ذلك بشدة على البلدان التي تعتمد على استيراد الغذاء مثل مصر واليمن وليبيا ولبنان وغيرها.

المصدر: ANHA.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى