اقتصاد دمشق المنهك ما بين تداعيات التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا واحتكار التجار
عمق التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا الأزمة الاقتصادية السورية أكثر، إذ شهدت الأسواق في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الأساسية بلغت نسبتها نحو 300%، فضلاً عن اختفاء بعضها، وسط أسوأ أزمة معيشية يعانيها المواطنون في تلك المناطق، نتيجة عدم اتزان الدخل مع الاستهلاك، وهبوط قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية بشكل كبير.
وأثّر تصاعد التحرك العسكري الروسي الذي بدأ في الـ 24 من شباط الماضي، على النفط والأمن الغذائي العالمي بمجمله، كون روسيا وأوكرانيا تحتلان مركزاً مهماً في سوق المواد الزراعية في العالم، وتمثل صادراتهما من القمح 23% من السوق العالمية، في حين توردان ربع إنتاج الحبوب في العالم، وتوزع الغالبية العظمى من صادرات أوكرانيا من الحبوب عبر البحر الأسود، فيما تمثل روسيا أكبر المصدرين للنفط.
ولكن النصيب الأقسى من تدهور الاقتصاد العالمي لاقاه السوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق التي تعتمد بشكل كبير على حليفتها روسيا في تأمين المواد الأساسية، وخصوصاً القمح، حيث تستورد الحكومة من روسيا نحو مليون طن من القمح سنوياً، إلى جانب المحاصيل الزراعية الأخرى التي تدخل في صناعة الأعلاف، أما أوكرانيا فتمثل المصدر الأول للزيت النباتي الخفيف في سوريا.
ثلاثة أضعاف.. ارتفاع جنوني تشهده الأسواق
وازداد الواقع المعيشي للمواطنين في مناطق سيطرة حكومة دمشق سوءاً مع بداية التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا، إثر ارتفاع أسعار الأدوية والسلع الأساسية بشكل ملحوظ، وخاصة مادة الزيت التي شهدت اختفاءً في الأسواق أعقبها ارتفاع غير مسبوق، إذ بلغ سعر العبوة ذات الـ 8 ليتر 120 ألف ليرة سورية بعد أن كانت 70 ألف ليرة سورية، وسط غياب الرقابة وتفشي الفساد.
وترافق مع ذلك ارتفاع في أسعار بقية المواد الأساسية بنسبة 300%، إذ قفز سعر كيلو السكر إلى 3700 ل.س، وكيلو الأرز نحو 6000 ل.س، وبلغ سعر الكيلو الواحد من البرغل 4200 ل.س، فيما بلغ سعر صفيحة زيت الزيتون 240000 ل.س، وكيلو السمن البقري بلغ 19000 ل.س، أما الجبن العادي فقد بلغ سعره 12500 ل.س.
وبالنسبة لأسعار اللحوم فقد وصل كيلو الفروج النيء 10500، وكيلو لحم الخروف وصل إلى 33000 ل.س، بينما بلغ سعر كيلو لحم العجل 27000 ل.س.
فضلاً عن الارتفاع الذي طرأ على أسعار المحروقات في المنطقة، إذ بلغ سعر ليتر البنزين الحر ما بين 4000 و5000 ل.س، أما المازوت فراوح سعر الليتر منه ما بين 2800 و3500 ل.س، بينما راوحت قيمة اسطوانات الغاز الحر ما بين 80 إلى 90 ألف ليرة سورية، بحسب ما أفاده المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ولم يسلم الواقع الصحي أيضاً من تداعيات الأزمة الاقتصادية في المنطقة، إذ ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 50%، كما فقد بعضها من الصيدليات كالبروفين وبعض أدوية الأمراض المزمنة الخاصة بمرضى القلب والصرع والسكري والسرطان والتصلب اللويحي وغيرها من أدوية الأمراض المزمنة.
وعادت أزمة حليب الأطفال إلى الواجهة، إذ بات يفقد بعض أصنافها في الصيدليات بشكل نهائي، فضلاً عن ارتفاع أسعار البعض الآخر منها، حيث ارتفع سعر حليب نان من 12 ألف إلى 17 ألف ليرة للعلبة الواحدة، كذلك حليب كيكوز ارتفع سعره من 10500 إلى 14 ألف.
المواطنون يدفعون الضريبة
وفي هذا السياق، عزا الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى عمر، أسباب ارتفاع أسعار السلع الأساسية واختفاء بعضها من الأسواق إلى اعتماد حكومة دمشق على حليفتها روسيا في تأمين سلعها الغذائية الأساسية مثل القمح، وغيره، بأسعار زهيدة، وأحياناً مجاناً، وإلى العقوبات المفروضة على موسكو التي تؤثر بشكل أكبر على الاقتصاد السوري المتأزم أساساً.
وأضاف: “من أسباب ارتفاع أسعار السلع الغذائية في سوريا أيضاً، الإتاوات والرشاوى التي يدفعها التجار لحواجز النظام السوري التي تنتشر على طول الطريق بين سوريا والعراق، منفذ البضائع الواردة لسوريا، بالإضافة إلى عمليات تهريب البضائع، وجميعها مشكلات مسؤول عنها نظام بشار الأسد، والذي لم يكتف بهذا بل أعلن دعمه لروسيا”.
‘أي انتكاسة روسية ستدفع سوريا ثمنها’
يقول المراقبون إن حكومة دمشق تدعم القيادة الروسية في تحركها العسكري في أوكرانيا ووضعت كل رهانها على انتصار موسكو في هذه الحرب، لذلك فإن أي انتكاسة روسية هناك ستدفع سوريا مقابله ثمناً باهظاً في ملفات عدة، بينها مفاوضات سوتشي واللجنة الدستورية بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية في وقت تعاني حكومة دمشق من أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
عن تداعيات مواقف حكومة دمشق الداعمة للتحرك العسكري الروسي في أوكرانيا، يقول عمر إن “الدعم السوري لروسيا، لا يأتي فقط على شكل دعم سياسي، بل وصل إلى حد تجنيد مرتزقة سوريين للقتال في أوكرانيا، ضمن صفوف القوات الروسية، حيث تركزت عمليات تجهيزهم للمشاركة في الحرب بمدن طرطوس واللاذقية ودرعا والسويداء إلى جانب بعض المناطق في ريف دمشق”.
وتابع: “من غير المُستبعد أن يكون جزاء ذلك، عقوبات دولية جديدة على سوريا، وهو ما يزيد الضغوط على الشعب داخل المناطق الخاضعة للنظام، مع تصاعد سياسة التقشف وتخفيض النفقات، وارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض الدعم وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، وهو ما يتوقع معه في النهاية أن تتجه سوريا إلى مجاعة شاملة”.
حلول قد لا تؤتي ثمارها
وسبق أن ادعت حكومة دمشق بأنها ستضمن توفر السلع في أسواق المناطق الخاضعة لسيطرتها، فمع بدء التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا عقدت في اليوم نفسه اجتماعاً استثنائياً، لبحث تداعياتها على الوضع الاقتصادي والخدمي في سوريا.
ادعت الحكومة أنها تسعى إلى وضع خطة خلال الشهرين المقبلين من خلال التقشف والإرشاد في إدارة مخزون المواد الأساسية كالسكر والزيت والقمح وغيرها والتدقيق في مستويات توزيعها، وكذلك ادعت بأنها ستشدد الرقابة على أسواق الصرف لضمان عدم التلاعب باستقرارها ومنع مظاهر الاحتكار.
ويشار إلى أن الحكومة قلّصت حصة الأهالي خلال الدورة التموينية الجديدة، إلى عبوة زيت واحدة لكل أسرة شهرياً، بعد أن كانت اثنتين، مبررةً ذلك بـ ”الحل الإسعافي” في ظل ما يعانيه أبناء المنطقة من واقع معيشي متدهور.
ورأى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى عمر، في ختام حديثه أن “بدائل حكومة دمشق لعلاج الأزمة القائمة تتمثل في حلول تقليدية قد لا تؤتي ثمارها، مثل انتظار فصل الربيع، حيث تزدهر زراعة القمح المحلي، وتنمو الأعشاب الخضراء، التي قد تكون بديلاً جيداً عن الأعلاف بالنسبة للثروة الحيوانية، مع منع التصدير وترشيد النفقات والدعم، وكذلك التعاقد مع 25 ألف طن من زيت دوار الشمس بتكلفة مناسبة من الصين، وإن كانت بحاجة لشهر قبل أن تصل إلى الموانئ السورية، كما يتدخل النظام لتوفير الزيت والسلع الغذائية الأخرى بأسعار مُخفضة من خلال بطاقات التموين، وإن كان هذا لا يحدث في الواقع أو بفارق زهيد”.
المصدر: ANHA.