مقالات

الإسلام المسيحي

قد يظنُّ البعض أنّ الهدف من العنوان هو شدّهم لقراءة المقال، لكن هو في الواقع حقيقةٌ – ولو جزئيةٌ – قد تكون مبكيةٌ مضحكةٌ في نفس الوقت. يبدو أنه مكتوبٌ علينا الابتلاء بداء غيرنا، أو المرور بنفس عثراتِ أممٍ أخرى. والطامّة الكُبرى في كل ذلك أن نكتشف أننا – في القرن الواحد والعشرين! – بحاجة إلى ثورةٍ فكريةٍ كما حصل لغيرنا قبل مئات السنين.

من خلال متابعتي لوسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الانترنيت، خاصةً الكثيرَ من الفيديوهات المنشورة على موقع يوتيوب وغيره، فُوجئت بأناسٍ على مستوى عالٍ من الثقافة يتحدثون – بما يناقض البداهة – عن مفاهيم وقوانين فيزيائية؛ باتت معروفة للصغير قبل الكبير. ونقولُ بداهةً، لأن بعض تلك القوانين تطبّقها الآن تلامذةُ المدارس في ورشاتهم الصغيرة.

من تلك الشريحة المثقفة الآن مَن ينفي دوران الأرض حول نفسها! وهناك من يقول الأرض ثابتة والشمس تدور حولها، وأغربُ ما شاهدته – حتى على قنواتٍ تلفزيونية – أن يقول أحدهم بأن الأرض مسطّحة وليست كروية! يريدون بذلك أن يؤكدوا بأن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) كانت تضحك على الناس طوال كل هذه الأعوام لكي توهِمَهُم أن الأرض كروية، والسبب في ذلك هو إخفاء فشلها في إدراك حدود ونهايات الأرض!

تفكيرٌ كهذا؛ وفي ظل كلّ التطور التكنولوجي القائم حالياً؛ يدعو أحدُنا للطم على الخد، ويثيرُ اشمئزازاً علمياً، ولا تستغرِب استغرابي، فعندما تسمعهم؛ وتجدهم يستميتون في سبيل اثبات هذه الفكرة، وأنت تعلم أن جُلّ ما يقولونه هو مجرد ترّهات لا قيمة لها، طبعاً ستشعر بالقرف.

أول هؤلاء النماذج، شيخٌ محترم، من المملكة العربية السعودية؛ يلقي محاضرته بكل ثقة، ويقول الأرض لا تدور. لأنها لو كانت تدور فعلاً؛ فليس هناك داعٍ للطائرة أن تتحرك بعد إقلاعها (لو كانت متجهة للصين). لماذا؟ لأن الصين ستأتي إليها، يكفي أن ترتفع وتأتي الصين! طبعاً نسي هنا أمراً مهماً، أن ما يقوله بحسبِ فهمه للأمر يجب أن يطبّق على الحياة اليومية أيضاً، فلا داع لاستعمال السيارات، لأن الذهاب إلى العمل؛ لو كان على بعد كيلومترين، لا يتطلب منا سوى القفز، ومكان العمل سيأتي إلينا بأربع قفزات فقط. لأن سرعة دوران الأرض حول نفسها هي 465 متراً في الثانية.

طبعاً لا بدّ من توضيح فكرة ما سبق، فالأرض بما عليها من بشر، وأبنية، وجبال وبحار، وغلاف جوي، هم جزء منها، وكلُّهم يدورون بنفس سرعة الأرض المعروفة حول نفسها، لذا أنت تمارس نشاطك على الأرض دون أن تشعر بهذه السرعة لأنها ثابتة.

أمثالُ هؤلاء الشيوخ، وهم عديدون، يؤكدون المثل القائل بعدم التدخّل فيما لا يعنيك، لأنك إن تدخّلت، ستكشف جهلك، وتجعل الناس تضحك عليك، فخيركم من عرف حدّه ووقف عنده. مهامكم أن تعلّموني كيف أعبد الله؛ مع كافة المسائل الفقهية، ومهمتي أن أعلمك كيف تجري الأفلاك في الكون الفسيح ولأيّ قوانين تتبع. أو تعّلم مبادئ الفيزياء أولاً بدءاً من نيوتن إلى آخر النظريات الفيزيائية الحديثة، وبعدها أدلِ بدلوك كما تريد. والقرآن ليس كتاب علم، وإن كان فيه بعض الإشارات أو التلميحات إلى مسائل علمية.

ولا يجب ربط القرآن بالنظريات العلمية أصلاً، لأن القرآن كتاب الله، وهو الصدق الأبدي في كل زمان ومكان، والنظريات العلمية هي من وضع البشر، وهي تتغير، وتُدحض، وأشهر النظريات المعروفة وهي النسبية لأينشتاين والتي عمرها الآن يتجاوز المئة سنة، قالت بأن سرعة الضوء ثابتة ولا تتغير، والعلم الحديث اكتشف أن سرعة الضوء ليست ثابتة، فقد تتباطئ، حتى في آخر الدراسات قالت العلماء أن سرعة الضوء يمكن إبطاؤها للصفر!

لذا إن ربطت القرآن بنظرية علمية واكتشفت في النهاية أن النظرية خاطئة، تكون قد أتحت لغيرك المجال بالطعن في قرآنك.

يمكننا ذكر مثال آخر؛ وهو عن سيدة مصرية، اشتهرت أنها باحثة فيزيائية، تقول إن الأرض مسطّحة؛ ولا يوجد نظام شمسي، والنجوم عبارة عن مصابيح، هذه أيضاً في كل مقابلاتها التلفزيونية تقول ما سبق، وهي متحمسة جداً لإثبات فكرتها؛ وتذكر أسبابها العلمية والدينية. وهناك أمثلة عن أشخاص آخرين مصابين بنفس هذا المرض العلمي.

والمشكلةُ هنا لا تكمن في جهلهم بقوانين الفيزياء فقط، بل في جهلهم بالتاريخ، فلو عدنا قليلاً إلى الماضي وقرأنا عن أسباب نشوء العلمانية، أو محاكم التفتيش التي أقامتها الكنائس المسيحية قبل ما لا يقلُّ عن 500 عام، لما تجرؤوا على القول بأن الأرض مسطحة.

في الانجيل مذكور أن الأرض مركز الكون وهي ثابتة، وباعتباره كلام الله، فلا بد أن يكون مطلقاً في صدقيّته، لذا كان يتم معاقبة كل عالم يقول بكروية الأرض أو دورانها حول نفسها أو حتى دورانها حول الشمس. العقوبات كانت تصل لدرجة الحرق حيّاً.

المسكين نيكولاس كوبرنيكوس لم يستطع أن ينشر نظريته عن دوران الأرض حول الشمس إلا يوم وفاته، بسبب خوفه من محاكم التفتيش. وغاليليو تراجع عن أفكاره حتى لا يحرقوه، وبقي قيد الإقامة الجبرية؛ مع مراقبة أبحاثه، والكنيسة لم تعترف بخطئها مع غاليليو إلا بعد مرور 300 عام على وفاته! والأمثلة كثيرة عن علماء تم معاقبتهم لو عدنا للمراجع.

كلُّ ذلك حدث قبل وجود وكالة الفضاء ناسا وغيرها، بل إن كنا دقيقين، فإن فكرة كروية الأرض تعود إلى أكثر من ألف سنة، وقصيرو النظر اليوم يتّهمون ناسا بالضحك على الناس. لو كانت ناسا في دولة إسلامية ما كنتُ أظنهم سيعترضون على ذلك، بل كانوا سيفسرون كلمات القرآن الكريم بما يناسب ناسا الإسلامية، لكنها نظرية المؤامرة التي شلّت الأمة وأبقتنا وراء الشعوب!

أحد تلك الشخصيات الواثقة من نفسها على موقع اليوتيوب، شابُّ مصري في مقتبل العمر، يُقال عنه أنه أصغر عالمٍ عربي في الشرق الأوسط، يحاول أن يثبت أن الأرض مسطحة، وعندما شاهدتُ الفيديو، وضعت له تعليقاً قصيراً؛ ومقتضباً، وتحدّيتُه إن كان يحفظ ثلاثة قوانين في الفيزياء ولسوف أصدّق ما يقول. في اليوم التالي عندما عدت لأرى ردّه على التعليق، لم أجد تعليقي، فقد تم حذفه! أما التعليقات التي تشكره وتمجّد عمله فسوف تجدها حتماً. مع أن ما كتبتُه لم يحتوي على أي إساءة له.

هل هو سقوط فكري أم نشرٌ لإبراز الذات فقط، ألا يعلم هؤلاء أن مكانتهم العلمية لا ترقى إلى مستوى سلة مهملات؟ ألا يعلم هؤلاء أنهم يسيئون لدينهم، وأن إسلامهم الآن لا يختلف عن مسيحية الكثيرين في القرن الخامس عشر؟

لقد تجاوز أربابُ العلم هذه الأيام حدود الكرة الأرضية، والآن هناك عربات تسير على سطح كوكب المريخ، وتلتقط الصور وترسلها إلى الأرض ذاتياً، ولا بشَرَ هناك، ويأتي هؤلاء ليقولوا إن ناسا ترسل لنا صور كاذبة عن الأرض! ولا يدرون أيضاً أن أغلب النظريات العلمية بما فيها النظرية النسبية لأينشتاين، وقوانين نيوتن، تُنسف بشكل كامل بمجرد أنهم نشروا أوهامهم على الانترنيت، ولو فهموا تلك النظريات لما قاموا بذلك.

إن هؤلاء يجعلون من الإسلام – من ناحية علوم الطبيعة – ديناً مسيحياً خالصاً، وليتنا نتكلم عن اليوم، بل إسلامنا هو الدين المسيحي الذي يعود إلى القرن الخامس عشر، فوا أسفي على أمة ضحكت من جهلها الأممُ.

م. إبراهيم حسين أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى